Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          استحباب تأخير السحور وتبكير الصلاة:

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان و السحور قال قدر خمسين آية) متفق عليه. والمراد بالأذان في الحديث الإقامة فكان بين فراغه من السحور عند الأذان وبين إقامة الصلاة قدر قراءة خمسين آية قراءة متوسطة معتدلة وذلك يستغرق قرابة خمس عشرة دقيقة.

 

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يُواجَه من أعدائه بأساليب موغلة في الاستفزاز والأذى قد تُخرج الإنسان عن طوره، لكنه مع ذلك كان مثالاً للحلم والصبر، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رهطٌ من اليهود على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة. فقال: «يا عائشة إن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله». قلت : أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «قلت وعليكم»([1]). إن هؤلاء كانوا يستخفون بلفظ السلام الذي هو من دين الإسلام، وكانوا يجعلون التحية شتيمة ولعنة، ويسوقونها بلفظ يوهم خلاف ذلك، ومع هذا كله كان حلم محمد (صلى الله عليه وسلم) أوسع من الاستجابة لهذا الاستفزاز، بل ينكر على عائشة -رضي الله عنها- مقولتها، ويدعوها إلى مزيد من الرفق والإحسان، فتظن أنه لم يسمع تلك المقولة فيجيبها بأنه قد سمع.ولم يكن حلم محمد (صلى الله عليه وسلم) مقتصراً على أعدائه، بل يسع أتباعه من باب أولى، وهم جمهور واسع، وفيهم من العامة والأعراب من يكون طبعه الجفاء والغلظة فيتصرف مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما لا يليق، لكنه كان يحلم ويصبر عما يبدر منهم ، فعن أبي هريرة t أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) يتقاضاه فأغلَظَ؛ فَهَمَّ بِهِ أصحابُه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً». ثم قال: «أعطوه سنًّا مثل سِنّه». قالوا: يا رسول الله، إلا أمثل من سنه؛ فقال: «أعطوه؛ فإن من خيركم أحسنكم قضاء»([2]).

لقد جمع محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذا الموقف بين الحلم والصبر على جفاء الرجل وغلظته، وبين الإحسان، فأعطاه أكثر من حقه.والجفاء من بعض الأتباع قد لا يقف عند أولئك الذي يطالبون بحق ثابت لهم، بل إنك تجد من يسألون ويستكثرون قد يتعاملون معه بجفاء وغلظة، ومع ذلك يتسع صدره للحلم عليهم،فعن أنس بن مالكٍ قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعليه بردٌ نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذةً شديدةً حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك؛ فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم ضحك، ثم أمر له بعطاءٍ([3]).لقد جمع هذا الرجل بين الإيذاء البدني والنفسي، فهو حين يسأله يقول له: «مُرْ لي من مال الله». أي أنك حين تعطيني فلست بصاحب فضل ولا معروف، فأنت إنما تعطي من مال الله.وحلم محمد (صلى الله عليه وسلم) يسع أولئك الذين يؤذونه ويمتد الأذى منهم إلى الأذى البدني؛ فيذكَّر (صلى الله عليه وسلم) نفسه بما كان يصيب الأنبياء من قبله مما يزيده حلمًا،عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ([4]).

يغضب لكنه يحلم (صلى الله عليه وسلم):

والحلم عند محمد (صلى الله عليه وسلم) ليس مصدره أنه لا يغضب مطلقًا، فهو بشر كسائر البشر يغضب حين يكون الموقف يثير الغضب، لكن حلمه كان يحجزه عن أن يستجيب لداعي الغضب، فعن عبد الله t قال: لما كان يوم حنين آثر النبي (صلى الله عليه وسلم) أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أُريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي (صلى الله عليه وسلم) فأتيته فأخبرته. فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»([5]).وقد ورد في بعض روايات هذا الخبر : فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال: «يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»([6]).ومن هنا يؤكد محمد (صلى الله عليه وسلم) على أتباعه هذا المعنى، يؤكد عليهم أن قيمة الإنسان وقوته تتمثل في انتصاره على الاستجابة لدوافع الغضب، ويبيّن حال ذلك الذي يستحق الثناء والإشادة فيقول سائلاً أصحابه: «ما الصرعة؟» قالوا: الصريع. قال (صلى الله عليه وسلم): «الصرعة كل الصرعة، الصرعة كل الصرعة: الرجل يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع غضبه» ([7]).وعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله تعالى:  (البقرة: ٢٢٢)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :«اصنعوا كل شيء إلا النكاح». فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله: إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن. فتغيَّر وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى ظننا أن قد وَجَدَ عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما([8]).

حلمه مع أهل بيته (صلى الله عليه وسلم):

ومما يتجلى فيه الحلم لدى محمد (صلى الله عليه وسلم): تعامُله مع أهل بيته، فهو بشر كسائر الناس يعيش حياتهم ومشكلاتهم، ويتعامل مع زوجاته وهنّ بشر قد يبدو منهن ما يبدو من غيرهن من النساء، ومع ذلك كان حلمه يسع ذلك كله (صلى الله عليه وسلم). وتروي لنا إحداهن وهي عائشة -رضي الله عنها- نموذجًا من حلمه في تعامله مع أهل بيته، فعن رجل من بني سواءة قال: سألت عائشة عن خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: أما تقرأ القرآن ﭽ ﮛ ﮜ   ﮝ ﮞ ﭼ (القلم: ٤). قال: قلت حدثيني عن ذاك. قالت: صنعت له طعامًا وصنعت له حفصة طعامًا، فقلت لجاريتي: اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل، فاطرحي الطعام. قالت: فجاءت بالطعام. قالت: فألقته الجارية، فوقعت القصعة فانكسرت وكان نطعًا، قالت: فجمعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: «اقتصوا، أو اقتصي ظرفًا مكان ظرفك، فما قال شيئًا».([9])

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه البخاري (5678)، ومسلم (6395).
([2]) أخرجه البخاري (2305)، ومسلم (1601).
([3]) أخرجه البخاري (6088)، ومسلم (1075).
([4]) أخرجه البخاري (2305)، ومسلم (1601).
([5]) أخرجه البخاري (3150)، ومسلم (1063).
([6]) أخرجه البخاري (3405)، ومسلم (1062).
([7]) أخرجه أحمد (22605).
([8])أخرجه مسلم (302).
([9]) أخرجه أحمد (24279)، ومسلم (2333).