Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

تشرع صلاة الليل جماعة في رمضان وتسمى صلاة التراويح، ومن فضل الله تعالى أن من قام مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ليله، ولو كان قيامه جزءاً من الليل فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل إذا  صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليله) [أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان]وذلك عندما صلى بهم في إحدى ليالي رمضان إلى نصف الليل فطلبوا أن يزيدهم

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
 الدكتور خالد الشايع

You are missing some Flash content that should appear here! Perhaps your browser cannot display it, or maybe it did not initialize correctly.

الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الشايع
نص البرنامج كاملا

تحميل

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله  وأزواجه وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدِّين، أيها الأحبة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:   نتابع في هذه الحلقة عرض موقف من  مواقف بيت النبوة التي فيها الخير والنفع في الدنيا والآخرة لكلِّ من حرص على ترسُّم آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها وفي سائر هديه   .ومن  تلك المواقف:
 ما رواه ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ أمِّ المؤمنين جُوَيْرِيَةَ بنت الحارث -رضي الله عنها-، أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِىَ في مَسْجِدِهَا –أي: في موضع صلاتها في البيت-، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ   أَضْحَى وَهِىَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ التي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟)، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ  قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ   مُنْذُ الْيَوْمِ؛ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ،  وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه)[1].
 في هذا الحديث تخبر أمُّ المؤمنين جويرية بنت الحارث -رضي الله   عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها في الصباح الباكر، وأنَّها كانت لا تزال جالسة في مصلَّاها بعد أن قضت صلاة الصبح، ولبثت على هذه الحال من الذكر والدعاء والتسبيح حتى رجع إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الضحى وقد ارتفع  النهار، وهي لا تزال على حالتها تلك، فسألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك،  فأخبرته بأنَّها لا تزال على حالها التي خرج من عندها وهي عليها، وحينئذ دلَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دعاء عظيم هو أفضل من كلِّ ما قالته برغم كثرته، وهو أن تقول: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
 ومن هذا الموقف يتبيَّن  لنا ما كانت عليه أمُّ المؤمنين جويرية -رضي الله عنها- من العبادة العظيمة، وحرصها على   التقرُّب إلى الله، وممَّا يبيِّن ذلك أيضًا ما رواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه عنها -رضي الله عنها-، أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةِ وَهْىَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ  أَمْسِ)، قَالَتْ: لَا، قَالَ: (تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا)، قَالَتْ: لَا، قال: (فَأَفْطِرِي).
 وقد يظن ظانٌّ أو سامع لِما كانت عليه جويرية من العبادة أنَّها كانت امرأة كبيرة انقطعت   للعبادة؛ لكبر سنها، ولكن الواقع أنَّها كانت على تلك الأحوال المَرْضيِّة وهي لا تزال شابة   في مقتبل عمرها، إذ كان عمرها أقلَّ من خمس وعشرين سنة، فقد توفِّي عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولها من العمر ست وعشرون عامًا.
 ومن خلال هذا الموقف تتبيَّن لنا صفحة وضيئة من صفحات البيت النبوي وعِشْرَته   -صلى الله عليه وسلم- لأهل بيته، فهو - عليه الصلاة والسلام- لا يدع مناسبة توجيه وتعليم  إلَّا ويدلُّ زوجاته على ما ينبغي لهن وما هو أفضل لهن.
 ولمنزلة الذكر والدعاء من دين الإسلام، فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل بيته إلى أهميته وعظيم أثره، كما بيَّن   ذلك لسائر الأمة، وممَّا يبيِّن هذا الجانب:
 أنَّ فَاطِمَةَ -بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها- شَكَتْ مَا تَلْقَى في يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، فَأَتَتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- تَسْأَلُهُ خَادِمًا؛ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ عليّ -رضي الله عنه-، فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا،   فَذَهَبْتُ أَقُومُ، فَقَالَ: (مَكَانَكِ)، فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ   بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صدري، فَقَالَ: (أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ   خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ، إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، أَوْ   أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، فَكَبِّرَا أربعًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا   ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَهَذَا خَيْرٌ   لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)[2]، وفي بعض الروايات أنَّ فاطمة قالت: فما اشتكيت بعد ذلك.
 أيُّها الأحبة الكرام، إنَّ من يتأمَّل النصوص الشرعية الواردة في بيان الذكر والحضِّ عليه؛ يتبيَّن له بوضوح مكانة الذكر من دين   الإسلام، ولاغرو بعد ذلك أنَّ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مناسبة مضت: (إنَّما  جُعِل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذِكر الله)، والواقع   أنَّه لا يكاد يوجد عبادة من العبادات إلَّا وله ذِكر موظَّف بها، بل يكاد يكون ذلك في سائر  شؤون الإنسان.
 وممَّا جاء في تعظيم الذكر والحث عليه قوله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، وقوله سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، إلى غير ذلك من الآيات.
 ومن الأحاديث ما رواه  مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لأن  أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)، وما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت)، وروى الترمذي عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كَثُرت عليّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبث به، فقال: (لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إنَّ مما هو كالإجماع  بين العلماء بالله وأمره أنَّ ملازمة ذكر الله دائمًا هو أفضل ما شغل العبد به نفسه  في الجملة"، فينبغي على كلِّ مسلم ومسلمة الحرص على استدامة ذكر الله والإكثار من الاستغفار، وليكن قدوتنا في ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-،  فقد كان يستغفر في اليوم مائة مرة، وكان الصحابة يعدُّون له في المجلس الواحد مائة مرة  يقول: (رب اغفر لي، وتب علي، إنَّك أنت التواب الرحيم)، وروى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ موته: (سُبْحَان الله وَبِحَمْدِه، أسْتَغْفِر الله وَأَتُوبُ إِلَيْه).
 ولنختم هذه الحلقة -مستمعي الكرام- بذكر شيء من سيرة السيدة   الجليلة جويرية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- التي ورد ذكرها في الموقف الذي ذكرناه   أول هذه الحلقة.
 فهي جويرية بنت الحارث بن أبي   ضرار المصطلقية، سُبيت مع من سُبي من قومها لمَّا غزاهم المسلمون بسبب أنَّهم كانوا يعِدُّون   لغزو المسلمين، فدعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للإسلام، وبلغتهم دعوته العامة، ولمَّا   لم يسلموا؛ باغتهم جيش النبي -صلى الله عليه وسلم-، وانتصر عليهم، ووقعت جويرية في سهم   أحد الصحابة، وكاتبته على العتق، ولمَّا استقرت بالمدينة؛ توجَّهت للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ليساعدها في كتابتها، ولنستمع لذلك المشهد تصفه عائشة -رضي الله عنها- فتقول: "لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبَايَا بني   الْمُصْطَلِقِ؛ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ فِي سَّهْمِ رجل، فكاتبته   وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَّاحَةً لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَذَتْ   بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَسْتَعِينُهُ فِى   كِتَابَتِهَا، فَكَرِهْتُهَا -يعني لحسنها-، وخافت أن يتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقَالَتْ جويرية: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا   جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ   الْبَلاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي، فَأَعِنِّى   عَلَى كِتَابَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أو خَيْرٌ  مِنْ ذَلِكَ؟ أُؤَدِّي عَنْكِ وَأَتَزَوَّجُكِ)، فَقَالَتْ: نَعَم، ففَعَلَ، فَبَلَغَ النَّاسَ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهِ عَلَيْه وَآلِهِ   وَسَلَّمَ-، فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ بني الْمُصْطَلِقِ،   فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ، فَمَا   أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا"[3].
 وفي زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بها حِكمة ظاهرة من تألُّف قومها، وترغيبهم في الإسلام، وقد كان ذلك، ولمَّا علم والدها بزواجها   من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد سَبْيها بها؛ جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إنَّ ابنتي لا يُسْبَى مثلها، فخلِّ سبيلها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أرأيت إن  خيَّرتها؟ أليس قد أحسنت؟)، قال: بلى، فأتاها أبوها، فذكر لها ذلك، فقالت: اخترت الله   ورسوله، وكان ذلك خيرًا لها ورفعة في الدنيا والآخرة.
 وقد روى البيهقي عنها أنَّها رأت قبل الغزوة بثلاث ليال كأنَّ قمرًا يسير من يثرب حتى وقع في حجرها، ولم تخبر بذلك أحدًا، فلما سُبِيت؛ رجت تحقُّق الرؤيا، وكان   ذلك عتقها، وزواج النبي بها.
 تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة خمس من الهجرة، ومكثت معه قرابة ست سنين، ثم توفي -صلى الله عليه وسلم-، وأمَّا جويرية؛ فتوفِّيت سنة خمسين من الهجرة ولها من العمر سبعين سنة، وكان اسمها قبل الهجرة "بَرَّة"، فغيَّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى  جويرية؛ لِما في اسم "بَرَّة" من التزكية.
 رضي الله عن جويرية بنت الحارث أمِّ المؤمنين، ورضي عن سائر زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن جميع آله وصحابته، وبهذا تنتهي هذه الحلقة، وإلى لقاء الحلقة القادمة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


________________________

[1]   رواه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء من صحيحه، باب: التسبيح في أول النهار.

[2]    رواه البخاري ومسلم.

[3]    رواه ابن إسحاق بسند صحيح.

 

 

المقطع المختار من قسم مقاطع الفيديو