Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر وتزوج صفية بنت حيي كان يدير كساءً حول البعير الذي تركبه يسترها به ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفيةُ رجلها على ركبته حتى تركب ولم يكن هذا المشهد بعيداً عن أعين الناس بل كان على مشهد من جيشه المنتصر فكان يعلمهم أن الرسولَ البَشَرَ والنبيَّ الرحمةَ والقائدَ المظفر لا ينقص من قدره أن يوطِّئ أكنافَه لأهله وأن يتواضع لزوجه وأن يعينها ويسعدها. (أكرم ضياء العمري)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

- مدرسة الرحمة:

مساء اليوم التالي، وعند الساعة التاسعة، رن جرس منـزلي، ففتحت الباب، واستقبلت الضيفين الكريمين مرحِّباً بهما..

ولما استقر بنا المجلس، بعد بعض المجاملات.. وبعد أداء واجب إكرام الضيف.. بدأ الأب ستيفانو متابعاً حديث الأمس فقال:

- لا أكتمك أنني كنت أستروح مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد، بل وفي شخصية كل عربي، منذ قرأت في سابق أيامي عبارةً لأحد المؤرخين الغربيين النابهين[1] تقول: «لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب»، ولقد وجدت فيها إشادة بعنصر الرحمة عند الجنس العربي كله، لأن الفاتحين من العرب كانوا يمثلون هذا الجنس بكل أطيافه.

قلت: إنَّ كل عربي يقرأ هذه العبارة، لا بد أن تفيض نفسه بالشكر والامتنان لصاحبها، على ما يُكنُّه من مشاعر نبيلة تجاه العرب. لكن لو استبطن صاحب هذه العبارة حقيقة التاريخ، لقال بدلاً منها: «لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من تلاميذ مدرسة محمد».

قال: ولِمَ هذا التصحيح لعبارةٍ وُضعت في معرض المدح والثناء؟

قلت: لأن العرب قبل محمد (صلى الله عليه وسلم)، كانوا بُداةً جُفاة، تدور بينهم الحروب الطاحنة من أجل بعير... من أجل حصان... من أجل رهان... وكان منهم من يئد البنات ويدفِنُهُنَّ أحياء تخلصاً من أن يُقال: رُزَق فلان بنتاً ولم يُرزق ولداً! وفي هؤلاء تقول الآية القرآنية: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾[2]، وكان عندهم من القسوة مثل ما عند غيرهم من الشعوب الأخرى[3]...

فلما بُعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تغيرت حالهم رأساً على عقب... لقد دخلوا مدرسة محمد جُفاةً قُساةً... فلما تخرجوا فيها، إذا هم أرحم أمة عرفها تاريخ الفتوحات[4].

قال: إذاً مدرسة محمد هي التي علَّمت الفاتحين العرب الرحمة؟.

قلت: أجل.

قال: هل لك أن تحدثني ماذا كان يعلِّم محمد في مدرسته هذه[5]؟

قلت: لم يكن يعلم فيها سوى الرحمة.

قال باستغراب: كيف هذا!؟ وقد خرجوا منها بِدينٍ مكتمل، نشروه في أصقاع الأرض، ودانت به الشعوب؟!

قلت: أتدري ما هو الدين الذي علَّمه محمد الناسَ في مدرسته؟

قال: هو الإسلام.

قلت: والإسلام هو دين الرحمة فقط، لا شيء غيرها.

قال: كيف؟ أفصح.

قلت: يقول الله تعالى في القرآن الكريم مخاطباً رسوله محمداً (صلى الله عليه وسلم)، ومبيناً سبب إرساله إلى الناس: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[6] أترى في هذه الآية شيئاً غير الرحمة يُطلب من رسول الله أن يقدمه للبشر؟

قال: بل هي تحصر الغاية والهدف من رسالة محمد، في الرحمة فقط.

قلت: أتدري ما معنى هذا؟

قال: ما معناه؟

قلت: معناه أن جميع ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) مُرسلاً من عند ربه، وجميع ما اشتملت عليه رسالته من عبادات ومعاملات، وآداب وأخلاق، وحقوق وواجبات... كل ذلك إنما هو مبني على أساس الرحمة للبشر كافة!.

وأردفت: بل حتى العقوبات الشرعية، من حدود وقصاص وتعزير... إنما هي رحمة للبشر، لما فيها من قطعٍ لدابر الشر، ومنعٍ للفساد من أن يستشري في المجتمعات... بينما هو يستشري اليوم كما تعلم، بسبب التشريعات والقوانين التي وضعها المُشرِّعون من البشر بأنفسهم، منصرفين عما شرع الله سبحانه للناس كافة[7].

قال: أنا أتفق معك في هذا، وحبَّذا لو حدثتني عن الطريقة التي كان محمد يعلِّم بها الناسَ الرحمةَ في مدرسته.

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] هو المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب).

[2] النحل /58-59/.

[3] يقول الأديب العالمي (تولستوي) /1828-1910م/: «يكفي محمداً فخراً أنه خلَّص أمة دمويَّة من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وإن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة».

[4] يقول المستشرق الفرنسي (غوستاف دوكا) في كتابه (تاريخ فلاسفة المسلمين وفقهائهم): «للدين الإسلامي أثر كبير في تهذيب الأمم وتربية مشاعرها ووجدانها، وترقية عواطفها، فإذا قرأت تاريخ العرب قبل البعثة، وعلمت ما كانت عليه، اعتقدت أن للشريعة السمحة في تهذيب الأخلاق التأثير الأكبر، إذ ما كاد يتصل بالأمة العربية ذلك الإصلاح الروحي المدني، حتى انتشر العدل، وزال النفاق والرياء والعدوان».

ويقول المستشرق الفرنسي (إدوار مونتيه) في آخر كتابه (العرب): «لقد وجَّه محمد العرب إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم».

[5] تقول المستشرقة (آن بيزيت) في كتابها (حياة وتعاليم محمد): «من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويدرس كيف عاش هذا النبي وكيف علَّم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، وبرغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس، فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء، بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم».

[6] الأنبياء /107.

[7] يقول المستشرق (هيدلي): «لو أصبح كل فرد في الامبراطورية الانكليزية محمدياً حقيقياً بقلبه وروحه لأصبحت إدارة الأحكام أسهل مما هي عليه، لأن الناس عندئذ سيعملون بدين حقيقي» عن مقدمة كتاب (محمد رسول الله) لآيتين دينيه.

ويقول برنارد شو: «وفي رأيي أنه لو تولى – محمد – أمر العالم اليوم، لوفِّق في حل مشكلاتنا بما يؤمِّن السلام والسعادة التي يرنو إليها البشر».

ويقول الفرنسي (ليون روش) في كتابه (ثلاثون عاماً من الإسلام): «لقد وجدت دين الإسلام أفضل دين عرفته، فهو دين إنساني طبيعي اقتصادي أدبي، ولم يدُر بخلدي شيء من قوانيننا الوضعية إلا وجدته= =مسنوناً في الإسلام. بل إنني عدتُ إلى التشريع الذي يسميه غول سيمون (التشريع الطبيعي) فوجدته أُخِذ من الشريعة الإسلامية».