Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       فضل صوم عاشوراء يثبت لمن صام اليوم العاشر مفرداً، والأفضل أن يصوم معه اليوم التاسع لثبوت ذلك في السنة الصحيحة تمييزاً لعبادة المسلمين عن غيرهم، أو يصوم معه الحادي عشر لأن التمييز يحصل بذلك، ولو صام الأيام الثلاثة فهو حسن، لكن لا يصح فيه حديث .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
صفحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في صباه وشبابه - د. خالد الشايع

الحمد لله الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مكوِّر الليل على النهار؛ تذكرةً لأُولي القلوب والأبصار، وتبصرةً لذَوِي الألباب والاعتبار، الذي أيقَظ من خِلْقه مَن اصطفاه، فزهَّدهم في هذه الدار، وشغَلهم بمراقبته وإدامة الأفكار، وملازمة الاتِّعاظ والادِّكار، ووفَّقهم للدأب في طاعاته والتأهب لدار القرار، والحذر مما يُسخطه ويُوجب دارَ البوار، والمحافظة على ذلك مع تغايُر الأحوال والأطوار.

 أحمَدُه أبلغَ حمدٍ وأزكَاه وأشملَه وأنمَاه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، الهادي إلى صراطٍ مستقيم، والداعي إلى دينٍ قويم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبيين، وآلِ كلٍّ، وسائر الصالحين.

 أما بعدُ:

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ المتأمل في توالي الليل والنهار، وكَرِّ هذه الأيام، وتصرُّم الأعمار، وانصراف مَن ينصرف عنها إلى الدار الآخرة، ممن انتهت آجالهم، وانتهت فترة بقائهم - إنَّ المتأمل في كل ذلك يجب عليه أن يتبيَّن موضع قدمه، وإلى أيِّ دارٍ هو سائر؟ وإلى أي حالٍ هو منقلب؟

 وإنَّ الأمور بحمد الله تعالى من جهة الحلال والحرام بيِّنةٌ واضحة، لا تخفى على أحد من المسلمين؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ).

 ولا يُستثنى من ذلك إلا الشيءُ القليل؛ حيث قال: (وبينهما أمورٌ مشتبهات، لا يَعلمهنَّ كثير من الناس)، وهذه المشتبهات يُرجع فيها إلى من أمَر الله بالرجوع إليهم، ممن عندهم العلم بكتابه سبحانه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

 وإنَّ المتقرر من خلال ما دلَّت عليه نصوص القرآن والسنة، وما أُدرك بالتجربة الواضحة في العصور المتقادمة، وفي عصر هذه الأمة من أولها إلى يومنا - أنْ ليس شيء من الأمور تُستجلب به السعادة والطمأنينة من مثل توحيد الله جل وعلا، والاستقامة على طاعته، يجرِّب الناس استجلاب السعادة بأمور عديدة، ويسعون لنيل الطمأنينة بسبلٍ متنوعة، لكن كل ذلك لن يُحصَّل بمثل طاعة الله جل وعلا، والاستقامة على شرعه سبحانه.

 إن أجملَ سعادةٍ وأعظمَ لذة يجدها الإنسان في هذه الحياة الفانية، هي طاعة الله ومحبته جل وعلا، والقرب إليه وكثرة ذكره ودعائه سبحانه، فإذا كان الناس يحفلون بالقرب من ذوي الجاه من أهل الدنيا، فكيف يمكن أن يقال إذا حصَّل الإنسان القربَ من الخالق العزيز القادر المتفضِّل المنعم الشكور، ربِّنا اللهِ ربِّ العالمين؟!

 ولذلك ينبغي على المؤمن أن يكون مستثمرًا لأمور هذه الحياة الدنيا وأحوالها وكل أوقاتها، فيما يقرِّبه من هذه الطمأنينة التي يحصِّلها في الدنيا، تقدمةً للطمأنينة في الحياة الآخرة، وإذا كان كثيرٌ من الناس اليوم - بل أكثرهم في أصقاع الدنيا كلها - يشكون مما يجدونه من حالة الاضطراب وعدم الاطمئنان، حتى إنَّ في جملة الإحصاءات أنه من كل خمس وصفات للدواء ثلاثٌ منها متعلقةٌ بالأمور النفسية، ناهيك عما يكون من أحوال كثيرٍ من الناس من هذه الاضطرابات، ولا يجدون سبيلًا لحلها لا في المشافي، ولا في العيادات النفسية، ولا في غيرها.

 ومن تأمل أوضاع هؤلاء، يوشك أن يُخيَّل إليه أنَّ نصف هؤلاء الناس في داخل العيادات النفسية يستشيرون الأطباء، والنصف الآخر خارجها ينتظرون الدور، والسبب في ذلك هو البُعد عن طاعة الله، البُعد عن الأُنس به، البُعد عن الاستقامة على شرعه؛ لأنَّ هذه النفس البشرية جُبِلت على ألا تَهدأ ولا تطمئن، إلا إذا توجَّهت إلى خالقها وبارئها ربِّ العالمين.

 كما أنَّ الإنسان لا يَستغني عن الهواء والطعام، ولا يستغني عن الأكسجين، فكذلك لا يستغني عن الأُنس بالله جل وعلا، هذا الأُنس الذي يجده الإنسان إذا أكثر من طاعة الله جل وعلا ولازَمها، ويَرحل عنه هذا الأُنس، وتتباعد عنه هذه الطمأنينة بمعصيته لله جل وعلا.

 فيا ألله، كم للحسنات من الآثار الحميدة في تحصيل هذا المطلب العظيم! ويا ألله، كم للسيئات من الآثار الشديدة في لحوق الضيق والحصر الذي يلحق بالنفوس! وقد قال رب العزة سبحانه: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 فأعظم ما تطمئن به النفوس قربُها من الله جل وعلا، ومن أعظم ما يقربها ذكره سبحانه بالعبادات القولية والعبادات العملية، وأعظمها أن يتشرَّب القلب توحيد الله، ويطمئن به سبحانه، ولذا قال ربُّ العزة في كتابه الكريم في شأن من أعرضوا عن صراطه المستقيم: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 تأملوا: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124] في هذه الحياة، فيها الضيق والنكد والحصر الذي لا يُتصوَّر قدرُه.

 ولذلك كان متعينًا على كل مَن أراد سعادة نفسه وطمأنينتها - أن يتلمَّس الأسباب الحقيقية لذلك، وهي الطاعة والاستقامة عليها والاستكثار منها، ولذلك كان نبينا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم هو أشرحَ الناس صدرًا، وأطيبًهم خاطرًا، وأكثرَهم سعادةً وطمأنينة، والسبب في ذلك هو قرُبُه من ربه، فهو أقربُ الخلق إلى الله وآنسُهم بطاعته، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (أما إني أتقاكم لله وأخشاكم له).

 يقرِّر عليه الصلاة والسلام أنه أتقى الخلق وأخشاهم له جل وعلا، ويقرر في المقام ذاته أنَّ هذا لا يقتضي الانصراف عن الدنيا والتحوُّل عنها بالكلية، وإنما تجعل الدنيا قنطرةً للقرب من الله جل وعلا وتحقيق مرضاته.

 أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ المؤمن في حاجة ماسة - بل في ضرورةٍ قصوى - إلى أن يراجع نفسه ويحاسبها بين الحين والآخر، ماذا قدَّم؟ وماذا أخَّر؟ والله جل وعلا يقول: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14، 15]، فأنت يا عبد الله أدرى الناس بنفسك وأحوالك، هل أنت ممن يستقيم على الطاعات ويؤدي الواجبات، ويُتبعها بالنوافل والمستحبات؟ أم أنك على الضد من ذلك؟

 وقد قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ هذا الحب الذي يُتطلَّب، وأعظم حبٍّ في الوجود هو حب الله جل وعلا، وإنما الطريق إليه أنْ يأتيَ الإنسان بالفرائض ويُتبعها بالنوافل، كما دلَّ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنَّه قال: (مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجلَه التي يمشي عليها).

 يعني أنَّ جوارحه تكون مصرَّفة مهيَّأة لطاعة الله، فلا يرى إلا ما يرضي الله، ولا يأتي إلا ما يرضي الله جل وعلا، ولا يسعى إلا إلى ما يرضي الله جل وعلا، وهذه أعظم نعمة على العبد أن يحبِّب الله إليه الطاعات ويُزيِّنها له، فيُقبل عليها.

 كما أنَّ من أعظم العقوبات أن الإنسان ينصرف عن الطاعات، وتتزيَّن له السيئات، فيُقبل عليها حتى يكون مُصِرًّا عليها إلى آخر لحظاته، فيختم له بها عياذًا بالله من ذلك، وقد قال رب العزة سبحانه: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8].

 بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم لسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 أما بعدُ:

فقد قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56، 57].

 قال الإمام النووي رحمه الله: وهذا تصريح بأنهم خُلِقوا للعبادة، فحقٌّ عليهم الاعتناء بما خُلِقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].

 وقد أحسن القائل:

إن لله عبادًا فُطنًا 

طلَّقوا الدنيا وخافوا الفِتنا 

نظروا فيها فلما علِموا 

أنها ليست لحي وطنَا 

جعلوها لُجَّةً واتخذوا 

صالِحَ الأعمال فيها سُفُنا 

 فإذا كان هذا حالها على ما وصفته، وحالنا وما خُلِقنا له على ما قدَّمته، فحقٌّ على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أُولي النهى والأبصار، ويتأهب لما أشرت إليه، ويهتم لما نبَّهت إليه، وأصوب طريق له في ذلك وأرشد ما يسلكه من المسالك، التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين، وأكرم السابقين واللاحقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين.

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفِر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وألِّف بين قلوبهم يا رب العالمين.

اللهم احفَظ على بلادنا أمْنها وإيمانها، وطمأنينتها وقيادتها واجتماعها.

اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ في بلدنا هذا خاصة، وفي بلاد المسلمين أجمعين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّقهم لما فيه خير العباد والبلاد، وارزقهم الاستقامة على طريق الرشاد يا رب العالمين.

اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم احفظ رجال الأمن المرابطين والمجاهدين في بلادنا في كل مكان، اللهم احفظهم بحفظك، اللهم أيِّدهم بنصرك، اللهم سدِّد آراءهم ورمْيَهم يا رب العالمين.

اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوءٍ، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المبتلين في فلسطين وسوريا والعراق، وفي بورما، وفي الصومال وليبيا، وغيرها من البلاد.

اللهم إنهم قد نزَل بهم من الضر ما لا يخفى عليك، ولا نسأل أن يكشفه إلا أنت، ولا يَقدِر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لهم يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المحاصرين في حلب الشام، اللهم عجِّل لهم بالفرج، اللهم احقن دماءَهم وسائر المسلمين يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

سبحان ربنا ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 http://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/106465/#ixzz4pYNI44Rh