Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته توضح انه بشر أتم توضيح فقد عاش صلى الله عليه وسلم بشرا تجري عليه أعراض البشرية طيلة حياته منذ أن ولد إلى أن مات فأكل وشرب , ومشى في الأسواق , وباع واشترى , وتزوج وأنجب , وحارب , وسالم , وغضب , ورضي , وفرح وحزن , وأدركه المرض فمرض , ومات كما يموت سائر البشر. صلى الله عليه وسلم. (عبدالرؤوف عثمان)

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
مجامع الرسالة المحمدية وخلاصة أوصاف رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم - بقلم خالد الشايع

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 أما بعد:

فقد حفل القرآن العظيم بالثناء على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء التنبيه والأمر باتباعه والاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وجاء بيان حسن العاقبة وطيب الحياة في الآخرة والأولى لكلِّ مَن اقتفى أثره، واتَّبع هديه عليه الصلاة والسلام.

 ومما حفل به القرآن العظيم: تعظيمُ جنابه عليه الصلاة والسلام، وتعظيمُ شأن رسالته، وما فيها من الخير والهدى، وما فيها من البركات والسعادة، وما فيها من كل خيرٍ وبِر، وما فيها من المزايا التي عَظُمت وشَرُفت بها بأمر لله جل وعلا، وزادت في حسنها عن كلِّ الشرائع السابقة التي أتى بها المرسلون عليهم الصلاة والسلام، فهذا النبي أشرفُ وأكرمُ وأفضلُ نبي، والكتاب الذي نزل عليه هو أفضل كتب الله جل وعلا، والشريعة التي جاء بها هي أفضلُ الشرائع وأكملُها، ولا غرو أن يكون محمدٌ حينئذٍ خاتم الأنبياء والرسل، والكتاب الذي نُزِّل عليه آخر الكتب من الله جل وعلا للمكلفين من الإنس والجن، وهذه الشريعة المحمدية هي الشريعة الخاتمة.

 وفي هذه الدقائق أيها الإخوة الكرام، نقف وإياكم عند واحدةٍ من الممادِح العظيمة، والآيات الشريفة التي عَظَّمت جناب نبينا عليه الصلاة والسلام، وفيها التأنيس له، والتأنيس لأُمته، لما وصف به عليه الصلاة والسلام من الأوصاف العظيمة الجليلة من الخالق جل وعلا، وما وصِف به هديه، وما هو عليه شرعه ولله الحمد والمنَّة.

 وفي هذا يقول رب العزة سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45 - 47].

 فهذه الآيات فيها التأنيس للنبي عليه الصلاة والسلام، والحفاوة به، وتعظيم ما جاء به، وفيها تأنيسٌ لهذه الأمة المحمدية، فإنَّ الله جل وعلا ذكر له في هذه الآيات من الأوصاف خمسةَ أوصافٍ عظيمةٍ شريفةٍ جليلة، فهو شَاهِدٌ وَمُبَشِّرٌ، وَنَذِيرٌ، وَدَاعٍ إِلَى اللَّهِ، وَسِرَاجٌ مُنِير، فهذه الأوصاف التي تنطوي عليها مجامع الرسالة المحمدية، إنَّ زبدةَ وخلاصة شرعِ رسول الله محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ومجامع رسالته - في هذه الأوصاف العظيمة، ففي هذه الشريعة من الأوصاف التي تبيِّن كمالها وحسنها وجمالها وجلالها أشياءُ كثيرة، ومرجع هذا كله هذه الأوصاف التي وصِف بها نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الآيات الكريمة التي جاء بعدها: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47]، وهذا ما حمل بعض العلماء لأن يعد هذه الآية - ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47] - أنها أرجى آيةٍ في كتاب الله جل وعلا، ذلك ما نبَّه إليه الإمام العلامة المفسِّر ابن عطية الغرناطي الأندلسي رحمه الله؛ حيث قال: "قال أبي: هذه الآية أرجى آيةٍ في كتاب الله جل وعلا، ذلك أنَّ الله تعالى أمر نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يبشِّر أمته، وهذا إجمال أن يبشِّرهم، فبمَ يبشرهم؟ يبشرهم بأن لهم عند الله فضلًا كبيرًا، وهذا إجمال، فما هو تفصيل هذا الفضل الكبير؟ جاء بيانه في سورة الشورى؛ حيث قال ربنا سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [الشورى: 22]، فالفضل الذي وُعِد به المؤمنون أنهم عند الله بعد موتهم في روضات الجنات! فنسأل الله جلَّت قدرته أن يبلغنا هذه البشارة العظيمة الكريمة نحن ووالدينا وأهلينا وأحبتنا المسلمين!

 هذه الأوصاف ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [الأنفال: 64]، وتأملوا هذا الخطاب الرباني، وهو خطاب تشريف وإجلال وتكريم، ولذلك يقول بعض العلماء: لم يُنادَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى باسمه مجردًا، فلم يأتِ في آية (يا محمد)، وإنما: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [الأنفال: 64]، ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾ [المائدة: 41]، وهذا إجلالٌ وتشريفٌ وتكميلٌ، وتعظيم لهذا النبي الكريم، وإجلالٌ لمقامه، وفي هذا تعليمٌ للأمة جميعًا أنهم إذا تحدثوا عن جنابه الشريف، فليكن حديثُهم في سياق الإجلالِ والتكريم، ومن الإجلال والتكريم الذي ينعكس على المتحدِّث أيضًا بالخير، أنه إذا ذُكِر اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، أن يُعقَّب بالصلاة عليه، وأن يكون سياق الكلام على مساق التشريف والإجلال، فيقول: وهذا ما أخبر به نبيُّنا، هذا ما أخبر به سيدنا، هذا ما أخبر به الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه العبارات التي فيها الإجلال والتكريم والإعظام لهذا النبي الكريم محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فالله علَّمنا في هذا الكتاب أنْ نُحسن خطاب نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن نُجِلَّه، وعاتب الله جل وعلا أولئك الذين خرجوا عن الأدب حينما حضروا إلى داره عليه الصلاة والسلام إبَّان حياته، فكانوا ينادون: يا محمد اخرج إلينا، فعاتَبهم الله وآنس نبيَّه وجبرَ خاطرَه الشريف بأنَّ مثل هؤلاء قد خرجوا عن العقل؛ لأنهم نادوا بهذا النداء المجرَّد، وخرجوا عن الأدب معك، فإنَّ العقل الذي أُكرموا به خرَجوا عنه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4]، ﴿ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4]؛ لأنهم خرجوا عن الأدب مع النبي الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهكذا كلُّ من لم يُراعِ هذا الأدب مع هذا النبي الكريم إلى أنْ يرث الله الأرض ومَن عليها، فإنَّه خرج عن عقله الذي شُرِّف به، مهما نال من علمٍ، ومن أوصافٍ علمية أو رُتب وظيفية، أو غير ذلك من الأمور الحياتية، فمن لم يُراعِ الأدب مع محمد رسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام، فإنه خرج عن العقل الذي يكمل به، ونزل عن رتبة العقلية التي شُرِّفت بها الآدمية؛ فإنَّ الله قال عن أولئك: ﴿ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4]، ومَن لم يَعقِل عن ربه جل وعلا هذا المسلكَ الأدبي في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شكَّ أنه قد نقص في رتبته العقلية؛ لأنَّ الله علَّمه فلم يتعلَّم، وأدَّبه فلم يتأدَّب، ولم يسلك ما ينبغي أن يَسلكه مع نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [الأنفال: 64]: تأنيس لقلبه الطاهر؛ ليثبت على ما أرسل به مما فيه نجاة المكلفين وصلاح حالهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ﴾ [البقرة: 119]: أرسله ربُّ العزة وشرَّفه بهذه الرسالة، فقام بها عليه الصلاة والسلام خير قيام، فلم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلَّا وقد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَد في الله حق جهاده، حتى ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها إلا هالك.

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ﴾ [الأحزاب: 45]: والشاهد هو المخبر عن حجة المدَّعي المحق، ودفع دعوى المبطل، فالرسول صلى الله عليه وسلم شاهد بصحة ما هو صحيحٌ من الشرائع، وبقاء ما هو صالح للبقاء منها، ويشهد ببطلان ما أُلصق بها، وبنسخ ما لا ينبغي بقاؤه من أحكامها؛ مما كان مشروعًا بفترة مؤقتة، ثم أَذِن الله بنسخه، فكان مشروعًا في وقت مضى، وهو حين شُرِع كان على وجه الحكمة وحاجة الناس، وكمال حالهم في وقتهم ذلك، ثم يأذن الله جل وعلا بنسخه إلى حالٍ أخرى، والنبي عليه الصلاة والسلام شاهدٌ أيضًا لتصديقه لما بين يديه من الكتب المقدسة، وفوق ذلك فإن ما جاء به مهيمنٌ على ما تقدم، ولذلك وصف القرآن العظيم بأنه مصدقٌ لما بين يديه من الكتب؛ قال الله: ﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]، ووصفُ الهيمنة للقرآن العزيز، ولشرع النبي الأمين صلى الله عليه وسلم - على ما تقدم من كتب الله وشرائعه - وصفٌ عظيمٌ جليلٌ بليغ، وهذه المفردة - وهي وصف الله للقرآن ﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48] على ما تقدَّم من كتب مقدسة - تُبيِّن كمال هذه الشريعة، وكمال القرآن العظيم، وشرف النبي الأمين؛ ذلك أن شِرعتَه شرعةٌ صالحةٌ لكل زمان ومكان، فبعد أن كملت: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فإنَّ أحوال الناس يوجد فيها كلُّ ما يحتاج إليه في هذا القرآن العزيز، فهي شريعةٌ كاملةٌ وافيةٌ بكل حاجات الناس ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، والمقصود أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم من وصفه بأنه شاهد، ولذلك كما جاء في حديث الحشر أنه يسأل كل رسول: وهل بلَّغ؟ فيقول: نعم، فيقول الله لهُ لهؤلاء الأنبياء واحدًا واحدًا: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمتُه.

 فهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم شاهدٌ على ما تقدَّم من الرسالات، وشاهدٌ على أُمته، وأُمته أيضًا شاهدةٌ على الأمم المتقدمة، فإن هذه الأُمة - وبخاصة علماؤها - يشهدون ببلاغ الأنبياء المتقدمين؛ تبعًا لنبيهم عليه الصلاة والسلام وما أخبر به، ونحن نشهد أنه ما من نبي إلا وقد بلَّغ أمته ما أُمِر ببلاغه، ولم يُخفِ ولم يكتم شيئًا، فالأنبياء والرسل قاموا عليهم السلام بما أوجب الله عليهم، وهذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من شهادته أيضًا شهادته على أُمته، وذلك بأنَّه عليه الصلاة والسلام كان مراقبًا إبَّان حياته الشريفة لتطبيق أُمته شرعَ الله، وجعل سنته وهديه شاهدًا عليهم بعد موته، فهذه السنة النبوية المنزلة بالوحي الرباني على قلبه الشريف - إضافة إلى الوحي القرآني - هي الميزان الذي يوزن به كل ما يصدر عن أحد من الناس؛ فما كان متفقًا مع الشرع المطهر كان منه مقبولًا، وما خالفه فإنه مردود على صاحبه، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول في مناسبات عدة: مَن عمِل كذا فليس منا، فليس مِن شرعه ولا من دينه، ولا من هديه، وقال قولًا عظيمًا بليغًا جامعًا: (مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ).

وهذا النبي الكريم أيضًا من شهادته على أُمته أنَّه يشهد عليهم في عَرَصات القيامة؛ كما قال الله جل وعلا: ﴿ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فهو شاهد على المستجيبين لدعوته! ولذلك إذا لقيهم يوم القيامة فإنه يرحِّب بهم، ويتهلَّل وجهه عند لقائهم، ويستغرب الصحبُ الكرام رضي الله عنهم، كيف تعرفهم ولم تَرَهم؟ قال: (أرأيتم لو أن رجلًا عنده خيل دهم بهم ألا يعرفها؟)، يعني: بأوصافها التي هي إبَّان وجودها عنده، قال: (فكذلك أُمتي يأتون يوم القيامة غرًّا مُحجلين من آثار الوضوء)، هذا الوضوء هو الطاعة العظيمة والعبادة الجليلة التي يتطهَّر بها المرء للأمور العظام، وأعظمها لقاؤه بربه جل وعلا، ووقوفه بين يديه، فيُورثه خيرًا وأُنسًا في الدنيا ينقلب يوم القيامة نورًا يعرف به.

(فإن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا مُحجلين من آثار الوضوء)، فيبدو أثر الوضوء نورًا في وجوههم، وكذلك في أطرافهم بما كانوا يحرصون عليه من التطهُّر، والمقصود أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين يكون يوم القيامة يشهد لهؤلاء المتبعين له، فيرحِّب بهم ويستقبلهم، والمكرَّم منهم غايةَ التكريم مَن يُسقى من حوضه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم!

 وهو شاهد أيضًا على الذين أعرضوا ونكصوا، ولم يستقيموا على شرعه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث الحوض: (ليردنَّ عليَّ ناسٌ الحوضَ، حتى إذا رأيتهم وعرَفتهم، اختلجوا من دوني، فأقول: يا رب، أُصيحابي، فيُقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والمعنى أن هؤلاء ظنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أُمته المستجيبين، فقيل لهُ بعد أن أُخِذوا عنه: إنهم من أُمتك التي دعوتها، لكنهم أعرضوا ولم يصدقوا، ولم يستقيموا على شرعك، ولذلك فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم - لهذه الأوصاف التي يجمعها - شاهد، فهو شاهدٌ على كل هؤلاء، شاهدٌ على الأمم المتقدمة وعلى أنبيائهم، وعلى أمته عليه الصلاة والسلام.

 فلا جرم أن كان وصف الشهادة أشمل هذه الأوصاف للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكون شريعته خاتمةً للشرائع كلها، ومُتممة لمراد الله جل وعلا من بعثة الرُّسل: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، هذا الوصف الثاني، والمبشِّر هو المخبر بالبشارة، وهي الأمر الذي يُسِّر لمن أُخبر به ووُعِد بالعطية، والنبي صلى الله عليه وسلم مُبشِّرٌ لأهل الإيمان وللمطيعين بمراتب فوزهم، وقد تضمَّن هذا الوصف ما اشتملت عيله الشريعة الغراء من الدعاء إلى الخير من الأوامر، وهو الامتثال لما أمر الله تعالى به، وكذلك أيضًا يقتضي هذا الانتهاء عن المنهيات، فالمؤمن يحقق التقوى إذا امتثل المأمورات واجتنب المنهيات، والمأمورات متضمنة المصالح، ولذلك فإنها مقتضية البشارة لفاعليها بحسن الحال في العاجل والآجل، وقوله جل وعلا: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، والنذارة تعني بذلك أن المُنذر يخبر بحلول حادث مُسيء أو بقرب حلوله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم منذر للذين يخالفون دين الله جل وعلا وشرعه، الذين كفروا أو أعرضوا وعصوا، وأنهم بهذا معرَّضون لسخط الله جل وعلا.

 ولذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا الوصف العظيم؛ كما قال ربنا جل وعلا في آية أخرى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46]، ولذلك أول ما بُعِث عليه الصلاة والسلام، وقيل له: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، خرج حتى صعد الصفا، فنادى: يا صباحاه، وهي كلمةٌ يقولونها إذا أرادوا وطلبوا نجدة من أحد، فاجتمعوا إليه، وكيف لا يجتمعون وهو عندهم الصادق الأمين؟! خرجوا إليه؛ لأنهم يعلمون صدقه وأمانته، وأنه ما ناداهم إلا لأمر عظيم، فحضروا جميعًا، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟)، قالوا: نعم، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فلما دعاهم إلى توحيد الله، نكصوا واعترضوا، وقالوا كما أخبر الله عنهم: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [ص: 5]، وكان هذا من شقوتهم!

 والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام نذيرٌ لهذه الأمة جمعاء، ولذلك شمل هذا الوصف النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه نذير جوامع الشريعة التي فيها النواهي والعقوبات، وهذا مقتضى القسم الثاني من التقوى، فإن التقوى كما تقدم امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وبهذا يكون كمال حال الإنسان إذا استقام على هذا المنهاج.

 فهذا وصف نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم وصفه الله جل وعلا: ﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ﴾ [الأحزاب: 46]، والداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى ترك عبادة غيره جل وعلا، وترك معصيته، والتوجه إلى توحيده جل وعلا، وإلى طاعته والاستقامة عليها، فأعظم ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء جميعًا، هو توحيد رب العالمين، وأن يترك الناس شِركهم بالله جل وعلا، فهذه خلاصة دعوة الأنبياء جميعًا أنهم يدعون إلى توحيد الله جل وعلا، والانتهاء عن الشرك به، والبعد عن المآثم والمعاصي!

 وقوله سبحانه: ﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ﴾ [الأحزاب: 46]، يفيد أن هذه الدعوة ليست من عند نفسه، ولكنها بأمر الله، وأفاد هذا أمرًا آخر، وهو أن الله معينه على ذلك ومؤيده، ومُبلغه تمام هذه الرسالة، ولذا قال ربنا جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، فكان ذلك كذلك، فلم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد بلَّغ رسالة ربه، بعد أن كمَّل الله دينه، وسيبلغ هذا الدين - وقد بلغ - ما بلغ الليل والنهار؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليبلغنَّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار)، يعني: ليَصِلنَّ هذا الدين العظيم كل مكان فيه ليل أو نهار، وهذا لا يخلو منه مكان في الأرض، ليَبلغنَّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يَذَر الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذل ذليل؛ فاحمد ربك يا عبد الله أن هُديت إلى الإسلام، فأعزك الله به، ولم تُصرف عنه فيَنالك الذل، فإنَّ من صُرِف عن الإسلام وعن طاعة الرحمن، يلحق به ذلٌّ عظيم مهما أُعز أو شرِّف في الدنيا بشيء من متاعها! ومقصود ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وُصِف بهذه الأوصاف وتمامها وكمالها!

﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46]: هذا تشبيه بليغٌ لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كالسراج المنير للهداية الواضحة التي لا لبس معها، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بشريعةٍ واضحةٍ بيِّنة، تُقبل عليها القلوب الصحيحة والفِطَر المستقيمة، فلا يمكن لعاقل أن يرد شيئًا من هذا الشرع المطهَّر لكماله وجماله وجلاله، وأكدَّ الله جل وعلا هذه الدعوة النبوية بأنها كالسراج، والسراج من مقتضاه الإضاءة والإنارة، وأكَّد ذلك بأنه منير، وهذا تأكيد بعد تأكيد لكمال هذه الشريعة، جعلنا الله جميعًا من أتباعها!

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 أما بعدُ:

فلا غرو أيها الإخوة الكرام أن تأتي هذه الحفاوة القرآنية بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي تتوالى فيها الآيات على الثناء عليه، وتعظيمه وإجلاله، وبيان شرفه، وعلو مقامه، وذلك على وَفق ما جاءت به الكتب المتقدمة أيضًا، فإن كان هذا القرآن العظيم فيه هذه الحفاوة بنبينا محمد عيله الصلاة والسلام، فقد كان ذلك أيضًا في الكتب المتقدمة، فما من نبي من الأنبياء إلا وعرَّفه الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه سيُبعث، فإذا بُعِث محمدٌ أيها النبي، فإن الواجب عليك أن تَتبعه، وواجب عليك أن تأمر قومك باتباعه متى بُعِث، فلم تزل هذه الوصية باقيةً في الأنبياء والرسل، وفي كتبهم وموجهةً إلى أُممهم، وهذا كما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 81]، تأملوا ميثاق لكل نبي، ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81]، فكل نبي يعرف أن محمدًا عليه الصلاة والسلام سيُبعث، ولذلك كان آخر ما أكَّده النبي الذي بُعث قبل نبينا عليه الصلاة والسلام - وهو عيسى ابن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام - أنه قال لقومه كما شهِد بذلك القرآن: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، كان الأنبياء يقولون: سيبعث هذا النبي، ولكنهم لم يحددوا، فلما اقتَربت بعثته، قال عيسى عليه السلام: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي ﴾ [الصف: 6]، فكان خاتمهم هو محمدًا عليه الصلاة والسلام، بل إن الله جل وعلا قد كتب نبوة نبينا عيه الصلاة والسلام وأبونا آدم لم يُخلق بعدُ، ما زال مُجندلًا في الطين، ولم تُنفخ فيه الروح بعدُ، فلا غرو حينئذٍ أن يكون هذا التعظيم والإجلال لنبينا عليه الصلاة والسلام، ولذلك كان واجبًا على كل من أراد سعادة نفسه ونجاتها، أن يأخذ بحظه من هذا النبي الكريم بمعرفته ومعرفة سيرته، ومعرفة سنته وهديه؛ حتى يخرج من عداد الجاهلين به، وفي دلالة هذه الآية الكريمة التي عشنا في ظلالها ودلالتها من سورة الأحزاب - ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45] - يُخبر عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الأوصاف وجدها منصوصًا عليها في التوراة، يبيِّن هذا ما رواه البخاري رحمه الله في كتاب التفسير من جامعه الصحيح عن عطاء بن يسار أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "إنَّ هذه الآية التي في القرآن: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، قال: في التوراة: يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحرزًا للأُميين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويَصفح أو يغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا".

 وهذا النص موجودٌ منصوصٌ عليه في التوراة؛ كما أخبر رضي الله عنه، ومن العلماء المعاصرين مَن قال: رأيته في بعض إصحاحات التوراة منصوصًا عليه بهذه الأوصاف، وأوصاف أخرى، وهذا مؤكدٌ لِما تقدم بأن صفات نبينا عليه الصلاة والسلام موجودة معروفة يخبر بها الأنبياء أقوامهم، حتى كان تمام هذا البلاغ والوصف في القرآن العظيم، وحفاوة رب العالمين به عليه الصلاة والسلام.

 فحريٌّ بنا أيها الإخوة الكرام أن ننال حظنا من هذا النبي الكريم، كن يا عبد الله متبعًا لسنته تكن من شيعته، حافِظ على الاقتداء به وعلى تعظيم جَنابه الشريف، تكن من الشاربين من حوضه، المرحب بهم عند لقائه يوم القيامة؛ حيث يقول عليه الصلاة والسلام مرحبًا بك وقد عرَّفك بما حُجِّلت بهِ في غرتك من آثار هذا الوضوء، كن على هذا المنوال وعلى هذا السبيل؛ فهو سبيل الخير والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة!

 ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق لله هذا النبي الكريم، فإن الله أمرنا فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم ارض على خلفائه الراشدين والأئمة المهدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم احفظ علينا في بلادنا الأمن والإيمان والاستقرار، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم وفِّقهم لما فيه هُداك، اللهم وفِّقهم لكل خير وبر، وأعِذهم من كل إثم وعصيان، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم أعِذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم ارفع عن المسلمين كروبهم، ويسِّر لهم أمورهم وأحسِن عواقبهم في الأمور كلها يا رب العالمين.

اللهم اغفِر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم أصلح لنا نيَّاتنا وذريَّاتنا.

اللهم بمنِّك وفضلك لا تَدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضًا ولنا فيها صلاح، إلا يسَّرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يَذكركم، واشكروه على نعمه يَزدكم، ولذكرُ الله أكبر والله يعلم ما تصنعون!

http://www.alukah.net/spotlight/0/114594/#ixzz4wCvjt86N