Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       فضل التيسير على الناس:

قالت عائشة (رضي الله عنها): (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه). وقال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا). متفق عليهما. وإن من مجالات التيسير: التيسير على الطلاب في امتحاناتهم وتصحيح أوراقهم، ما لم يكن فيه إخلال بواجب الوظيفة وأمانة التعليم .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

 ومن عظيم أخلاقه وجميل خلاله صلى الله عليه وسلم؛ عفوه عمن ظلمه، وحِلمه على من جهل عليه، وذلك أن لا حظَّ لنفسه في نفسه. ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)).[1]

وعن أنس بن مالك رضيى الله عنه قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً. كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ((ما له؟ ترِبَ جبينُه)).[2]

ولما سئلت أمُ المؤمنين عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويصفح).[3]

وهذه الصفة من صفاته صلى الله عليه وسلم مذكورة في الكتب قبل الإسلام، ففي البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن .. ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُماً، وقُلوباً غُلفاً).[4]

وقد صدق رضيى الله عنه ، ففي السفر المنسوب إلى النبي إشعيا: " هوذا عبدي الذي أَعضُده، مختاري الذي سُرّت به نفسي، وضعتُ روحي عليه، فيخرج الحق للأمم، لا يصيح، ولا يَرفع ولا يُسمع في الشارع صوتُه، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته، هكذا يقول الله الرب خالق السموات " (إشعيا 42/1-4)

ومن عفوه صلى الله عليه وسلم وحِلمه أنه في يوم حنين لما أجزل العطاء لضعاف الإيمان يتألف قلوبهم للإسلام؛ قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! يتهم رسول الله بالظلم والحيف.
يقول ابن مسعود: فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فغضب حتى رأيتُ الغضب في وجهه، ثم قال: ((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).[5]
إنه يمتثل أمر ربه وهو يقول له: } فاصفح الصفح الجميل {(الحجر: 85).

ويقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ حتى إذا بلغ وسطه أدركه رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه صلى الله عليه وسلم خشناً، فحمّر رقَبتَه، فقال: يا محمد، احمل لي على بعيريَّ هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك.

فقال رسول الله: ((لا، وأستغفر الله، لا أحملُ لك حتى تُقِيدني مما جبذتَ برقبتي)) فقال الأعرابي: لا والله لا أُقيدُك .

يقول أبو هريرة: فلما سمعنا قولَ الأعرابي أقبلنا إليه سراعاً، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عزمتُ على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامَه حتى آذن له)).
 ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: ((يا فلان، احمل له على بعير شعيراً، وعلى بعير تمراً)). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((انصرفوا)).[6]

قال السندي: "أراد أنه لكمال كرمه يعفو البتة، وفي أمثال هذه الأحاديث دليل على أنه لولا (أي: لو لم يؤت) المعجزات إلا هذا الخلق لكفى شاهداً على النبوة".[7] } فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين{ (آل عمران: 159).

ومن حلمه صلى الله عليه وسلم أن أعرابياً جهل حرمة المسجد، فقام يبول في طرف المسجد، فقام إليه الصحابة ينتهرونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه، دعوه)) فتركوه.
 ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له مبيناً ومعلماً: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن))، ثم أمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنَّه [فصبَّه] عليه.[8]

واستدان النبي صلى الله عليه وسلم من أحدهم ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب دينه، فأغلظ القول في طلبه، فهمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام معتذراً لسوء مقال الرجل وغلظته: ((إن لصاحب الحق مقالاً)).

ثم قال لأصحابه: ((اشتروا له سِناً))، فأعطوه إياه. فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنَّاً هو خيرٌ من سِنِّه. قال: ((فاشتروه، فأعطوه إياه، فإن من خيركم أحسنَكم قضاءً)).[9]
فلم يقابل رسول الله إساءة الرجل بمثلها، بل عفا عنه وصفح، ثم أحسن إليه، فرد خيراً مما أخذ، وهو في كل ذلك يمتثل أمر ربه ومولاه } والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين { (آل عمران: 134).
 
وهكذا فإن هذا الصفح وذلكم الحلم، إنما هما بعض أخلاق النبوة التي كساها الله نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم لتكون شاهداً آخر على نبوته ورسالته.[10]

[1] رواه البخاري ح (3296)، ومسلم ح (4294).
[2] رواه البخاري ح (6031).
[3] رواه الترمذي ح (2016)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (5820).
[4] رواه البخاري ح (2125).
[5] رواه البخاري ح (3405)، ومسلم ح (1062).
[6] رواه النسائي ح (4776)، وأبو داود ح (4775).
[7] شرح السندي على النسائي (8/34).
[8] رواه البخاري ح (221)، ومسلم ح (285)، واللفظ له.
[9] رواه البخاري ح (2390)، ومسلم ح (1601).

[10]  يعلق المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج في كتابه "حياة محمد" على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش عند فتح مكة بقوله: "كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في مكة تدل على أنه نبي مرسل، لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو". قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل ص (81).

د. منقذ بن محمود السقار