Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          آخر كلمات الحبيب:

كان   آخر   كلام   رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم   رواه أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان  والألباني

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

عاش محمد (صلى الله عليه وسلم) حياة طبيعية بين الناس، ولم يحاول أن يُخفِي مشاعره الإنسانية عن أصحابه المحيطين به، المتتبعين لأحواله دومًا، بأمر من ربهم سبحانه حين قال سبحانه لهم : (الأحزاب: 21).فقد كان يمارس حياته كواحد منهم تمامًا، ويشاركهم في كل موقف من مواقف حياتهم، فعاشوا معه أوقات فرحه وحزنه، وضحكه وبكائه، ووصفوا خصوصياته وما خفي عليهم شيء من أمره.
أفراح محمد (صلى الله عليه وسلم):الفرح شعور إنساني يشعر به المرء عند حدوث نعمة أو تجدُّدها، أو صرف نقمة أو بلاء.ويختلف تقويم الإنسان لما يسبب فرحه وفقًا لقيمه ومبادئه، فمن يحب الناس يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، ومن يبغض الناس فهو يفرح إذا حلَّ بهم مكروه.ارتبط فرح محمد (صلى الله عليه وسلم) برضا ربه تعالى، فكان يفرحه كل ما يرضي الله، ويغضبه ما يغضبه، فيقول عنه صاحبه أبو بكرة : «كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خرَّ لله ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى»([1]).

فكان يفرح إذا ذكر سعة رحمة الله سبحانه بخلقه:

بينما كان (صلى الله عليه وسلم) مع أصحابه يومًا فحدثهم عن حساب الله لعبد من عباده يوم القيامة وتجاوزه عن سيئاته، يقول أبو ذر t: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة وآخر رجل يخرج من النار: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها. فيقال له: عملت يوم كذا كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة حسنة. فيقول: إن لي ذنوبًا لا أراها ها هنا». قال أبو ذر: «فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضحك حتى بدت نواجذه»([2]).فهو ها هنا يضحك تعجبًا من طمع العبد في رحمة ربه، فالإنسان خلق طامعًا في المزيد، وهذا العبد الذي كان في النار يصطلي بها وبعذابها، ويتمنى الموت، ولا يجده، فيخرجه الله منها، ويعرض عليه صغار ذنوبه، ثم يعلمه بأنه غفرها له، وأبدله مكان كل سيئة حسنة، فإذا به يطمع، ويسأل عن كبار ذنوبه لعل الله يغفرها له، فضحك محمد (صلى الله عليه وسلم) من طمع ذلك العبد.إن ضحك محمد (صلى الله عليه وسلم) ها هنا وهو يحكي هذا المشهد لأصحابه يفتح لهم بابًا عظيمًا من الأمل والرجاء في سعة رحمة الله، وتجاوزه عن خطيئة عبده، وأنه يجزيه إحسانًا كثيرًا لم يكن ليتوقعه.

وكان يضحك لما يحصل لأصحابه من خير: 

بينما كان المنافقون يتكلمون في نسب أسامة بن زيد؛ حيث كان أبوه أبيض، وأمه أَمَة سوداء، تقول عائشة - رضي الله عنها -: «دخل عليّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تسمعي ما قال المدلجي - وهو رجل ممن يعرف الأنساب - لزيد وأسامة ورأى أقدامهما، إن بعض هذه الأقدام من بعض» ([3]).ويقوم من نومه مستبشرًا فرحًا ضاحكًا في ذات يوم، فيروي أنس بن مالك  هذا الموقف فيقول: نام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم استيقظ وهو يضحك، فقيل له: وما يضحكك يا رسول الله؟! فأخبر أنه رأى في منامه رؤيا خير في أمر يتعلق بمستقبل أمته([4]).وضحك تلطيفًا وتطييبًا لأنفس صحابته؛ لما يجدون من عناء في الدنيا.وكان يضحك ليرد الإساءة بالمعروف،فكم من بسمة فتحت قلوبًا، وألانت أنفسًا بعد شدتها، وردت إلى الخير أقوامًا، والناس في طباعهم مختلفون، ففيهم السهل اللين، والغليظ القاسي، وفيهم العالم والجاهل.

وكم من موقف عالجه محمد (صلى الله عليه وسلم) بابتسامة كست وجهه (صلى الله عليه وسلم) فيقول أنس بن مالك :t «كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فَجَبَذَه بردائه جَبْذَة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم ضحك ثم أمر له بعطاء»([5]).إنه سلوك فريد وبسمة مستغربة، تلك التي تخرج في موقف كهذا، إنه حلم لا يمتلكه إلا الأنبياء، وبسمة نبوية حانية تلطفت بحال الرجل الفقير الجاهل ذي الأسلوب الشديد الغليظ،إن الرواية الأخرى لهذا الحديث لتروي كيف أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) كانوا محيطين به في ذلك الموقف وأنهم غضبوا غضبًا شديدًا من فعل الرجل، وكادوا يفتكون به، لولا أنه أشار إليهم أن يسكتوا، وظل على بسمته وظل الرجل يخنقه، حتى أشار إليهم أن يعطوه ما شاء من المال، فأي حلم وأي رحمة؟!

وضحك تعجباً من ردود أفعال الناس، فحينما كان في غزوة الطائف، وكان تقديره للموقف العودة قال لصحابته: «إنا قافلون غدًا إن شاء الله». فقال ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا نبرح أو نفتحها فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «فاغدوا على القتال». قال: فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديدًا، وكثرت فيهم الجراحات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنا قافلون غدًا إن شاء الله». قال: فسكتوا، «فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)» ([6]).وحينما صلى عمرو بن العاص t وكان أميرًا على الجيش في ذات السلاسل، ولم يكن مغتسلاً، يقول عمرو t: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلتُ أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: «يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟»، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: (النساء: 29)، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يقل شيئًا»([7]).ولما فهم عدي بن حاتم آية خطأ في القرآن صوَّبها له وهو يضحك، يقول عدي: «لما نزلت هذه الآية (البقرة: 187)، قال: أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فضحك وقال: «إن وسادك إذن لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار»، وفي رواية: «إنما هو سواد الليل وبياض النهار»([8]).

وكان يضحك مع أصحابه حين يضحكون:

فكان يشارك أصحابه فرحهم وضحكهم، فربما يقول الرجل منهم كلمة تضحك الجمع، فكان يضحك معهم؛ فيُسْأَل جابر بن سمرةt: أكنت تجالس رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال: نعم، كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم (صلى الله عليه وسلم) ([9]).وحينما جاءه رجل يطلب منه أن يدعو ربّه لنزول المطر، فقد أوشكوا على الهلاك، فيقول أنس: «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر واحمرت الشجر وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا. فقال: «اللهم اسقنا». مرتين، وايمُ الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب، صاحوا إليه تهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يحبسها عنا. فتبسم النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا». فكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها ولا تمطر بالمدينة قطرة فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل([10]).بل كانت البسمة لا تفارقه في جميع أحواله، يقول جرير بن عبد الله: ما حجبني النبي (صلى الله عليه وسلم) منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري، وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديًا ومهديًّا»([11]).

وفي آخر نظرة لأصحابه قبل موته بلحظات ابتسم، لمَّا رآهم على الطاعة والالتزام فيقول أنس بن مالك t: «إن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجئهم إلا ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأشار إليهم بيده رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أن أتموا صلاتكم». ثم دخل الحجرة وأرخى الستر»([12]).
كيف كان يضحك ؟كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يحافظ على وقاره في كل أحواله، وكذا حين يضحك، فلم يرو أحد عنه أنه ضحك ملء فمه، بل كان معظم ضحكه التبسم، فتقول عائشة: «ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضاحكًا حتى أرى منه لَهَوَاته، إنما كان يبتسم»([13]).ويقول عبد الله بن الحارث t: «ما كان ضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا تبسمًا»([14]).وهذا الذي يتصف به محمد (صلى الله عليه وسلم) أكمل للرجال الذين لا يجعلون الضحك غاية في ذاته، بل تملأ البسمة وجوههم لتذليل الصعاب، وتليين القلوب، بل إن المتتبع لسيرته يجده يكثر مع الناس التبسم، وكان أقرب إلى الحزن مع نفسه وحاله إذا انفرد؛ حملاً لهَمّ أمته في الدنيا والآخرة.

([1])أخرجه أبو داود (2774)، وابن ماجه (1394).
([2]) مختصر الشمائل (195).
([3]) أخرجه البخاري (3555)، ومسلم (1459).
([4]) أخرجه البخاري (6282)، ومسلم (1912).
([5]) أخرجه البخاري (5809)، ومسلم (1057).
([6]) أخرجه البخاري (6086)، ومسلم (1778).
([7]) أخرجه أبو داود (334).
([8]) أخرجه البخاري (4509)، ومسم (1090)
([9])أخرجه مسلم (670).
([10])أخرجه البخاري (1021)، ومسلم (897)
([11])أخرجه البخاري (3036)، ومسلم (2475)
([12])أخرجه البخاري (680)، ومسلم (419)
([13])أخرجه البخاري (4829)، ومسلم (899)
([14])أخرجه الترمذي (3642).