خُلُقُ الأمانة مع مبلغ الرسالة

الكاتبة: عائشة محمد الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد،،
الأمانةُ ضد الخيانة وهي صفة جميلة، حث عليها الدين وأمر بها والإنسان الأمين محبوب عند الله وعندالناس قال تعالى:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " {الأحزاب:72}، وقال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " {النساء:58} ، ولقد أوجب الله علينا الأمانة ولُقِّب نبينا محمد صلى اللهعليه وسلم بالأمين وهو قدوتنا في حفظ الأمانة والتخلق بها والأمانة أن نصون حواسنا من الحرام وأن لا نعتدي على حقوق الآخرين بأن نحفظ الودائعوالأمانات كالأموال وغيرها ولنتذكر دائماأن من لا أمانة له لا إيمان له وأن الأمانة والرحم يقفان يوم القيامة على جنبتي الصراطيميناً وشمالاً، لعظم أمرهما وكبر موقعهما، وليطالبا من يريد الجواز بحقهما.

الأمر بحفظ الأمانة
قد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها ، وذمالخيانة ، وحذر منها في نصوص كثيرة منها :
‌قال تعالى :" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا "{النساء:58}. ذكر ابن كثير رحمه الله: أنها عامة في جميعالأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان : حقوق الله تعالى من صلاة وصياموغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها .والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة ، بل تتوج بها عباد الله الصالحين ، حتى وصفهم الله بها فقال تعالى : " وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ "{المؤمنون:8} . والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة ، في قول الحبيب:" لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له "[1].وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " {الأنفال:27}
‌وقال صلىالله عليه وسلم في الأمر بردِّ الأمانة : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك "[2]
‌وقال صلى الله عليه وسلم في ذم الخيانة:" آية المنافق ثلاث : إذاحدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان "[3]

أنواع الأمانة
1- الأمانة العظمى ، وهي الدين والتمسك به،وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً ، فالرسل أمناء الله علىوحيه ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتينيخبر السماء صباحاً ومساء " وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهمأمناء في تبليغ هذا الدين . وكل ما يأتي من أنواع يمكن دخولها في هذا النوع .
2-كل ما أعطانا الله من نعمة فهي أمانة لدينا يجب حفظها واستعمالها وفق ماأراد منا المؤتمن ، وهو الله جل وعلا ، فالبصر أمانة ، والسمع أمانة، واليد أمانة ،والرجل أمانة ، واللسان أمانة ، والمال أمانة أيضاً ، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله .
3- العرض أمانة ، فيجب علينا أن نحفظ عرضنا ولا نضيعه ، فنحفظ أنفسنا منالفاحشة ، وكذلك كل من تحت يدينا ، ونحفظهم عن الوقوع فيها..
4- الولد أمانة ، فحفظهأمانة ، ورعايته أمانة ، وتربيته أمانة .
5- العمل الذي نوّكل به أمانة ،وتضييعه خيانة ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " ، قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة "..[4]
6- السر أمانة ،وإفشاؤه خيانة ، قال صلى الله عليه وسلم:" إذا حدث الرجل بحديث ثمالتفت فهي أمانة " ومن أشد ذلك إفشاء السر بين الزوجين ، فعن أبي سعيد الخدري ـرضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أعظم الأمانة عندالله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها"[5]
7- الأمانة ، بمعنى الوديعة ، وهذه يجب المحافظة عليها ، ثم أداؤها كماكانت[6] .

مما ورد في فضل الأمانة

روى ابن كثير بسنده عن عبد الله بن مسعود _ قال : ( إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بالرجل يوم القيامة ، وإن كان قُتل في سبيل الله تعالى فيقال : أد أمانتك ، فيقول : وأنّى أؤديها وقد ذهبت الدنيا ؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي على أثرها أبد البد ) .
وليست الأمانة أيها الأحبة أمرًا مستغربًا على النفوس، بل هي فطرة فطر الإنسان على معرفته ، غير أنه مرة يوافقه ، ومرة يخالفه ، ولكلٍ جزاء ، فعن حُذَيْفَة قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‘ حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ ،حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ [ أي في أصلها ] ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ ، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا ؛ قَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ،فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ [ أي مثل النقطة ] ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ [ أي كمثل أثر العمل في اليد ] كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا [ أي مرتفعًا ] وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ،فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا ) رواه البخاري .
ويا لمحبة الله لصاحب الأمانة التي يرعاها في نفسه وأهله وعمله وفي كل شيء، لا يستحقها إلا الأمين ، قال الحبيب: " من سرّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدّث ، وليؤد أمانته إذا ائتمن " رواه البيهقي وحسنه الألباني .
إنه الأمانة مقياس العمل الجاد الناجح حينما تقترن بالقوة ، { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ، إنها الأمانة التي كان يودع بها النبي أصحابه وجيوشه فيقول لهم : (أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
إنها الأمانة التي كان يعلي بها شأن حذيفة فيقول : (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ) رواه البخاري .
إن وراء الأمانة لسؤال ونقاش وجزاء ، هكذا تحملها الإنسان ، فليؤدها بكل جوانبها وحقوقها ، قال النبي ‘ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري .

صور من أمانة سيد الخلق وسيد الأمناء

تولى الله – سبحانه وتعالى – تربية نبيه- صلى الله عليه وسلم- وتأديبه، فكان أكمل الناس خلقًا، وأعظمهم أدبًا، وأرجحهم عقلاً، وقد اشتهر- صلى الله عليه وسلم- بين أهل مكة قبل الإسلام بالاستقامة والصدق والأمانة؛ فلقبوه بالصادق الأمين .

1- لا يأكل تمرة ربما سقطت من الصدقة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي -أَوْ فِي بَيْتِي- فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً -أَوْ مِنَ الصَّدَقَةِ-فَألْقِيهَا"[7].

2- رد الأمانات إلى أهلها عند الهجرة: عن عائشة -رضي الله عنها- في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: وأمر -تعني رسول الله - عليًّا رضي الله عنه أن يتخلف عنه بمكة؛ حتى يؤدِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمكة أحدٌ عنده شيء يُخشى عليه إلا وضعه عنده؛ لما يُعلم من صدقه وأمانته... فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها؛ حتى أدَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لَحِق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم [8]...وهذه من أروع الصور في أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أن الكفار كانوا يعادونه ويؤذونه ودبروا مؤامرة لقتله وهو ذاهب إلى مكة ومع ذلك أعاد الأمانات إلى أهلها وكلّف ابن عمه رضي الله عنه وما كانوا ليضعوا الأمانات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لعلمهم ويقينهمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلّق بأحسن الأخلاق عليه الصلاة والسلام لا توجد في غيرهـ حتى إنهم لقبوهــ بالصادق الأمين كما ذكر فكانوا يضعون ما يخافون عليه عنده صلى الله عليه وسلم، وقد قال رب العزّة والجلال:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " {آل عمران:159}، فعلم عليه الصلاة والسلام بأنه سيكسب الخلق بأخلاقه الكريمة فعاملهم بالحسنة فهُدِي كثير من الصحابة بذلك الهدي الرباني..

3- رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة: عن ابن جريج قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، قال: نزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاحَ الكعبة، ودخلَ به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح[9].

4- لقد أتى يهودي ليشتري منه ثوبين إلى الميسرة ، فانتهزها اليهودي لينال من جنابه العظيم ، وقال : قد علمت ما يريد ، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي ، فقال رسول الله ‘ : (( كذب ، قد علم أني من أتقاهم لله ، وأدّاهم للأمانة ))[10].

5- تبليغه جميع ما أمرهـ الله من تبليغ الرسالة والنصح للمسلمين ونشر هذا الدين العظيم للأمة كافة حتى صار عليه الصلاة والسلام لا ينفك اسمه عن هذا المديح الذي هو أهل له: ( مبلغ الرسالة ومؤدي الأمانة ) حيث أدى الأمانة التي كانت عليه وأرشدنا إلى الطريق المستقيم فجزاهـ الله خير ما جزى نبي عن أمته..

6- عرف النبي صلى الله عليه و سلم بالأمانة و الصدق حتى لقب بالصادق الأمين و كانوا إذا ذهب أو جاء يقولون جاء الأمين و ذهب الأمين و يدل على ذلك قصة الحجر الأسود عند بناء الكعبة المشرفة بعدما تنازعهم في استحقاق شرف رفعه ووضعه في محله حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل المسجد الحرام فكان الداخل هو محمد صلى الله عليه و سلم فلما رأوه قالوا : "هذا الأمين رضينا هذا محمد" فلما أخبروه الخبر قال صلى الله عليه و سلم : "هلم إلي ثوباً" فأتى به فأخذ الركن فوضعه بيده الطاهرة ثم قال : " لنأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بني عليه قال ابن هشام : "وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن ينزل الوحي : الأمين"

7- شهد بأمانة الرسول صلى الله عليه و سلم أعدائه قبل أصدقائه و صحابته فها هو أبو سفيان زعيم مكة قبل إسلامه يقف أمام هرقل ملك الروم و يعجز عن نفي صفة الأمانة عن النبي صلى الله عليه و سلم رغم حرصه عندئذ أن يطعن فيه و لكن ما أن سأله هرقل عن ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه و سلم فأجاب أبو سفيان : "يأمر بالصلاة و الصدق و العفاف و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة"

8- أما أصدقائه و صحابته فلم يختلف أحد على أمانته صلى الله عليه و سلم و من أمثلة ذلك ما قالته عنه خديجة رضي الله عنها عند بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه و سلم : "...فوالله إنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث.." و ما قاله جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة رضي الله تعالى عنه حين سأله عن الدين الذي اعتنقوه فأجاب : "حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه و صدقه و أمانته و عفته.." و لا غرو أن النبي صلى الله عليه و سلم كان مثالاً للأمانة و كيف لا و قد ائتمنه الله تعالى على رسالته الخاتمة فكان خير من أدى هذه الأمانة إلى حد الكمال فقد قال تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" – سورة المائدة آية 3

ولقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة صورًا للأمانة في عهد من قبلنا وهذا يدل على أن الأمانة خلق نبيل يوجد عند كل شخص طيب الأخلاق وأحسنها فحريٌّ بالمؤمن الاتصاف بهذه الصفة الرائعة، ومما ذكرهـ عليه الصلاة والسلام من باب التذكير والعظة:

1- قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم : " اشترى رجل منرجل عقاراً له ، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذياشترى العقار : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم ابتع منك الذهب ، فقالالذي شرى الأرض ( أي : الذي باعها ) : إنما بعتك الأرض وما فيها ، قال : فتحاكماإلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام بالجارية ، وأنفقوا على أنفسكما منه ، وتصدقا "
2- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل أنه سألرجلاً من بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيدا ، قال : فائتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت ،فدفعها إليه على أجل مسمى ، فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً يركبها ،يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فأخذ خشبة ونقرها ، فأدخل فيها ألفدينار ، وصحيفة منه إلى صحابه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها البحر ، فقال : اللهمإنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني كفيلا ، فقلت : كفى بالله كفيلا ،فرضي بك ، وسألني شهيداً فقلت : كفى بالله شهيداً ، فرضي بذلك ، وإني جهدت أن أجدمركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني استودعكها ، فرمى بها في البحر حتى ولجتفيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذيكان أسلفه ، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشية التي فيها المال ، فأخذهالأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة . ثم أقدم الذي كان أسلفه فأتى بالألفدينار ، فقال : والله ما زلت جاهداً في طلب مركبة لآتيك بمالك ، فما وجدت مركباًقبل الذي أتيت فيه ، قال : هل كنت بعثت إلي شيء ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركباًقبل الذي جئت فيه ‍‍‍‍‍‍‍. قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشية ، فانصرفبالألف دينار راشداً..

وأماسلفنا السابقون فقد تجذرت الأمانة في قلوبهم، فبها يتبايعون، ويتعاملون، ولهم فيذلك قصص وأخبار لا يتسع المقام لذكرها[11]..وللأسف قل وندر من نجدهـ أمينا، حتى أصبح يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، وهذا من علامات الساعة كما ذُكِر فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " ، قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة "..[12]فما أجمل الإنسان أن يكونأمينا وأن تكون الأمانة خلقا دائما له في معاملته مع ربه ومع أهله ومع الناس جميعا، وأن يكون قدوته رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم مهتديا بكريم أخلاقه تعبدا لله وتحسينا لأخلاقه..اللهم احشرنا في زمرة الأمناء ، وأعنا على أداء الأمانة ، اللهم هيئ للأمة أمناء يحملون عبء نصرها ، فتنصرهم ، ومسؤولية صلاحها فتعينهم، اللهم إنا نسألك كريم الأخلاق وأن نكون من الأقربين يوم القيامة من رسولك ونبيك عليه الصلاة والسلام بحسن أخلاقنا، اللهم أنت القادر على ذلك.. اللهم آمين،نستغفرك ونتوب إليك ، فإنك أنت التواب الرحيم،وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..
---------------------------------------------

المراجع: القرآن الكريم – الحديث الشريف ( صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما ) – بعض المواقع الإسلامية ( صيد الفوائد وغيرهـ )

للاستزادة: الكتاب : ( الأمانة ) المؤلف : ( الشيخالعلامة عبدالله الجبرين – رحمه الله - ) - الكتاب: (الأمانة في ضوء الكتاب و السنة) ( رسالة ماجستير) المؤلف: (غصنة الظفيري) - الكتاب: ( الأمانة ) المؤلف: ( الصاغرجي ) – الكتاب: (الأمانة كما يصورها القرآن الكريم ) ( رسالة ماجستير) المؤلف: ( جمال الشهاوي ) – الكتاب: (الأمانة في الإسلام و آثارها في المجتمع) ( رسالة دكتوراه) المؤلف: ( عبداللطيف الحسين ) – الكتاب: (الأمانة و الأمناء) المؤلف:( أحمد المحاميد )

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه أحمد وإسناده حسن

[2]رواه الترمذي وأبو داود وحسنه، وصححه الحاكم

[3] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ - باب ما جاء في كتاب الوصية - 11756

[4] صحيح البخاري – باب رفع الأمانة - 6131

[5]أخرجه مسلم

[6]الأمانة وأنواعها : علي عبد العزيز الراجحي، الأمانة: د. فيصل الحليبي، بتصرف..

[7]البخاري: كتاب اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق (2300)، ومسلم:كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1070).

[8]البيهقي: السنن الكبرى 6/289 (12477)، وابن كثير: البداية والنهاية 3/218، 219، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 1/569.

[9]الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 8/491، 492، وابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/340.

[10] رواه الترمذي وصححه الألباني

[11]يمكن الرجوع لبعض الكتب، انظر في ( الاستزادة ) في آخر المطوية ..

[12] سبق تخريجه

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          استحباب تأخير السحور وتبكير الصلاة:

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان و السحور قال قدر خمسين آية) متفق عليه. والمراد بالأذان في الحديث الإقامة فكان بين فراغه من السحور عند الأذان وبين إقامة الصلاة قدر قراءة خمسين آية قراءة متوسطة معتدلة وذلك يستغرق قرابة خمس عشرة دقيقة.

 

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية