Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن صهيب رضي الله عنه قال : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال النبي ادن فكل فأخذت آكل من التمر فقال النبي تأكل تمرا وبك رمد فقلت اني أمضغ من ناحية أخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.(الرمد:مرض يصيب العين) رواه ابن ماجه وصححه البوصري

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
m008.jpg

عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): " أن رجلاً على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً وكان يُضحِك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تلعنوه فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله" ([1]).

مظهر الرحمة:

من يتأمل الحديث يدرك أن في الرجل بساطة وسلامة صدر.. مما يستدعي مزيداً من العطف والرحمة، ولم يقع النبي (صلى الله عليه وسلم) في مخالفة، فقد أقام الحدَّ عليه. ولكنه نهى أن نتجاوز المشروع في العقوبة.. وأحال إلى شيء يشفع عن إيقاع اللعن، وهو حبُّ الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة، فقد جمع بين ما يظنه الناس تناقضاً لعظم فضله وكرمه ورحمته بالخلق.

وعن أبي أمامة (رضي الله عنه) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد ونحن قعود معه إذ جاء رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حداًّ فأقِمْه عليَّ فسكت عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم أعاد فقال: يا رسول الله إني أصبت حداًّ فأقمه عليَّ فسكت عنه، وأقيمت الصلاة فلما انصرف نبيُّ الله (صلى الله عليه وسلم) قال أبو أمامة: فاتبع الرجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين انصرف واتبعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنظر ما يرد على الرجل فلحق الرجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله إني أصبت حداًّ فأقمه عليَّ قال أبو أمامة: فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ؟ قال: بلى يا رسول الله قال: ثم شهدت الصلاة معنا ؟ فقال: نعم يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله :(صلى الله عليه وسلم) فإن الله قد غفر لك حدَّك -أو قال– ذنبَك" ([2]).

مظاهر الرحمة:

تختلف أحوال العصاة، فهناك المصرّ وهناك المنكسر. فعَلِم النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) من حال هذا الرجل ندَمه وحُرقته وتأنيب ضميره ما لا تُوقِعه العقوبة.. فكأنه (صلى الله عليه وسلم) اكتفى من العقوبة بلوم النفس والانكسار والاعتراف، مع ما أعقبه من عبادة وهي الصلاة؛ فهي دليل نافع. فإن هذا الرجل من أهل المساجد، وقد يكون في إقامة الحدِّ أو التوبيخ مزيدُ إشهار وتعذيب.

وثمَّة ملحظ آخر وهو: إن بقاء الإنسان تحت طائلة الندم ومحاسبة الذات ما قد يقوم مقام أشدِّ العقوبات.

وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك. قال: فلم يردّ النبي (صلى الله عليه وسلم) شيئًا، فقام الرجل، فانطلق فأتبعه النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً دعاه وتلا عليه هذه الآية: ) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ( [هود:114] فقال رجل من القوم: يا نبيَّ الله هذا له خاصة ؟ قال: بل للناس كافة" ([3]).

مظاهر الرحمة:

لم يتجرَّأ هؤلاء الرجال إلا وقد علموا ما تنطوي عليه شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى وهو ينفذ الحدود من الرحمة والشفقة، ولقد اكتفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهذا العذاب النفسي والاعتراف العلني كأحد صور الردع عن التَّمادي.. وهو منهج نبويٌّ في درء الحدود، وتنمية الرقابة الذاتية، والاكتفاء بجلد الذات، فهو أبلغ من جلد الغير.

وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إني لأذكر أول رجل قطعه أتى بسارق فأمر بقطعه، وكأنما أسف وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: قالوا: يا رسول الله كأنك كرهت قطعه؟. قال: وما يمنعني لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حدٌّ أن يقيمه. إن الله عز وجل عفو يحب العفو ) وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( [النور: 22] " ([4]).

مظاهر الرحمة:

في هذا الحديث نكتة علمية لطيفة فقد ألمح إلى أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يسعه العفو بعد أن تلقى القضية، إنما هذا لهم، وكأنها إشارة إلى عدم الإسراع بالبلاغ حتى تكتمل وسائل الإصلاح؛ لأن ثمَّة خطوات تحفُّ بأيِّ قضية من شأنها حين تؤخذ بمقصد إصلاحي رحيم تدرأ تفاقم الأمر، وتكفي رادعاً قبل وصولها إلى الإمام.

وفي قوله: ( أَسِفَ، وكأنك كرهتَ ) ما يدل على تغيُّر وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) رحمة بمن سيقام عليه الحد، وهنا أمر لا ينفكُّ عنه الرحماء، حتى وهم يقيمون حدود الله.

وفي قوله: ( وما يمنعني ) أي: وما الذي يمنع من الكراهة، وقد جبلت على الرحمة والشفقة بأمتي.

وفي قوله: ( لا تكونوا عوناً للشيطان ) مزيدُ إشفاق ورحمة حتى لا تجتمع على الإنسان وطأة الذنب والحد والشماتة.

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) البخاري، ح (6398)، مسلم، ح (2765). ورد أنه كان يهدي للنبي (صلى الله عليه وسلم) سمناً أو عسلاً فإذا جاء صاحبه يطلب قيمته منه قال للنبي :(صلى الله عليه وسلم) أعطِ هذا ثمن متاعه فيبتسم النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويأمر بإعطاء الثمن له. تعليقات محمد فؤاد عبدالباقي على صحيح البخاري، 6/2489.

([2]) البخاري، ح (6437)، ومسلم ح (2765) واللفظ له، هذا الحد معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة، قال ابن حجر: "ولعل الرجل ظن أن كل خطيئة فيها حد فأطلق على ما فعل حدًّا والله أعلم"، فتح الباري 8/356.

([3]) البخاري، ح (4410)، مسلم، ح (2765).

([4]) أحمد في المسند، ح (4168) 1/438، والحاكم في المستدرك، ح (8155) 4/424.