Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

قال القاضي عياض:وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، وفصاحة لفظ، وجزالة قول، وصحة معانٍ، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخصَّ ببدائع الحكم.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
زهد النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)

لقدْ علِمَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) حقيقةَ الدُّنيا، وسرْعَةَ زَوالِها وانْقِضائِها, فَزهد فيها وعَاشَ فِيها عَيشَ المسَاكِينِ لَا عيشَ الْأَغْنِياءِ المتْرَفِينَ, يجُوعُ يَومًا فيصْبِرُ, وَيشْبَعُ يَومًا فيشْكُرُ.وَقَدْ بيَّن النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) لأمَّتِه خُطورَةَ الفتْنةِ بِالدُّنْيَا، والانْغِماسِ فِي شَهواتِها ومَلذَّاتِها، فَقَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخِلَفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِر مَا تَعْمَلُونَ, فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" [رواه مسلم].

عَلِمَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَجَنَّةُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، فَكَانَ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: "اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الآخِرَةِ" [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَلِذَلِكَ فَقَدْ جَعلَ الآخرةَ همَّه, وَفرَّغ قلبَهُ مِنْ هُمومِ الدُّنْيَا، فأتَتْه الدُّنْيا تَرْكُضُ، فَكانَ يَتحَاشَاهَا وَيقُولُ: "مَالِي ولِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" [رَواهُ الترمذِيُّ وقال: حَسنٌ صحيحٌ].

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحارِثِ أَخُو جُويْرِيةَ زوجِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم): "مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهمًا, وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا, إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا وَسِلَاحَهُ, وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً" [رَواهُ البُخارِيُّ].

هَذِهِ هِي تَرِكةُ سَيِّدِ الخلْقِ أَجْمَعِينَ, صَلواتُ رَبِّي وَسَلَامُه عَلَيْهِ، وَهُو الَّذِي أَبى أَنْ يكُونَ مَلِكًا رَسُولاً, وَفَضَّل أنْ يكُونَ عبدًا رسُولاً, فَعَنْ أَبِي هُريْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: جَلسَ جِبْريْلُ إِلَى النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) فَنَظَر إِلى السَّماءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْريلُ: هَذا المَلَكُ مَا نَزلَ مُنْذُ خُلِقَ قَبْلَ هَذِهِ السَّاعةِ. فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحمَّدُ! أَرْسَلَنِي إِليْكَ رَبُّكَ؛ أَمَلِكًا أَجْعَلُكَ، أَمْ عَبْدًا رسولاً؟ فَقَالَ لَه جِبْرِيلُ: تَواضعْ لِرَبِّكَ يَا محمَّدُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "لَا بَلْ عَبْدًا رَسُولاً" [رواهُ ابنُ حبَّان وصحَّحهُ الألبانيُّ].

وَهَكَذَا كَانَتْ مَعِيشةُ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) مَبْنِيَّةً عَلَى التَّواضُعِ والزُّهْدِ وَالاسْتِعْفَافِ, فَقَدْ قَالتْ عَائشةُ رَضِي اللهُ عَنْهَا: "تُوَفِّيَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُه ذُو كَبِدٍ إِلَّا شِطْرُ شَعَيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأكلْتُ مِنْه حَتَّى طَالَ عَليَّ، فَكِلْتُه فَفَنِي" [متَّفَقٌ عليْهِ].
وَذكرَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ (رضي الله عنه) مَا أصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيا فَقالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَظلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقْلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ" [رَواهُ مسْلِم].

وَالدَّقْلُ: هَوَ رَدِيء التمْرِ.

وَعَنْ أنسٍ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَليَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يِأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوارِيه إِبِطُ بِلَالٍ" [رَواه التِّرمذِيُّ وَقَالَ: حسنٌ صحيحٌ].

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللِه (صلى الله عليه وسلم) يَبيتُ اللَّياليَ المتَتَابِعةَ وَأهلُه طاوينَ لَا يَجِدُون عَشاءً وإنَّما كَان أكثرُ خُبزِهِمُ الشَّعيرَ" [رواهُ الترمذيُّ وَقَال: حَسَنٌ صحيحٌ].

وَعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ: "لَمْ يَأْكُلِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ, وَلَمْ يَأْكُلْ خَبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ" [رواه البخاريُّ].

وَكَانَ (صلى الله عليه وسلم) يجْلِس عَلى الحصِيرِ وَيَنَامُ عَلَيْهِ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ (رضي الله عنه) قَالَ: دَخلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ. قَالَ: فَجلَسْتُ, فَإِذَا عَليهِ إِزَارُه، وَلَيْس عَلَيْهِ غَيرُه, وَإِذَا الحصِيرُ قَدْ أَثَّر فِي جَنْبِه (صلى الله عليه وسلم)، وَإِذا أَنَا بقبْضَةٍ مِن شَعيرٍ نَحوِ الصَّاعِ، وقَرَظٍ(1) فِي نَاحِيةٍ فِي الغُرْفَةِ, وَإِذَا إِهَابٌ(2) مُعلَّقٌ، فَابتَدَرتْ عَيْنَايَ. فَقَالَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟" فَقُلتُ: يَا نبيَّ اللهِ! وَمَا لِي لَا أبْكِي, وَهَذَا الحصِيرُ قَدْ أثَّر في جَنْبِكَ, وَهَذِهِ خِزانتُك لَا أَرى فِيها إِلَّا مَا أرَى، وَذاك كِسْرى وَقيْصرُ فِي الثِّمارِ والأنْهارِ، وَأنتَ نبيُّ اللهِ وصَفْوتُه, وَهَذِهِ خزَانتُك!َ فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): "يَا ابْنَ الخَطَّابِ! أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟" [رواهُ ابْن مَاجَه وصحَّحه المنذريُّ].
___________________
(1) قرظ: حبٌّ معروفٌ كالعدَسِ يخرُج من شَجرِ العضَاه.
(2) إهابٌ: جِلْد.

في رحاب السيرة النبوية 21
بقلم: أ.د. عادل بن علي الشدي

الأمين العام المساعد
لرابطة العالم الإسلامي