وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بكبار السن من الرجال والنساء. والرحمةُ بهم تعني إكرامَهم وتوقيرَهم. وقد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا درجةً وصلت إلى أن قَرَن إكرامهم بإجلال الله سبحانه، فقال: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم»[1] فأي رحمة بهم بعد هذا؟!
وكان من رحمته للكبار عامةً وتوقيرهم، أنه كان يؤكد على تقديمهم حتى في الكلام، فقد روي أن نفراً انطلقوا إليه، فبدأ أصغرهم بالكلام، فقال (صلى الله عليه وسلم): «يبدأ الأكبر»[2].
وفي الأمور الكبيرة كإمامة الصلاة - عندما تتساوى الكفاءات - ورد أنه أتاه رجلان يريدان السفر فقال لهما: «إذا أنتما خرجتما فأذِّنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما»[3].
وفي الأمور الصغيرة، روي عنه أنه قال: «أراني في المنام أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي كبِّر، فدفعته إلى الأكبر منهما»[4].
وروي أنه أُتي بشراب فشرب، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثِر بنصيبي منك أحداً. قال: فتلَّه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في يده - أي دفعه إليه وأعطاه إياه -»[5].
وقد قَرَن (صلى الله عليه وسلم) رحمة الصغير إلى توقير الكبير، فكلتاهما رحمة لا يكون مسلماً من أغفلها، فقال: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا»[6].
------------------------------
[1] مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني الحديث رقم /4972 وقال عنه: حديث حسن - وكذلك قال في صحيح الترغيب والترهيب رقم 98 - وكذلك قال عنه العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء).
[2] صحيح مسلم الحديث رقم /3158.
[3] صحيح البخاري الحديث رقم /594 - صحيح مسلم الحديث رقم /1081.
[4] صحيح البخاري الحديث رقم /238 - صحيح مسلم الحديث رقم /4216 - وقال عنه الألباني في الصحيحة رقم /1555: «قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنّة حينئذٍ تقديم الأيمن، وهو صحيح».
[5] صحيح البخاري الحديث رقم /5189.
[6] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2196.