الرسالة
يظل الدعاء هو السلاح الذي لا يستغني عنه المؤمن في مسيرة الصراع مع أعداء الدين حين ينطلق في الدعوة والبلاغ، ولذلك ما من نبي بعثه الله ولا رسول أرسله الله إلا ودعا لقومه، أو دعا عليهم، وفي سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على الأمرين، فقد ورد عنه الدعاء للمشركين، والدعاء عليهم، وإزاء ذلك فلا بد من النظر في تلك الروايات والتوفيق بينها، ومعرفة توجيهها.
أوجب الله عز وجل على كل مسلم حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وتوقيره والأدب معه، فقال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}(
السيرة النبوية هي التطبيق العملي والتفسير الواقعي لهذا الدين، فهي أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي تدل على تطبيقه لهذا الإسلام، والمفسرة لهذا القرآن، وهي التي تفتح لنا الباب لتطلعنا على حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم بدقائقها وتفاصيلها، منذ ولادته وحتى وفاته، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزا
مصادر السيرة النبوية:
السر أمانة، وإفشاؤه خيانة ومدعاة إلى إفساد ذات البَيْن، وقطع الأواصر والصلات، ومن تأمل الأضرار التي تقع بسبب هتك الأسرار علم مدى حرمة إفشاء السر وآثاره، فكم من بيوت هدمت، وكم من جرائم ارتكبت، وكم من مفاسد وقعت في المجتمع بسبب إفشاء الأسرار وعدم المحافظة عليها، ومن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والتي منها حفظ السر، وحذر من الخيانة والتي منها إفشاء السر، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدَّث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة) رواه أحمد وحسنه الألباني, ومعنى "ثم التفت" أي: التفت يمينا وشمالا خشية أن يراه أحد، وجاء في عون المعبود: "لأن التفاته إعلام لمن يحدثه
وقعت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة النبوية (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقريش ومن حالفها من العرب بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام. وقد سُميت غزوة بدر بهذا الاسم نسبة إلى المنطقة التي وقع القتال فيها بالقرب من بئر بدر بين مكة والمدينة المنورة، وقد انتهت هذه الغزوة المباركة بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وقد قال الله عنها: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران:123).
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو الغلام المُعَلَّم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه ذلك في موقف سجلته السيرة النبوية، وكان فيه بداية دخوله في الإسلام، ويروي لنا هذا الموقف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: (كنت غلاماً يافعاً (بَلَغْتُ حَدَّ الرُّجولة) أرعى غنماً لعُقْبَة بنِ أبي مُعَيْطٍ بمكة، فأتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرّا من المشركين فقالا: يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما، فقالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟
لفظةٌ نبويّة وردت في حديث من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وذلك في معرض الحديث عن فضل سورة البقرة، وعظيمِ دورِها في حماية الناس من شرّ الشياطين ومن كيد السحرة والجانّ، ولعموم بركتها وكثرة خيراتِها. والحديث الذي وردت فيه، يرويه الإمام مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة) رواه مسلم.
ويرد هنا سؤال عن أهميّة سورة البقرة وأسباب بركتِها وخيريّتها، والرابط بينها وبين الوقاية من الجن والشياطين، وفوق ذلك: من هم "البَطَلَة" الذين ورد ذكرهم في الحديث، ومعنى عدم استطاعتهم لها، وما أهميّة هذه السورة للذين ابتلاهم الله بأمراض السحر وكيد الساحرين.
من عقائد المسلمين أن الله تعالى أرسل في أمم الأرض رسلاً من أقوامهم، وأنبياء إلى شعوبهم، حكى ربنا عز وجل تفاصيل أخبار عددٍ منهم في ثنايا القرآن الكريم، وسردت لنا السنة النبويّة طرفاً من واقعهم، ومن أصول هذه العقيدة: عدم إحاطتنا بسير أولئك الأنبياء والرسل على وجه التفصيل، فلا أحد يدّعي معرفته الشاملة بأسمائهم جميعاً، ولا بأخبارهم كلّها، ولا بمواطن بعثهم، وأماكن إقامتهم.
فالحال أن الله تعالى أطلع رسوله وكشف له عن جانبٍ ضئيل من ذلك كلّه، فمن الرسل من جاء الوحي الإلهي بقصصه، ومنهم من لم نعلم عنه شيئاً على الإطلاق، وقد جاء التعبير القرآني عن هذه القضيّة العقديّة في قوله تعالى: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} (النساء: 164)، وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} (غافر: 78)، فليس كل الرسل قد قص الله لنا أخبارهم.
سعادة المسلم في اتباعه وطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الغاية التي يسعى المسلم لأجلها إنما هي تحصيل الهداية التي تصل به إلى السعادة في الدنيا وإلى دار السعادة في الآخرة، ولا يتم ذلك إلا بطاعته لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وإن خالفت نفسَه وعقله، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور:54)، وقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} (الحشر:7). قال ابن كثير: "أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر".
زكَّى الله تعالى الصادقين في توبتهم، ودعا المؤمنين إلى أن يكونوا معهم، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(ا