Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          متى يدخل في الاعتكاف؟

قال الجمهور: إذا أراد اعتكاف العشر فيدخل قبل غروب الشمس ليكون معتكفا جميع لياليها. وأما قول عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخل معتكفه. رواه مسلم ، فليس معناه ابتداء الاعتكاف ولكن دخوله المعتكف للخلوة، ففي الرواية الأخرى قالت: إذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه. متفق عليه

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
أُسُس بِنَاءِ الدَّوْلَةِ النبوية

دَخَلَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) المدينةَ, فَتَلَقَّاهُ أَهْلُها بِالبِشْرِ والتِّرْحَابِ، وَكَانَ (صلى الله عليه وسلم) لَا يَمرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأنْصَارِ إِلَّا أَخَذَ صَاحِبُها بِخِطَامِ رَاحِلتِه وَدَعَاهُ إِلَى النُّزولِ عِنْدَهُ، فَكَانَ (صلى الله عليه وسلم) يعْتَذِرُ إِليهِمْ وَيَقُولُ: خَلُّوا سبيلَها فَإِنَّها مَأمُورةٌ, فَلَمْ تَزلِ النَّاقةُ سَائِرةً بِهِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مَوْضِع مَسْجِدِهِ فبرَكتْ, ثُمَّ نَهضَتْ، فَسارتَ قَليلاً, ثُمَّ رجعَتْ إِلَى الموْضِعِ الأوَّلِ فَبركَتْ, فَنزلَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) عَلى أَخْوالِه فِي بَني النَّجَّارِ، وَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): "أَيُّ بُيوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟" فَقَالَ أَبُو أيُّوبَ: أَنَا يَا رسُولَ اللهِ. فَنَزَلَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى أَبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ (رضي الله عنه).

كَانتْ أَوَّلُ خُطوَةٍ خَطَاهَا رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) بَعْدَ قُدُومِه إِلى المدِينةِ هِي بِنَاءُ المسْجِدِ النَّبويِّ, وَذَلِكَ فِي المكَانِ الَّذِي بَركَتْ فِيه نَاقَتُه، وَكَانَ لغلَامَيْنِ يَتِيْمَيْنِ اشْتَراهُ مِنْهُمَا، واشْتَرك (صلى الله عليه وسلم) فِي بِنَاءِ المسْجدِ بنفْسهِ، ثُمَّ بَنى (صلى الله عليه وسلم) حُجُراتِ أَزْواجِه إِلى جَانِب المسْجِدِ, وَلما اكْتَملَ بِنَاءُ الحجُرَاتِ تَرَكَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) دَار أَبِي أَيُّوبَ وانْتَقَلَ إِلى تِلكَ الحجُرَاتِ. وَشرَّعَ الْأذانَ ليجْتَمِعَ الناسُ مَتى حَانَ وقتُ الصَّلاةِ.

ثُمَّ آخَى النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بينَ الـمُهَاجرينَ والأنْصَارِ، وَكَانُوا تِسْعِينَ رَجُلاً؛ نِصفُهمْ مِنَ المُهاجرينَ, وَنِصْفُهمْ مِنَ الأنْصَارِ؛ آخَى بينهُمْ عَلَى الموَاسَاةِ, يَتوارَثُونَ بَعْدَ الموْتِ دُونَ ذَوي الْأرْحَامِ إِلى حِينِ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَلَمَّا أَنْزلَ اللهُ: { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6]، رُدَّ التوارثُ إِلى الرَّحِم دُون عَقْدِ الأُخُوَّة.

وَوادَعَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) مَنْ بِالمدينةِ مِنَ اليهودِ، وكتبَ بينهُ وبينهُم كِتابًا، وَبَادَرَ حَبْرُهم وعالمُهُمْ عبدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَدَخَلَ فِي الإِسْلَامِ, وَأَبَى عَامَّتُهم إِلَّا الكُفرَ(1).

وَنَظَّمَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) العِلَاقَاتِ بَين سُكَّانِ المدينةِ مِنَ المهاجِرينَ والأنْصَارِ وَاليهودَ وذكرت بعض كُتبِ السِّير أَنَّهُ كتَبَ فِي ذلكَ وَثِيْقَةً كَانَ مِنْ بُنُودِهَا:

* إِنَّ المؤمِنينَ مِنَ المهَاجِرينَ والأنْصَارِ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُون النَّاسِ.
* وَإِنَّ المؤمِنينَ لَا يتْركُون مُفْرَحًا (2) بَينهم أَنْ يُعطُوه بالمعْروفِ.
* وَإِنَّ المؤمِنينَ المتَّقِينَ أَيدِيهمْ عَلى كُلِّ مَنْ بَغَى مِنْهُمْ، أَوِ ابْتَغَى دَسِيعةَ ظُلمٍ, أَوْ إثمًا, أَوْ عدوانًا, أَو فسادًا بينَ المؤمِنينَ، وَإِنَّ أَيدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا, وَلَوْ كَان وَلدَ أَحدِهمْ.
* وَلا يقْتلُ مُؤمنٌ مَؤْمنًا فِي كافرٍ، وَلَا ينْصُر كَافرًا عَلى مُؤمنٍ.
* وَإِنَّ ذمَّةَ اللهِ واحدةٌ, يُجِيرُ عَليهِمْ أدْناهُمْ, وَإِنَّ المؤمِنينَ بَعضُهُمْ مَوَالِيَ بعضٍ دُونَ النَّاسِ.
* وَإِنَّ مَنْ تَبعَنا مِنْ يَهودَ، فَإِنَّ لَه النصرَ والأُسوةَ, غَيْرَ مَظْلومِينَ، وَلَا مَتَنَاصَرٍ عَليهِمْ.
* وَإِنَّ سِلْمَ المؤمنينَ وَاحِدةٌ، لَا يُسالمُ مؤمنٌ دُون مؤمنٍ فِي قِتالٍ فِي سَبيلِ اللهِ إِلَّا عَلى سواءٍ وعدلٍ بينَهمْ.
* وَإِنَّه مَهمَا اختلفْتُم فِي شيءٍ فَإِنَّ مَردَّه إِلَى اللهِ وَإِلَى مُحمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم).
* وَإِنَّ يهودَ بَني عَوفٍ أُمَّةٌ معَ المؤمنينَ, لليهودِ دِينُهُمْ, وللمسلمِينَ دينُهُمْ, مَوَالِيهمْ وأنفُسُهُم إِلَّا مَنْ ظَلمَ نَفْسَه وَأَثِم فإنَّه لَا يوتِغُ (3) إِلَّا نفسَه وأَهْلَ بَيتِه.
* وَإِنَّ بِطَانَةَ يهودَ كأنفُسِهِمْ, وَإِنَّه لا يُخرِجُ مِنْهُم أحدٌ إِلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم).
* وَإِنَّ الجارَ كالنفْسِ, غَيرَ مُضارٍّ وَلَا آثِم.
* وَإِنَّه لَا تُجارُ حُرمةٌ إِلَّا بِإِذنِ أهلِها.

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن بُنودِ هَذهِ الصَّحيفَةِ الَّتي نظَّمتْ قَوَاعِدَ التَّعايُشِ بَينَ الطَّوائِفِ الموجُودَةِ بالمدِينَةِ, وَالَّتِي حَدَّدتْ مَفْهُومَ الأمَّةِ الإسْلَامِيَّةِ الَّتي تضمُّ المسلمِينَ جَميعًا, وَالدَّوْلةَ الإسلاميَّةَ وَهِيَ المدينةُ النَّبويةُ, وَجعلتْ المرْجِعِيَّةَ العُليا للهِ ورسولِه (صلى الله عليه وسلم) وبخاصَّةٍ عِنْدَ مَوَارِدِ الخِلَافِ وَالنِّزَاعِ.

وَهَذِهِ الصحيفةُ أَيضًا صَانتْ الحُرِّيَّاتِ كَحُرِّيةِ العَقِيدَةِ وَالعِبَادَةِ وَحَقَّ الأمْنِ لكلِّ إِنْسانٍ.

كَمَا أَنَّها أقرَّتْ مَبْدَأ المسَاوَاةِ وَالعَدْلِ بَين النَّاسِ جَميعًا.

إِنَّ المتأمِّلَ فِي بُنودِ هَذهِ الوثِيقَةِ يَجِدُ فِيها كَثيرًا مِنَ المبَادِئِ الحضَارِيَّةِ الَّتي يُنَادِي بها المهتمُّون بحقُوقِ الإنْسانِ فعَلَى أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) هُوَ أوَّلُ مَنْ رَسمَ مَعالِـمَ تِلكَ الحقُوقِ ونظَّمَ قَواعِدَها وِفْق شَرْعِ اللهِ تَعَالى المتمثِّلِ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ, وَهَذَا هُو الحدُّ الفَاصِلُ بَين حُقُوقِ الإِنْسَانِ العَادِلةِ وَبَيْنَ مَا تدْعُو إِليهِ بعض المنظَّماتُ الدَّوليةُ مما يزْعمُونه حُقوقًا وَهُو في الحقِيقَةِ عُقوقٌ وَظلمٌ وامتِهانٌ لكرامَةِ الإنْسانِ وانْحِيازٌ لبعْضِ الفِئاتِ عَلَى حِسابِ البَعْضِ الآخَرِ.
_____________________________________
(1) زادا المعاد (3/63, 65).
(2) المفرح: المثقل بالدين والكثير العيال.
(3) يوتغ: يهلك.

في رحاب السيرة النبوية 22
بقلم: أ.د. عادل بن علي الشدي

الأمين العام المساعد
لرابطة العالم الإسلامي