يناير 2012
لم يأت محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) ولم يقدم نفسه للناس بوصفه داعية اقتصادياً، أو صاحب نظرية اقتصادية جديدة، بل بُعث نبيًّا وقدم نفسه بهذه الصفة، ليقول للناس: إنه قد جاء لإصلاح الدين والدنيا معًا .
ولو أراد محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يجعل دعوته اقتصادية يكون همّها الأول حال الناس وتغييرهم إلى حياة أفضل على المستوى الاقتصادي؛ لتبعه أضعاف من تبعه، ولما لاقى من العقبات ما لاقى، ولكنه أعلن أنه نبي جاء لتحقيق عبودية الإنسان لربه أولاً، ومن معاني تلك العبودية أن يعمل المسلم على إعمار الكون وفق منهج إلهي يضمن أسسًا ثابتة من أهمها: العدل وحفظ الحقوق والرحمة.
فتضييق المدخل كان بإلغاء جميع قنوات الرق كالخطف والإعسار (الرجل لا يستطيع أن يدفع دَيْنَه فيصير عبدًا للدائن) والفقر وغيرها، وجعل القناة الوحيدة للرق واستثناها من جميع الأسباب الأُخَر هي الحرب، أما توسيع المخرج بما يلي:
أولاً: الحض على إعتاق العبيد.
ثانيًا: إعطاؤهم الفرصة لشراء أنفسهم بالمكاتبة، وهو تشريع يعطي العبد الحق بأن يشتري حريته مقابل مبلغ من المال: (النور: 33).
يذكر علماء السياسة والقانون الدستوري أن أُسُس قيام دولةٍ ما أربعة، وهي : (الأرض، والشعب، والقانون، والسلطة)، فلا دولة بغير تلك الأسس.
ونحاول هنا أن نوضح خطوات بناء الدولة كما بناها محمد (صلى الله عليه وسلم)، فلم تكن هناك دولة إسلامية بالمعنى الواضح للدولة إلا في يثرب مكان الهجرة التي هاجر إليها محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه - رضي الله عنهم -، ولم تكن هناك دولة إسلامية في أي تجُّمع إسلامي قبلها.
تهذيب الدوافع السياسية:
يمثل الصراع على المصالح السياسية أهم أدوات تهديد الاستقرار السياسي للمجتمع، وحينما تتسع الطموحات والأطماع الشخصية لدى أفراد المجتمع تزداد فرص الصراع والتسابق إلى السلطة.
ومن هنا فإن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) سعى إلى تهذيب هذه الدوافع، وإلى تربية أصحابه على البعد عن البحث عن الإمارة والولاية.
فعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسألِ الإمارة؛ فإنك إن أُوتيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعنت عليها».
المحافظة على المال العام:
تُتيح السلطة للوالي إدارة المال العام، ونفوس البشر تحب الدنيا وتميل إليها، ومن هنا فقد يلجأ بعض الولاة إلى التجاوز بشأن المال العام، والأخذ منه بغير حق.