مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء رحمة للبشرية، وإنقاذًا لها من براثن الغواية والضلال، وإخراجًا لها من الظلمات إلى النور، وحتى يصل بالبشر جميعًا إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة، وقد صرَّح صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر حين قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[1].
ومن المعلوم أن العالَمَ عامةً والعرب خاصة في زمن نشأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبل بعثته قد ذاق من ويلاتِ الحروب الكثير والكثير، وكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها لأتفه الأسباب، بل من دون أسباب أصلاً على حَدِّ قول شاعرهم:
وأحيانًا على بكر أخينا &n
وقد جاء الإسلام العظيم لينتزع الناس من هذه الحياة بالغة السوء، ولينقلهم نقلة هائلة إلى حيث الأمن والأمان والهدوء والسكينة، ومن ثَمَّ كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص ما يكون على إبعاد الناس تمامًا عن الحروب، وعن كل ما يؤدي إليها، انطلاقًا من الرسالة السامية التي جاء بها من عند الله عز وجل نورًا وهدايةً وأمنًا ورحمةً للإنسانية كلها.
ولتوضيح هذه المعاني الراقية كان هذا الفصل الذي يضم ثلاثة مباحث، وهي:
المبحث الأول: السلام في الإسلام
المبحث الثاني: المسلم لا يقاتل إلا من قاتله
المبحث الثالث: دوافع حروب الرسول صلى الله عليه وسلم
------------------------------
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك (4221)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه، والبيهقي في سننه الكبرى عن أبي هريرة وفيه "صالح" بدل "مكارم" (20571)، وفي مسند الشهاب (1165)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (45).
[2] البيت للقطامي وهو لقب غلب عليه، واسمه عمير بن شييم، وهو شاعر إسلامي مُقِلّ، وكان نصرانيًّا فأسلم، وكان فحلاً في الشعر، رقيق الحواشي، كثير الأمثال. انظر: ديوان الحماسة 1/128، المبرد: الكامل ص17، المرزوقي: شرح ديوان الحماسة 1/104.