Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
al_mawsuaa_maysira.jpg

جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) فوجد قومًا يتخذون من سوء الجوار سلوكاً شائعاً، وقد وصف جعفر بن أبي طالب ابن عم محمد (صلى الله عليه وسلم) حالهم بينما هو يخاطب النجاشي ملك الحبشة وصفًا مختصرًا فقال: «إنّا كنا أهل جاهلية وشر، نقطع الأرحام، ونسيء الجوار... ».

فكان الجار لا يأمن من جاره شرّه، بل إنه كان ينتظر منه الشر في أي لحظة، فجاء محمد (صلى الله عليه وسلم) فرفع قيمة حسن الجوار، وأعطى للجار حقوقًا كثيرة ساعدت في تأمين المجتمع وإرساء قواعد المحبة والأمن والسلامة والتعاون بين أفراده .

ومحمد (صلى الله عليه وسلم) في تلك المنطقة المنهجية - بينما هو يضبط حقوق الجار وواجباته - يفصح عن أن رسالته لم تكن فقط رسالة عبادية منقطعة عن الإصلاح الحياتي الاجتماعي، بل هي رسالة إصلاحية لشتى جوانب الحياة.

وحرص محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يعلن حقوق الجار ويطلب واجباته أن يكون هو ذاته أول من يطبق تلك الحقوق والواجبات؛ ليكون قدوة عملية لغيره في ذلك.

حق الجار في رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم):

جاءت آيات القرآن تؤكد على حق الجار وتوصي به، فقال سبحانه:   (النساء: 36).

وفي تحديد الجار، وما له من حق على جاره، فإن العالم والمؤرخ الإسلامي إسماعيل بن كثير يشرح  الآية، ومرادها بالجار، فيقول: الجار ذي القربى: يعني: الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة.

وينقل رأيًا آخر لبعض علماء الإسلام أن: الجار ذي القربى يعني: الجار المسلم، والجار الجنب يعني: غير المسلم، وكلا القولين يوصي بالجار([1]).

وقد نقل أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) عنه أحاديث عديدة تشدّد الوصاية بالجار؛ لمكانة هذا الجار وما له من حقوق يجب أن يهتمّ بها؛ حيث ظنّ محمد (صلى الله عليه وسلم) من كثرة ما يوصيه جبريل عليه السلام بالجار أنه سيورّثه، ويجعله كأنه فرد من أبناء الأسرة.

فيروي عبد الله بن عمرو بن العاص أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) قال: «خير الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرُهم لجاره»([2]).

وينقل خليفته الثاني عمر بن الخطاب عنه قوله (صلى الله عليه وسلم): «لا يشبع الرجل دون جاره»([3]).

ويروي عنه عبد الله بن عمر قوله (صلى الله عليه وسلم): «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه»([4])،وكلة «ما زال يوصيني»،                   تدل  على أنه لم يكن أمراً عارضاً بل تكرر مراراً حتى ظن             محمد (صلى الله عليه وسلم) أن الله عز وجل من كثرة هذه الوصية بالإحسان للجار سيجعل له في مال جاره حقًّا.

ويحدث محمد (صلى الله عليه وسلم) حديثاً آخر ينبئ عن أقبح المعاصي، وأشدّها إثمًا، لما في ذلك من إيذاء للجار، وخيانة لحقّ المجاورة؛ لأن الواجب على الجار أن يكون أمينًا على مال جاره، محافظًا على عرضه أن يُنْتَهك، حماية ودفاعًا، لكن عندما يأتي الخلل من الجار نفسه، فإن هذا تَعَدٍّ وتجاوز لا يُغتفر، إنه أذية وخيانة، فقد روى المقداد بن الأسود عن محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه قال لأصحابه يومًا، وهو يحدّثهم: «ما تقولون في الزنى؟» قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر من أن يزني بحليلة جاره». قال: «فما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرّمها الله ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة، قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر من أن يسرق من جاره»([5]).

وفي حديثٍ آخر له يرويه صحابي آخر، وهو ابن مسعود، يقول: قلت: يا رسول الله! أيّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك». قلت: ثم أي؟، قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك» ([6]).

وتسأله زوجته عائشة ذات يوم فتقول: يا رسول الله! إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي - يعني: لو كان لدي شيء واحد أهديه، فأيهما أقدم في الاختيار؟ - قال محمد (صلى الله عليه وسلم): «إلى أقربهما منك بابًا»([7]).

كما أكد (صلى الله عليه وسلم) على حق الجار في أن يرى ابتسامة جاره عندما يلقاه، وأن يأكل من طعامه إذا أطعمه، فيروي صاحبه أبو ذر فيقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها».([8])

لقد علّم محمد (صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن للجار حقًّا على جاره، في المشاركة بالسراء والضراء، وفي إطعامه مما يأتي عنده، ولو بمرقة مما يُطبخ، لكي يُشعره بمكانته واهتمامه به وعدم إيذائه، أو الإساءة إليه، والمحافظة على أهله وأولاده، في حال غيابه، وتقديم الخدمات لهم، ورعاية شؤونهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكفّ الأذى عنهم، وعدم تعدي الكبير على صغيرهم، أو أخذ حق لهم.

إنه يوصي بمحبة الجار إذن واحترامه، وحسن معاملته والتودد إليه، كلما سنحت لك الفرصة، وزيارة مريضه، ومواساته والقيام بخدمته، ومعاونته عند الضرورة، وحبّ الخير له، وغضّ البصر عن محارمه.

يقول (صلى الله عليه وسلم): «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربعة من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق»([9]).

ثم يروي محمد (صلى الله عليه وسلم) حديثًا قدسيًّا عن ربه سبحانه يبيّن قيمة شهادة الجار على جاره؛ فيقول محمد (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «ما من عبد مسلم يموت يشهد له ثلاثة أبيات من جيرانه الأدنين بخير؛ إلا قال الله عز وجل: قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا، وغفرت له ما أعلم»([10]).

الممارسات العملية مع الجيران:

لقد حرص محمد (صلى الله عليه وسلم) أيضًا على أن يؤكد على الممارسات العملية الخاصة بالجيرة؛ لتطبيق المعاني النظرية التي أعلنها وأكد عليها، فيؤكد مثلاً على كفّ الأذى بطريقة عملية؛ ذلك أنك تعلم خبيئة جارك، وجارك يعلم خبيئتك، وربما تسمع منه أو عنه شيئًا من خصوصياته لا يطلع عليها أحد غيرك، ومن الممكن أن تستغل ذلك في إيذائه وسيكون إيذاؤك له أبلغ وأعظم من إيذاء أي أحد غيرك؛ لأنك تعلم من أين يُؤْذَى، وأيّ الجروح أكثر إيلامًا له . حتى إنه قد قرن بين سلامة الإيمان وإبعاد الأذى عن الجار، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره»([11]).

يقول أبو هريرة قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة تُذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، قال: يا رسول الله! فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة»([12]).

كما ينقل أبو هريرة قول محمد (صلى الله عليه وسلم): « لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه »([13]).

ومن جانب آخر فإن استأذنك جارك في استعمال بعض ما أعطاك الله، فأْذن له بذلك، يقول أبو هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يمنعنَّ جارٌ جاره أن يغرز خَشَبه في جداره»([14]).

أي: أنه قد يعمل عملاً يحسن به إلى نفسه أو عياله، وقد يتطلب أن يفعل شيئًا في ملكك، فإن أراد ذلك فأذن له حبًّا وكرامة.

أما فيما يخص العطاء؛ فإن الجار أعلم بجاره، ويعلم عنه ما لا يعلمه غيره، وقد ينخدع الناس في مظهر بعض الناس، ولا يعلمون عنه شيئًا، ولكن الجار لا ينخدع، فإن كان في حاجة إلى مال فأعطه مما أعطاك الله، فإن له فوق حاجته بوصفه فقيراً حق الجار، فهو أوْلى من الفقير البعيد، وإذا استقرضك وكان لديك سَعَة فأَقْرِضْه، «ما آمن بي مَن بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم»([15]).

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) تفسير ابن كثير: 424.

([2]) أخرجه الترمذي (1944).

[3])أخرجه أحمد (392).

([4]) أخرجه البخاري (6014)، ومسلم (2624).

[5]) أخرجه أحمد (23342).

([6])أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86).

([7]) أخرجه البخاري (2259).

([8])أخرجه ابن حبان (524)، وأصله في صحيح مسلم.

([9]) أخرجه الحاكم والبيهقي.

([10])أخرجه أحمد (8763).

([11])أخرجه البخاري (6018)، ومسلم (6475).

([12])أخرجه أحمد (9383).

([13])أخرجه مسلم (46).

([14]) أخرجه البخاري (2463)، ومسلم (1609).

([15]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.

المقطع المختار من قسم مقاطع الفيديو