Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          حدث في شوال:غزوة حمراء الأسد في اليوم التالي لغزوة أحد، كان المشركون بعد غزوة أحد هموا بالرجوع لمواصلة عدوانهم، فخرج جيش المسلمين وعسكروا قرب المدينة في حمراء الأسد، وتسامع بهم المشركون فدخلتهم الرهبة وعلموا أنه لا تزال في المسلمين قوة فمضوا إلى مكة، واللافت للنظر أنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن أن يخرج إلى حمراء الأسد إلا من شارك في أحد، وكأنها موصولة بغزوة أحد، ليمحو آثار المصيبة وترتفع معنويات أصحابه.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟

قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالآباء والأمهات، وسماها (برّ الوالدين). وحذَّرهم من القسوة عليهما، وسماها (عقوق الوالدين).

أما عن (برِّ الوالدين): فكان (صلى الله عليه وسلم) لا يرضى للمسلم القيامَ حتى ببعض واجباته الدينية ما لم يكن ذلك برضا أبويه، فقد روي أن رجلاً هاجر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من اليمن لأجل الجهاد، فقال له: «هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي. قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرّهما»[1].

وروي أنه جاءه رجل فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان. فقال له:«ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما»[2].

بل هو كان يفضّل ويختار للمسلم أن يبرّ والديه على أن يجاهد في سبيل الله، حتى مع إذنهما له، فقد سأله رجل ذات مرة: أُجاهد؟ قال: «لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد»[3].

وجاءه مرة أحد المسلمين فقال: إني أريد الجهاد وجئت أستشيرك. فقال: «ألك والدة؟ قال: نعم. قال: فالزمها - وفي رواية فأكرمها - فإن الجنة تحت رجليها»[4].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا تحدث عن (برّ الوالدين) تارة يجمع بينهما، وتارة يخص كلاًً منهما، فقد جاءه أعرابي ذات مرة فسأله: مَن أَبَرّ؟ قال: «أمَّك. قال: ثم مَن؟ قال: أمَّك. قال: ثم مَن؟ قال: ثم أباك»[5].

وكان رجل من الصحابة اسمه (حارثة بن النعمان) وكان أبرّ الناس بأمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «دخلتُ الجنة، فسمعتُ فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البِر،كذلكم البِر»[6].

وروي عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: «أنت ومالك لأبيك»[7].

وقال (صلى الله عليه وسلم): «الوالد أوسط أبواب الجنة»[8]، والوالد هنا هو الأب أو الأم أو كلاهما.

* * *

قال الأب ستيفانو: لعل هذه الرحمة بالوالدين، التي حرصت عليها مدرسة محمد تختص بالوالدين المسلمَين، أما الكافرَين فلا.

قلت: بل والكافرَين أيضاً، فقد جاء عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قدمتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم النبي (صلى الله عليه وسلم) - كان أبو بكر قد طلق قتيلة أم أسماء في الجاهلية - فاستفتيتُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصِل أمي؟ قال: «نعم، صِلي أمك»[9].

وأردفت: ولم يكتفِ (صلى الله عليه وسلم) بالتأكيد على بر الوالدين، بل تعداهما إلى إخوانهما فقال: «من أَحب أن يصل أباه في قبره، فلْيصلْ إخوان أبيه بعده»[10].

* * *

قال الأب ستيفانو: هذا عن (بر الوالدين) فماذا عن عقوقهما؟

قلت: أما عن (عقوق الوالدين)،فقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته أن هذا من أكبر الكبائر في الإسلام! فقد روى عنه أحد أصحابه أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»[11].

فبادر الأب ستيفانو قائلاً بتعجب: عقوقُ الوالدين قرينُ الإشراك بالله؟! هذه هي الرحمة، هذه هي الرحمة!.

قلت: وقال في حديثٍ آخر: «أبشروا، أبشروا: إنه من صلى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر، دخل من أي أبواب الجنة شاء: عقوقَ الوالدين، والشركَ بالله، وقتْلَ النفس، وقذفَ المحصنات، وأكلَ مال اليتيم، والفرارَ من الزحف، وأكلَ الربا»[12].

وقال في حديث آخر: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه،ومُدمنُ الخمر، والمنَّانُ عطاءَه. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيُّوث، والرَّجُلَة»[13].

وأردفت: بل هو جعل من الكبائر أن يتسبب الابن في وصول الأذى إلى والديه، فقال: «من الكبائر شتمُ الرجل والديه. قالوا: يارسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال:نعم، يسبُّ أبا الرجل، فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمه، فيسبُّ أمه»[14].

* * *

وأَضَفْتُ: ولأجل هذا التأكيد على الرحمة بالوالدين وبرّهما، فقد كانت عقوبة من يعق والديه معجَّلةً له في الدنيا قبل الآخرة، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): «اثنان يعجِّلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين»[15].

فقال الأب ستيفانو بعد تفكُّر: يخيَّل إلي بعد كل هذا أن رضا الله وسخطه على المرء، معلَّق برضا الوالدين وسخطهما.

قلت: أصبت، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما»[16].

قال: أَوَلهذه الأحاديث النبوية الصحيحة في برِّ الوالدين والرحمة بهما أصل في القرآن؟

قلت: أجل تقول الآية القرآنية: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً{23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾[17].

وتقول الآية القرآنية: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾[18].

وتقول الآية القرآنية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[19].

وتقول الآية القرآنية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾[20].

فقال الأب ستيفانو بعد تفكُّر: كم بين نظرة مدرسة محمد إلى الأبوين، وبين نظرة المدرسة الغربية المعاصرة إليهما من بون شاسع!

قلت: كيف هذا؟

قال: إن المدرسة الغربية المعاصرة، بعد أن تخلت عن نظام الأسرة بصورته الصحيحة، جعلت من الأبوين عبئاً على الأبناء، يحاولون التخلص والتملص منه ما استطاعوا، وبخاصة عندما يتقدم العمر بالأبوين.

قلت: لكنَّ الغربيين استحدثوا دُور العجزة لحل هذه المشكلة، وصرنا نقلدهم أحياناً.

قال: وهل يحرص الموظف على حسن سير العمل في المصنع، حرصَ صاحبه عليه؟

قلت: لا.

قال: أضف إلى هذا أن الشيخ والشيخة لا يشعران بشيخوختهما شعوراً حاداً طالما أنهما يعيشان في منـزلهما بين ذويهما، فإذا نُقلا إلى (مأوى العجزة) تضاعفت آلامهما النفسية، واستشعرا العقوق الحقيقي من أبنائهما.

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحيح وضعيف سنن أبي داود للألباني الحديث رقم/2530 وقال عنه: صحيح.

[2] صحيح الترغيب والترهيب للألباني - الحديث رقم /2481.

[3] صحيح البخاري الحديث رقم /5515.

[4] المستدرك على الصحيحين الحديث رقم /7248 -2502 وقال عنه: حديث صحيح.

[5] مختصر إرواء الغليل للألباني وقال عنه: حديث صحيح.

[6] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /913.

[7] (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه) للألباني الحديث رقم 2291 وقال عنه: صحيح.

[8] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /914.

[9] صحيح البخاري الحديث رقم /5521 - صحيح مسلم الحديث /1671 واللفظ له.

[10] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /1432.

[11] صحيح البخاري الحديث رقم /5519 وتمامه: «وكان متَّكِئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت».

[12] السلسلة الصحيحة للألباني - الحديث رقم /3451.

[13] صحيح الترغيب والترهيب للألباني - الحديث رقم /2511 وقال عنه: حسن صحيح.

[14] المرجع السابق الحديث رقم /2514 وقال عنه: صحيح.

[15] صحيح و ضعيف الجامع الصغير للألباني الحديث رقم /137 وقال عنه: صحيح.

[16] المرجع السابق الحديث رقم /5820 وقال عنه: صحيح.

[17] الإسراء /23-24.

[18] الأنعام /151.

[19] لقمان /14.

[20] العنكبوت /8.