بقلم: أ.د. عادل بن علي الشدي
لَقَدْ كَانَ الخدَمُ والعَبِيدُ قَبلَ الإسْلَام لَا حُقوقَ لَهمْ وَلَا كَرَامَةَ, فَلَمَّا أَكرَمَ اللهُ الدنْيَا بِرسَالةِ الإسْلَام، رَفع النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الظُّلْم عَنْ هَؤُلاءِ, وَقَرَّرَ لهمْ حُقوقَهم وتهدَّد مَنْ ظلمَهُمْ أَوْ انْتقَصهُم أَوْ لَعنَهمْ بِالْعذَابِ الْأَلِيم.
فَعنِ المعْرُورِ بْنِ سُويدٍ قَالَ: رَأيتُ أَبا ذرٍّ وَعليه حُلَّة, وَعَلى غُلَامِه مِثْلُها – أَيْ أَنه يلْبَس مِثْلَ ما يُلْبِسُ خَادِمَه ومملُوكَه – قَال: فسألتُه عَنِ ذَلك، فَذَكَرَ أَنَّه سابَّ رَجُلاً عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فَعَيَّره بأمِّه، فأتَى الرجلُ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) ، فذكر لَه ذلك. فقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) : "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ؛ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ, جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ, فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُل, وَلْيُلْبِسْه مِمَّا يَلْبَس, وَلَا تُكلِّفُوهمْ مَا يَغْلِبُهُمْ, فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُم
فَانْظُرْ كَيفَ جَعلَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الخادِمَ بمنزِلَةِ الأَخِ، ليستَقِرَّ فِي قلْبِ المسْلِم أَنَّه إِذَا ظَلَمَ هَذَا الخادِمَ أَوْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، أَوْ أَكَلَ مَالَه، فَإِنَّما هُوَ بمنزِلَةِ مَنْ يَفعلُ ذَلِكَ مَع أَخِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بالمبالَغَةِ فِي الإحْسَانِ إليْهمْ وَالرِّفْق بِهِمْ، وَإِكْرَامِهِمْ
- وَعَنْ أَبِي مسعُودٍ الأنْصَارِيِّ قَالَ: كُنتُ أَضْرِبُ غلامًا لِي بالسَّوْطِ، فسمِعْتُ مِنْ خَلفِي صَوْتًا: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!" فَلَمْ أَفْهمْ الصَّوْتَ مِنَ الغَضبِ. قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي, إِذَا هُوَ رسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَإِذَا هُوَ يقُولُ: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!" قَالَ: فألقَيْتُ السَّوْطَ مِن يَدِي. قَالَ: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ" قُلتُ: لَا أضْرِبُ مَمْلوكًا بعدَه أَبدًا.
وَفِي روايةٍ قُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ: هُو حرٌّ لِوَجْهِ اللهِ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَل، لَلَفَحَتْكَ النَّارَ – أَوْ لمسَّتْكَ النَّارُ – "[رواه مسلم].
وَقَالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) : "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ" [رواه أبو داود وصححه الألبانيُّ].
فَالنبيُّ (صلى الله عليه وسلم) هُو الَّذِي أَنْقذَ الضُّعفَاءَ، وأعْتَقَ العبِيدَ، وأنْصفَ الخدَمَ، ووقَفَ فِي صفِّ المنْكَسِرةِ قُلوبُهمْ, فجُبر كَسْرَهمْ، وأَنْعشَ أَفئِدَتَهمْ وقُلوبَهمْ.
وَعنْ مُعاويةَ بْنِ سُويدِ بْنِ مُقْرِنِ قَالَ: لطمْتُ مَولًى لَنا، فَدعاهُ أَبِي وَدَعاني. فَقَالَ: اقتصَّ مِنْه، فَإِنَّا معشَر بَنِي مُقْرِن, كُنَّا سبعةً عَلَى عَهْدِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) , وَلَيْس لَنَا إِلَّا خَادِمٌ, فَلطَمها رَجلٌ مِنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : "أَعْتِقُوهَا" قَالُوا: لَيْسَ لَنَا خَادِمٌ غَيْرُها. قال: "فَلْتَخْدِمْهُ
هَذا هُو نبينا محمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) , وَهَذِهِ هِي مَواقِفُه مَعَ الخدَمِ والعَبِيدِ، فَأَيْنَ أولئِكَ الَّذِين يظلمون الإنْسَانِ مِنْ هَذِهِ الموَاقِفِ؟
وَانْظُر إِلى نَموذَجٍ عَمليٍّ فِي مُعامَلة النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) للخَادِم, فَقَدْ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالكٍ (رضي الله عنه) : خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عَشْرَ سِنينَ. واللهِ مَا قالَ لِي أفٍّ قطُّ، وَلَا قَالَ لشيءٍ فعلْتُه لم فعلْتَه، ولَا لشيْءٍ لمْ أفعلْه: أَلَا فعَلْتَ كَذَا؟" [متفق عليه].
وَفِي لفظٍ: "وَلَا عَابَ عَليَّ شَيْئًا قَطُّ" [رواه مسلم].
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ للخَادِم: "أَلَكَ حَاجَةٌ؟" [رواه أحمد وصححه الألبانيُّ].
وَعَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَال: إِنْ كَانَتِ الأمَةُ مِنْ أَهْلِ المدِينَةِ لتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَما تَنْزِعُ يَدَه مِنْ يَدِهَا، حَتَّى تذْهَب بِه حَيثُ شَاءتْ مِنَ المدِينَةِ فِي حَاجَتِها" [رواه ابن ماجه وصححه الألبانيُّ].
الأمين العام المساعد
لرابطة العالم الإسلامي
من سلسلة في رحاب السيرة النبوية 35
المرفق | الحجم |
---|---|
35.pdf | 171.26 ك.بايت |