Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          قصة حية:

عن عبد الله بن  مسعود   رضي الله عنه قال : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى ، إذ نزل عليه : (والمرسلات ) وإنه ليتلوها ، وإني لأتلقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها ، إذ وثبت علينا حية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اقتلوها . فابتدرناها فذهبت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وقيت شركم ، كما وقيتم شرها .
رواه البخاري

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

لقد كانت الرحمة مَعْلمًا مهمًّا من معالم شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد جاء في القرآن بأن الله تبارك وتعالى أرسله رحمة للناس، فقال سبحانه: (الأنبياء: ١٠٧).ولم تكن الرحمة سمة محدودة أو هامشية من سمات محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل لقد بلغت قدرًا من الأهمية، لدرجة أنه سُمي بذلك (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمي لنا نفسه أسماءً فقال: «أنا محمدٌ، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»([1]).وحين نتأمل سيرته وحياته (صلى الله عليه وسلم) نجد الرحمة بارزة في مواقفه كلها وفي تعامله مع الناس جميعًا.لم تكن الرحمة منه (صلى الله عليه وسلم) قاصرة على مجرد استجابة عاطفية لموقف مؤثر فحسب؛ فهذه سجية إنسانية قلما يخلو منها بشر، حتى القساة الغلاظ قد تبدو منهم الرحمة في بعض المواقف المؤثرة.ويشهد له من عرف سيرته ودرسها بذلك، يقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) إن في شخصية محمد «صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما: العدالة، والرحمة».

رحمته (صلى الله عليه وسلم) بكبار السن:

نادرًا ما يدوَّن في تاريخ الأمم وضع كبار السن داخل المجتمع. كما أنه قليلاً ما يُلتفت إلى حقوقهم خلال فترات الصراع والحرب، وإن كان الحال في تاريخ الأمة الإسلامية يختلف؛ فهو يحفل بالعديد من الشواهد على اهتمام رسول الإسلام ورحمته بالمسنين والشيوخ الطاعنين في العمر، فيروى عن عبد الله بن عمر أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) قال: « ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا » ([2]).وفي عتاب النبي (صلى الله عليه وسلم) للصحابي الجليل «معاذ بن جبل» في إطالته للصلاة، بينما كان يقف إمامًا لجمع من المصلين، ما يدل على رحمته ورأفته (صلى الله عليه وسلم) بالكبير والضعيف؛ فنجده يقول: «يا معاذ أفتان أنت؟ أو أفاتن أنت ثلاث مرات، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير، والضعيف وذو الحاجة»([3]).أما عندما تدور رحى الحرب، فإن الإسلام يحرِّم على أتباعه التعرض للنساء والشيوخ، والأطفال، وهو ما يميّز الشريعة الغراء التي لا تبحث عن نصر زائف أو استعراض غير متكافئ للقوة.وبينما يفجع اليوم المتابع للتقارير الإخبارية والنشرات التي تنقل وقائع الحروب الدائرة حول العالم؛ من فيض الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان من قتل للمدنيين الأبرياء، والشيوخ العجائز، وذبح للأطفال، وهتك لأعراض النساء، فإن التاريخ لا بد وأن يسجل لرسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) دعوته لأصحابه وقادة جيوشه بعدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال خلال معارك القتال والغزوات، بل كانت تعاليمه لهم بالنهي الحازم عن قتل الشيوخ والأطفال والصغار والنساء والرهبان في صوامعهم، والمرضى والجرحى، ومن لا يتبيّن أنه مشارك في الحرب .

وعن رحمته (صلى الله عليه وسلم) في تعامله مع كبار السن؛ فإن المواقف تتعدد، ونذكر منها على سبيل المثال: موقفه من أبي قحافة والد صاحبه أبى بكر الصديق-رضي الله عنهما- يوم أن دخل في الإسلام وكان شيخًا طاعنًا في السن، حيث أتى به أبو بكر- بعدما فتح (صلى الله عليه وسلم) مكة- ليبايع النبي، فلما رآه (صلى الله عليه وسلم) قال:‏ « هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه‏؟. قال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت. فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له‏:‏ أسلم، فأسلم([4]).
رحمته  (صلى الله عليه وسلم)بالنساء:بينما كانت عصور القهر والظلام تسلب المرأة كل حق لها، بل في حقبة كانت تجرى مناقشات حول كون المرأة إنسانًا أم لا؛ فقد منحت الشريعة الإسلامية التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وسلم) المرأة الحق في كل ما لغيرها من الرجال سواء في الميراث والتصرف فيما تملكه، واختيار الزوج، واستقلال ذمتها المالية، كما كفل لها الإسلام دستورًا يحميها سواءً كانت طفلة أو شابة، أو سيدة متزوجة، أو مطلقة أو أرملة، أو عجوزاً مُسِنَّة.ووصى محمد (صلى الله عليه وسلم) برعاية النساء والرفق بهن فمن ذلك أنه قال:«خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». كما قال:«استوصوا بالنساء خيرًا».([5])ويضرب لنا محمد مثالاً آخر على رحمته بأهل بيته، فبينما نراه يحمل السيدة عائشة، وهي تشاهد الأحباش وهم يلعبون بالرماح، نراه يكرم صاحبات السيدة خديجة، ويرسل إليهن الهدايا حتى بعد وفاتها.

وكما أوصى محمد (صلى الله عليه وسلم) بحسن معاملة النساء، فقد حذَّر بشدة من عواقب تضييع حقوقهن والاعتداء عليهن واستغلال ضعفهن فقال: «اللهم إني أُحرِّج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة»([6]). وهو ما يعني أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يُلحِق الإثم بمن يتجنى على حقوق النساء والأطفال.والباح عن رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالمرأة لا يمكنه ألا يقف عند رحمته بالأرامل، وحثه على الاهتمام بشؤونهن ورعايتهن، عن عبد الله بن أبي أوفى t قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة»([7]).وقد شدَّد محمد  (صلى الله عليه وسلم)على أهمية السعي على الأرامل والمساكين، مؤكدًا أن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فله أجر المجاهد في سبيل الله، حيث يقول: «الساعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سَبيلِ الله كالقائم لا يَفتُر وكالصائم لا يُفطِر»([8]).ولم يكن مفهوم الرحمة بالمرأة عند محمد (صلى الله عليه وسلم) يقتصر على حماية حقوقها والحث على رعايتها، بل كان يفيض ليشمل عدم إيذائها نفسيًّا، فعن أبي قتادة t عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه».([9])
رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالصغار:

كان للصغار مكانة خاصة عند النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبالأخص أحفاده وأسباطه، كان يوليهم عناية واهتمامًا يندر أن يوجد من مثل محمد (صلى الله عليه وسلم) في مهامه ومشاغله.والحديث عن تعامل محمد (صلى الله عليه وسلم) مع الصغار له موضع آخر في هذا الكتاب، أما هنا فنشير إلى نماذج من رحمته بهم.كان محمد (صلى الله عليه وسلم) كغيره من البشر يَرِقّ لما يصيب الصغار ويرحمهم، فعن أسامة بن زيدٍ -رضي الله عنهما- قال: أرسلت ابنة النبي (صلى الله عليه وسلم) إليه أن ابنًا لي قُبضَ فأْتِنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجلٍ مسمى، فلتصبر ولتحتسب». فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبلٍ، وأبي بن كعبٍ، وزيد بن ثابتٍ ورجالٌ فرُفِع إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبي ونفسه تتقعقع، قال حسبته أنه قال: كأنها شن، ففاضت عيناه فقال سعدٌ: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»([10]).لقد كانت رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالصغار مشاعر حقيقية تقود محمدًا (صلى الله عليه وسلم) إلى البكاء والتأثر، لكنه مع ذلك لا يطلق العنان لكل ما يشعر به، فلا يبالغ في التعبير عن المشاعر، أو في التسخط على قضاء الله وقدره، فلا يقول إلا ما يرضي ربه تبارك وتعالى.

ولم تكن رحمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بالصغار قاصرة على حالات المصائب، بل كانت شعورًا لا يفارقه، فعن أسامة بن زيدٍ -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأخذني فيُقعدني على فخذه ويُقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما»   ([11]).وعن قتادة قال: خرج علينا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلى فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها. ([12])

زجره (صلى الله عليه وسلم) من لا يرحم:

إن بعض الأخلاق والسمات جِبلّة في النفوس؛ فمنهم من يكون رحيمًا عطوفًا، ومنهم من يكون كريمًا سخيًّا، ومنهم من يكون شجاعًا.والرحمة عند محمد (صلى الله عليه وسلم) لم تكن مجرد سمة وخلق جُبل عليه فحسب، بل كان يعلِّم الناس الرحمة، ويدعوهم إليها، وينكر على أولئك الذين لا تبدو منهم الرحمة لمن يستحقها،فعن أبي هريرة t قال: قبَّل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابسٍ التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم»([13]).وفي موقف آخر يصف محمد (صلى الله عليه وسلم) من فقد الرحمة بالصغار بأنه قد نُزِعَت الرحمة من قلبه، فعن عروة عن عائشة - رضي الله عنها- قالت جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أَوَأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة»([14]).وكان (صلى الله عليه وسلم) يأمر أمته بالرحمة أمرًا عامًّا، ويبين أن أولئك الذين يتخلقون بالرحمة يستحقون رحمة الله تبارك وتعالى،فعن عبد الله بن عمرٍو t يبلغ به النبي (صلى الله عليه وسلم): «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء»([15]).وعن جرير بن عبد الله t قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» ([16]).

رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالجاهل:

ومن المواقف التي تتجلى فيها الرحمة رحمته بالرجل الجاهل؛ فإن الجاهل كثيرًا ما يتصرف تصرفات لا تليق، وقد تقود الناس للتعامل الفظ والغليظ معه،يروي لنا أبو هريرة t هذا الموقف فيقول: قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في صلاةٍ وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلم النبي (صلى الله عليه وسلم) قال للأعرابي: «لقد حجَّرت واسعًا يريد رحمة الله» ([17]).وبعد الصلاة اتجه هذا الأعرابي إلى ناحية المسجد، والمسجد له مكانته عند المسلمين؛ فهو دار العبادة، وهو المكان الذين يجتمعون فيه لتلاوة القرآن وتعلم العلم، فأخذ يبول، فاستنكر أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) هذا الأمر، وانتهروا الرجل، فنهاهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأمرهم أن يَدَعُوه حتى يُكمِل حاجته.ثم دعاه (صلى الله عليه وسلم) برفق وعلَّمه. يصف لنا هذا الأعرابي موقفه (صلى الله عليه وسلم) بقوله: فقام إليّ بأبي وأمي، فلم يؤنب ولم يسبّ، فقال: «إن هذا المسجد لا يُبَال فيه، وإنما بني لذكر الله وللصلاة». ثم أمر بسَجْل من ماء فأُفرغ على بوله([18]).

تأكيده (صلى الله عليه وسلم) على رحمة الضعاف:

ويؤكد محمد (صلى الله عليه وسلم) على شأن الرحمة بالصغار، وأن أولئك الذين لا يملكون في قلوبهم الرحمة لمن يستحقها هم على غير سنته وطريقته، فعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا»([19]).

رحمته (صلى الله عليه وسلم) في التشريع:

والرحمة لدى محمد (صلى الله عليه وسلم) لم تكن قاصرة على مجرد المشاعر والتعامل مع الآخرين، بل يظهر أثرها في التشريع؛ فيرحم محمد (صلى الله عليه وسلم) أمته، ويتجنب المشقة عليهم.فهو على سبيل المثال يؤكد على أهمية استعمال السواك لتطهير الفم، ويبين أنه كان يتمنى أن يأمرهم بفعله عند كل صلاة، لكنه ترك ذلك مخافة المشقة والكلفة عليهم،فعن أبي هريرة t أن                    رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «لولا أن أشقّ على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»([20]).

رحمته (صلى الله عليه وسلم) في أدائه للعبادة:

لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يراعي الرفق بأمته وهو يؤدي العبادة، بل أهم العبادات العملية، ألا وهي الصلاة،عن أنس بن مالكٍ t أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه»([21]).

رحمته (صلى الله عليه وسلم) بترك الأفضل:

كما أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يترك بعض الأعمال الفاضلة رحمة بأمته، فقد أخبر (صلى الله عليه وسلم) أن الوقت الأفضل لصلاة العشاء هو تأخيرها إلى آخر وقتها، لكن نظرًا لأن الناس كانوا ينامون مبكرين، ويشق عليهم أن يتأخروا لانتظار الصلاة؛ فإنه (صلى الله عليه وسلم) كان يُبَكِّر في أدائها أول وقتها؛ مراعاة لعدم المشقة عليهم، ولو ترك هذا العمل الفاضل،فعن عائشة قالت: أعتم النبي(صلى الله عليه وسلم) ذات ليلةٍ حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: «إنه لَوَقْتُها لولا أن أشق على أمتي»([22]).ومن رحمته (صلى الله عليه وسلم) بأمته فيما يتعلق بالتشريع أنه كان يخشى أن يُفرض عليهم أمر لا يستطيعون المحافظة عليه؛ كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يحافظ على صلاة التطوع بالليل، وفي رمضان يزداد اجتهادًا في الصلاة، وكان يصلي لوحده (صلى الله عليه وسلم)،فصلى مرة في المسجد، وصلى معه أصحابه، وحين تكرر الأمر خشي (صلى الله عليه وسلم) إن هو داوم على ذلك أن يفرضه الله عليهم، فصار يصلي في بيته،فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها»([23]).
الرحمة بالمخالفين:

لم تقف رحمة محمد (صلى الله عليه وسلم) على أتباعه الذين استجابوا لدعوته وناصروه فصاروا من أصحابه، بل إنها امتدت إلى المخالفين له، والذين كانوا يؤذونه ويقفون عائقًا أمام دعوته، بل يحاربونه، فعن أبي هريرة t قال: قيل يا رسول الله ادعُ على المشركين. قال: «إني لم أُبْعَث لعانًا وإنما بعثت رحمةً»([24]).وحين كان (صلى الله عليه وسلم) في مكة فآذاه قومه خرج إلى أهل الطائف يدعوهم، فلم يستجيبوا له، وآذوه حتى أدموا قدمه. في مثل هذه المواقف قد يميل الرجل إلى الانتصار لنفسه، أو الانتقام ممن آذاه وامتنع عن الاستجابة له،لكن رحمة محمد (صلى الله عليه وسلم) قد وسعت أولئك، فعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) حدثت أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم) : هل أتى عليك يومٌ كان أشد من يوم أحدٍ؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلالٍ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهمومٌ على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب». ومع تلك المعاناة التي عاناها محمد (صلى الله عليه وسلم) مع أهل مكة والطائف إلا أنه لم يستعجل ربه عذابهم وإهلاكهم، ولم يدع عليهم، بل قال قولته المشهورة: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا»([25]).

رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالحيوانات:

إن من في قلبه مثل هذا العطف والرحمة ليس بغريب عليه أن يرحم الحيوان الضعيف الذي لا يستطيع النطق ليعبّر عن ألمه، أو عن خوفه وجزعه، فنرى محمدًا (صلى الله عليه وسلم) ينهى عن قتل الحيوان من أجل اللهو واللعب.وأوصى كذلك بالرفق بالحيوان، حتى عند ذبحه، فنراه يقول لمن أضجع شاة وهو يحد شفرته: «أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تُضجعها».([26])وحك لأصحابه كيف أن امرأة دخلت النار في هرة، وأن رجلاً غفر له في كلب فقال: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»([27]).وقال: «بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ  خُفّه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له». قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر»([28]).

 

([1]) أخرجه مسلم (235).

 ([2])أخرجه الترمذي (1919).

 ([3])أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465).

 ([4])أخرجه أحمد (26416).

 ([5])أخرجه البخاري (5186)، ومسلم (1468).

 ([6])أخرجه ابن ماجه (3678)، وأحمد (9374).

 ([7])أخرجه النسائي (1414).

 ([8])أخرجه البخاري (6007)، ومسلم (2982).

 ([9])أخرجه البخاري (707) ، و مسلم (470).

([10]) أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (923).

([11]) أخرجه البخاري (6003).

([12]) أخرجه البخاري (5596)، ومسلم (543).

 ([13])أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318).

([14])  أخرجه البخاري (5998)، ومسلم (2317).

([15]) أخرجه أبو داود (4941)، والترمذي (1924).

([16]) أخرجه البخاري (7376)، ومسلم (2319).

([17]) أخرجه البخاري (6010).

([18]) أخرجه ابن ماجه (529).

([19]) أخرجه الترمذي (1919)، وأحمد (6694).

([20]) أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252).

([21]) أخرجه البخاري (709)، ومسلم (470).

([22]) أخرجه البخاري (566)، ومسلم (638).

([23]) أخرجه البخاري (924)،ومسلم (761).

([24]) أخرجه مسلم (2599).

([25]) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1395).

 ([26])أخرجه الحاكم 4/231، والطبراني في الكبير والأوسط.

 ([27])أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2242).

 ([28])أخرجه البخاري (2363) ومسلم (2244).