بداية ندرك نحن أهل الإسلام مقام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعظمته، وأنه بمكانة لا يحتاج معها لتزكية أحد من البشر بعد أن زكَّاه الله وعظم شأنه، ولكن أبى الله إلا أن يجعل من غير المسلمين من يشهد لنبيه شهادة الصدق والعدل.
وبين أيدينا الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ـ ماري أرويه François Marie AROUET (1694 ـ 1778) الذي عرف باسمه المستعار فولتير.
فولتير له مسرحية تدعي التعصب عام 1742 كتب فيها تهجمات على الإسلام وأن النساء يجبرن فيه على الإيمان، ويشكك فيها عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام، وضمنها وصفاً معتدياً بذيئاً نحو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. وقد صودرت هذه المسرحية بعد عام بسبب تحفظ الكنيسة عليها إذ رأت أن فولتير أراد نقدها من شريعة الإسلام.
وهو بهذا النعت غير المنصف والطعن بشخصية رسول الله محمد يستهدف معاداة أي فكرٍ ديني تواكباً مع الفترة التي شُنَّت فيها حملة عامة واسعة ضد الأفكار الدينية المسيحية تجاوباً مع مبادئ ما يسمى عصر النهضة والتنوير العقلي الذي ساد أوروبا آنذاك.

وفي حقيقة الأمر أن فولتير الذي نبذ التعصب في المجتمع الفرنسي ودعا لمحاربة التعصب إلا أنه ارتكب خطأً فكرياً فاحشاً في تأليفه مسرحية «التعصب» أو «حياة محمد» لأنها بنيت على مبادئ التعصب، بل وعلى البهتان والافتراء، لأنه أراد من خلال هذا العمل نقد الكنيسة وتدنيس كل مقدس، حيث وجد أن النيل من الإسلام ومن الرسول عليه الصلاة والسلام سيكون مقبولاً في مجتمعه ولدى الكنيسة، وهذا ما وقع ابتداء حتى تم عرض المسرحية لتعود الكنيسة إلى الممانعة في عرضها ومصادرتها لأنها وجدت نفسها معنية بها.
لكن فولتير عاد لينقض تلك الافتراءات ضد الإسلام، عندما عرف حقيقة الإسلام وما فيه من التوجيهات والمبادئ السامية، حيث تأثر بكتاب «سيرة حياة محمد» لمؤلفه هنري دي بولونفيرس الذي نُشر في لندن عام 1720، وفيه دفاعٌ عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وردٌّ على المطاعن والانتقاصات التي افتُريت عليه، وأوضح أنَّ محمداً عليه الصلاة والسلام مبدعٌ دينيٌّ عقليٌّ يستحق التقدير حتى في الغرب.
وحينها ألَّف فولتير كتابه «بحثٌ في العادات» عام 1765 ومدح فيه الإسلام وأشاد بمحمد وبالقرآن، وقال: «إنَّ محمداً مع كونفوشيوس وزرادشت أعظم مشرعي العالم» على حد تعبيره.

وفي عام 1751 نشر فرانسوا فولتير كتابا بعنوان «أخلاق الأمم وروحها» دافع فيه عن محمد عليه الصلاة والسلام باعتباره مفكراً سياسياً عميق الفكر ومؤسس دين عقلاني حكيم، ومشيراً إلى أن الدول الإسلامية كانت تتمتع دائماً بالتسامح الذي خلا منه التقليد المسيحي تاريخياً.
وفي ضوء ذلك ألم يكن من الإنصاف والكمال أن يعمد مثقفو فرنسا وعموم المثقفين الغربيين والمتأثرين بأطروحات فولتير لأن يقدموا «بحث في العادات» على «التعصب»؟ أم أنه التعصب؟
ولنا أن نتساءل في خضم حملة المتطرفين في الغرب ضد الإسلام ورسول السلام محمد: ألم يئن لكم أن تراجعوا أنفسكم ونحن وإياكم في عصر التفوق العلمي والاتصال المدهش بين الأمم والثقافات؟ ألم يئن لكم أن تراجعوا أنفسكم لتتواكبوا مع روح هذا العصر بكل معطياته التي من جملتها دلائل صدق محمد وطهارته؟
ألم يئن الأوان في عصر التفوق العلمي والاتصال المدهش بين الأمم والثقافات لكي يراجع العقل الغربي حساباته، ويتخذ موقفاً أقرب إلى روح

هذا العصر، وأكثر انسجاماً مع معطياته؟
ومما يلح بهذا المطلب كون العالم اليوم يشهد اضطرابات عديدة، أريقت فيها الدماء وأزهقت الأرواح، بغياً وعدواناً، بما يجعلنا أحوج ما نكون لنشر أسباب السلم والعدل، وخاصةً احترام الشرائع السماوية واحترام الأنبياء والمرسلين. فهذا المسلك يتحقق به حفظ ضرورات البشر في أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وغير ذلك من حقوقهم ومقومات عيشهم الكريم. وإن مثل هذه الأطروحات العدائية والاستفزازية نحو المقدسات لن تزيد العالم إلا شقاءً وبؤساً، ذلك أننا جميعاً بحاجة لمصادر الرحمة والهدى، والتي يسَّرها رب العالمين على يدي رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فكان المستهزئون به عليه الصلاة والسلام، المشوهون لحقيقة حياته ورسالته ممن يصد الناس عن الخير ويمنع من استقرار العالم وطمأنينته، وهذا الصنف من الناس توعده الله في كتابه وندد بسوء فعالهم «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ» [سورة إبراهيم 3].
وإنَّه لمن المؤسف لحال البشرية اليوم، مع ما وصلت إليه من التقدم في مجالات عديدة من علوم الدنيا، بما تتضمنه من الاكتشافات المبهرة، ثم يأتي في هذا الخضم من العواصم التي تدَّعي التحضر كتابات ساقطة وأطروحات تتردى معها تلك المجتمعات بسبب إسقاطات أخلاقية نحو المقدسات.

ولا ريب أن المسؤولية علينا أهل الإسلام مسؤولية عظيمة في منع هذا التشويه نحو الإسلام ونحو الرسول والقرآن، وكل يحمل جزءاً من المسؤولية.. قد تعظم وقد تقل، فالقادة والعلماء والمثقفون والإعلاميون والجاليات وغيرهم.. كل يتحمل مسؤوليته بحسب موقعه.
* الأمين المساعد للمركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرتهkhalidshaya@hotmail.com

د. خالد بن عبد الرحمن الشايع*

 

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

كانت له صلى الله عليه وسلم مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلى كل من رآه وتجمعان إليه قلوب من عاشروه , وهي صفة لم يختلف فيها صديق ولا عدو
ولم ينقل عن أحد من أقطاب الدنيا أنه بلغ بهذه الصفة مثل ما بلغه محمد بين الضعفاء والأقوياء على السواء(محمود العقاد)

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية