Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: (مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت). متفق عليه. والحديث في مقام البيان، وليس فيه حدّ لعدد الركعات، فدل على أن ذلك من مسائل التوسعة، ويؤيده عمل الصحابة.    

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

ظل محمد (صلى الله عليه وسلم) يدعو إلى رسالته،سِرًّا وجهارًا، لا يصرفه عن ذلك صارف طوال سني حياته الثلاثة والستين، وتعرَّض خلالها لأصناف كثيرة من الآلام والمشاقّ والمحن، وهو في كل ذلك صابر ثابت يريد أن يواصل الطريق إلى نهايته.

فقد استمر في أول عهده يتتبّع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من: حُرّ وعبد، وقويّ وضعيف، وغني وفقير، إلى الإيمان به والتصديق برسالته، والدخول في عهده.

وبرغم مشاعر الغضب المتفجرة في مكة ضده وضد دعوته؛ فإن ذلك لم يخفه أو يقعده، بل ظل يدعو ويؤهل العناصر الأولى لحمل رسالته معه، وقد كان يجتمع بالمسلمين في بيوتهم بعيداً عن أعين قريش حتى تكوّنت جماعة من المؤمنين الأوائل قوية في إيمانها برسالتها.

لقد صبر على إلحاق أصناف الأذى به وبأصحابه، بعدما قرّر المشركون استئصال دعوته، وظلت قريش عشرة أعوام تعدُّ المسلمين متمردين عصاة، فاستباحت دماءهم وأموالهم، وأثارت عليهم حربًا إعلامية من السخرية والاستهزاء والتكذيب والتشويه،  واتهموا محمدًا بالجنون، والسحر، والكذب والكهانة، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) في كل ذلك ثابت صابر يرجو من ربه النصر وينتظره.

حتى إنه جاءه يومًا أبو جهل ليعتدي عليه، ويريد أن يطأ على رقبته، فعن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يُعَفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ يعني أنه يصلي أمامهم، قال: قيل: نعم. فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأُعَفِّرنَّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتراجع.

ويروي ابن مسعود t موقفًا يتجاوز فيه قومه كل قيم الأدب واللباقة، فيقول: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب لـه جلوس، وقد نُحِرتْ جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سَلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم – وهو عقبة بن أبي معيط - فأخذه، فلما سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والنبي (صلى الله عليه وسلم) ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ([1]).

ومن أشد ما صنع به المشركون (صلى الله عليه وسلم) ما رواه عروة بن الزبير، قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: «أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟»([2]).

وقد اشتد أذى المشركين لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ولأصحابه، حتى جاء بعضهم إليه يستنصره، ودعونا نترك صاحبه يحكي الموقف: فعن خباب بن الأرت t قال: شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو متوسد بردة لـه في ظل الكعبة،                [ ولقد لقينا من المشركين شدة ]، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيحفر لـه في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليُتَمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»([3]).

وظل الأذى بمحمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه حتى حبستهم قريش والقبائل من مواليها في شِعْب أبي طالب لمدة طالت، فبلغت قرابة الثلاث سنين، وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم، وبني عبد المطلب، وبني عبد مناف، وأن لا يبايعوهم، ولا يناكحوهم، ولا يكلموهم، ولا يجالسوهم، حتى يسلِّموا إليهم محمدًا (صلى الله عليه وسلم)، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة، وبقوا محصورين محبوسين، حتى بلغهم الجهد, ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وماتت خديجة بعده بعدة أيام، واشتد البلاء على محمد (صلى الله عليه وسلم) بموتهما، وتجرأ عليه السفهاء وآذوه أشد إيذاء.

ثم خرج إلى الطائف لعله يجد في ثقيف حسن الإصغاء لدعوته والانتصار لها، وكان معه زيد بن حارثة، وكان في طريقه كلما مرّ على قبيلة دعاهم إلى الإسلام، فلم تُجبْه واحدة منها، عندما وصل إلى الطائف عمد إلى رؤسائها فجلس إليهم، ودعاهم إلى الإسلام، فردوا عليه ردًّا قبيحًا، وأقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فلما أراد الخروج تبعه هؤلاء السفهاء واجتمعوا عليه صَفَّين يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء، وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ورجع محمد (صلى الله عليه وسلم) من الطائف إلى مكة محزونًا([4]).

وظل محمد (صلى الله عليه وسلم) يدعو الناس في مواسم الحج والأسواق، فعن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: أخبرني رجل يقال لـه: ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليًّا، قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجاهلية في سوق ذي المجاز، وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه، أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فذكروا لي نسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقالوا: هذا عمه أبو لهب([5]).

كما صبر محمد (صلى الله عليه وسلم) على الجراح والألم في كثير من المواقف بعد هجرته إلى المدينة وبداية المواجهات مع الخصوم، فعن سهل بن سعد t أنه سُئلَ عن جرح النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد فقال: جُرِحَ وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) وكُسِرَت رباعيته، وهُشِمَتِ البيضة على رأسه، فكانت فاطمة - رضي الله عنها- تغسل الدم، وعليٌّ يمسك، فلما رأت أن الدم لا يرتد إلا كثرة أخذت حصيرًا فأحرقته حتى صار رمادًا، ثم ألزقته فاستمسك الدم([6]).

وبرغم ذلك الأذى والجراح يحكي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه عن قيمة عليا من الصفح والعفو والصفح، فعن عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»([7]).

 ([1])أخرجه البخاري (240)، ومسلم (1794).

 ([2])أخرجه البخاري (3678).

 ([3])أخرجه البخاري (3612).

 ([4])انظر: زاد المعاد 3/31.

 ([5])أخرجه أحمد (18525).

 ([6])أخرجه البخاري (2911)، ومسلم (1790).

 ([7])أخرجه البخاري (3477)، ومسلم (1792).