وأما حصافتها .. فهي ممن كمل من النساء.. وهي التي أثبتت لرسول الله أن ما يأتيه ليس بشيطان ولا جِن، فقد شرعت تمتحن برهان الوحي لتثّبت قلب زوجها، فقالت : "أَيْ ابْنَ عَمّ أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ .
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي ، قَالَتْ : قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى ؛ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَتْ : فَتُحَوّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى.
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ : فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي .
فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
ثم تَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ يَا ابْنَ عَمّ اثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ " [ ابن هشام : 1/،238]
فقد علمتْ – برجاحة عقلها – أن الملائكة تستحيي، وأن الشياطين لا تستحيي، فتحيلت هذه الحيلة، فثبتت وبشرت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . وخير الناس للناس من يَفطن لحاجاتهم، ومَن فاته العقلُ والفطنة فرَأْسُ مالِه الجَهْلُ.
******