Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          تربويات:

حين يقلقنا تساهل البعض في اقتراف الشبهة، فليس الحل أن نرفعها إلى درجة الحرام الصريح، ولكن أن نرفع إيمانهم إلى درجة التورع عنها حذراً مما وراءها، قال (صلى الله عليه وسلم):(ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام). فأثبت وجود القسمين(الشبهات والحرام)، وبين أن التساهل في الأول يقود إلى الوقوع في الثاني، وفي آخر الحديث جعل صلاح العبد مرهونا بصلاح مضغة فيه، قال: (ألا وهي القلب).

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

You are missing some Flash content that should appear here! Perhaps your browser cannot display it, or maybe it did not initialize correctly.

الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الشايع
نص البرنامج كاملا

تحميل

بسم الله الرحمن الرحيم، أيُّها الأحبة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنتابع في هذه الحلقة الحديث عن بعض المواقف من بيت النبوة، وكنا قد ذكرنا في  الحلقة السابقة قصة بدء الوحي -كما روتها السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها-، وقد ذكرتُ في الحلقة السابقة أنَّ بدء الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبقه أمورٌ مهَّدت له، وذلك من تلطُّف الله به؛ لئلَّا يَفْجَأه صريح الوحي، ويبغته الملك، فلا تحتمل ذلك قوته البشرية.

 ولذا فقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أول أمره يرى ضوءً، ويسمع صوتًا، ويسلِّم عليه الحجر والشجر، وتناديه  بالنبوة، وقد روى الإمام أحمد في المسند من حديث عمار بن أبي عمار أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لخديجة: (إنِّي أرى ضوءًا، وأسمع صوتًا، وإنِّي أخشى أن يكون بي جَنن)، قالت: "لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا ابن عبد الله، ثم أتت ورقة بن نوفل، فذكرت ذلك له، فقال: إن يك صادقًًا؛ فإنَّ هذا ناموس مثل ناموس موسى، فإن بُعث وأنا حي؛ فسأعزِّره، وأنصره وأؤمن به".

وكان بدء ذزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أكمل أربعين سنة، حيث أشرق عليه نور النبوة، وأكرمه الله -تعالى- برسالته، وبعثه إلى جميع المكلفين من خلقه، واختصه بكرامته، وجعله أمينه بينه وبين عباده، يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "وَكَمّلَ اللّهُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ مَرَاتِبَ عَدِيدَة: 

إحْدَاهَا: الرّؤْيَا الصّادِقَةُ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصّبْح.

الثّانِيَة: ما كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رُوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ، كَمَا قَالَ النّبِيّ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: (إنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوْعِي أَنّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ   رِزْقَهَا وأجلها، فَاتّقُوا اللّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنّكُمْ   اسْتِبْطَاءُ الرّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ، فَإِنّ مَا   عِنْدَ اللّهِ لَا يُنَالُ إلّا بِطَاعَتِهِ)  .

الثّالِثَة: أنَّهُ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَانَ يَتَمَثّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُخَاطِبَهُ حَتّى يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصّحَابَة أَحْيَانًا.

 الرّابِعَةُ :أَنّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَكَانَ أَشَدّهُ عَلَيْهِ، فَيَتَلَبّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتّى إنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشّدِيدِ الْبَرْدِ، وَحَتّى إنّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُك بِهِ  إلَى الْأَرْضِ إذَا ركِبها.  
الْخَامِسَةُ :أَنّهُ يَرَى الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، فَيُوحِي إلَيْهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُوحِيَهُ، وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرّتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَ اللّهُ ذَلِك في سورة النجم. 

 السّادِسَة: ما أَوْحَاهُ اللّهُ وَهُوَ فَوْقَ السّمَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصّلَاةِ وَغَيْرِها. 

 السّابِعَة: كلام اللّهِ لَهُ مِنْهُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ كَمَا كَلّمَ اللّهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصّ الْقُرْآنِ، وَثُبُوتُهَا لِنَبِيّنَا -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاء". ا.هـ كلامه -رحمه الله-.

ولما كان ابتداء نزول القرآن في رمضان -كما تقدَّم-؛ فقد كان رسول الله -صلى   الله عليه وسلم- يَعْرِض القرآن على جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيتدارسه معه، يبيِّن هذا   أيضًا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول -الله صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين  يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرَسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، فدلَّ هذا الحديث على استحباب الجود  والحثِّ عليه في كلِّ وقت، وخاصة في شهر رمضان وعند الاجتماع بأهل   الصلاح  . 

وفي صحيح البخاري ومسلم عن فاطمة بنت رسول   الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- أنَّه -عليه الصلاة السلام- أخبرها أنَّ جبريل -عليه السلام-   كان يعارضه، أي: يدارسه القرآن كلَّ عام مرة، وأنَّه عارضه عام وفاته مرتين.

وفي حديث ابن عباس المتقدِّم قريبًا أنَّ المدارسة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين  جبريل كانت ليلًا، فدلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة ليلًا، فإنَّ الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهِمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزّمِّل: 6].

وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة : 185]، ولأجل ذلك حرص السلف -رحمهم الله- على مزيد العناية بالقرآن، ومن ذلك أنَّ عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- كانت تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس؛ نامت.

 وكان الإمام مالك -رحمه الله- إذا دخل رمضان؛ نَفَر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

 وقال  عبد الرزاق -رحمه الله- كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان؛ ترك جميع العبادة، وأقبل على  تلاوة القرآن، والذي ينبغي للمسلم أن يعمُر أوقاته في هذا الشهر المبارك بتلاوة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ولنتذكر قول الحبيب المصطفى-صلى الله عليه -: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام  والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفِّعني فيه، فيُشَفَّعان)[1].

 ولمَّا  كان هذا الحديث الذي تقدم فيه ذكر أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-؛ فيَحْسُن أن نأتي  بشيء من سيرتها في ختام هذه الحلقة، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها، أمُّ القاسم خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشية، يلتقي نسبها بنسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصي بن كلاب، وهي أمُّ أولاده -صلى الله عليه وسلم- إلَّا إبراهيم؛ فإنَّه من سُرِّيته مارية، وأول من آمن به وصدَّقه قبل كلِّ أحد، وهي التي ثبَّتت جأشه ونصرته، فكانت وزيرة صدق -رضي الله عنها-، ومناقبها جمة، وهي ممن كَمُل من النساء، كانت عاقلة جليلة ديِّنة مصونة كريمة حصيفة الرأي -رضي الله عنها-.

 ومن مناقبها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى جبريل النبي -صلى الله عليه  وسلم- فقال : يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتْ معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها من ربها السلام ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب أي من لؤلؤ لا صخب فيه ولانصب".  

 الله أكبر، تلك والله المفخرة التي لا يدانيها مفخرة، امرأة يبلِّغها ربُّ العالمين السلام، ويبشِّرها بالكرامة في دار السلام، فهذه خاصة ومزية  لا تُعْرَف لأحد غيرها.

وقد كان رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- يثني عليها، ويبالغ في تعظيمها حتى بعد موتها، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرم صديقاتها؛ لمنزلتها من نفسه، ومن كرامتها على رسول الله -صلى   الله عليه وسلم- أنَّه لم يتزوج قبلها، ولم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نَحْبَها، فحزن على فقدها حزنًا كبيرًا، فإنَّها كانت نِعْم القرين، وكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث  سنين في شهر رمضان، وقد كانت خديجة قبل زواجها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- تحت رجل  يُقال له أبو هالة بن زُرارة التميمي، ثم خلَف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن   مخزوم، ثم تزوجها بعد ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولها من العمر أربعون سنة، وعمره إذ ذاك -عليه الصلاة والسلام- خمسٌ وعشرين سنة، فأقامت معه -عليه الصلاة والسلام-  خمسة وعشرين عامًا، لم تسؤه في يوم منها قط، أو تغاضبه، أو تكدِّر له خاطرًا، فرضي الله عنها وأرضاها، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفاه نظير مواقفها العظيمة أول الإسلام، وتسليتها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتثبيته، وحسن عشرتها له،  وإنفاقها أموالها فيما يرضي الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وإلى هنا نأتي إلى ختام   هذه الحلقة آملًا أن ألقاكم في الحلقة القادمة على خير وعافية، والسلام عليكم   ورحمة الله وبركاته

 


[1] رواه أحمد في المسند بسند صحيح.


المقطع المختار من قسم مقاطع الفيديو