Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-        الاجتماع عند النزول والمبيت:

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم): (إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان) فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض. رواه أبو داود وصححه ابن حبان. وفيه دليل على الاجتماع وذم التفرق حتى في الأمور اليسيرة، فكيف بكبار الأمور!

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

وأردف الأب ستيفانو قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟

قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالأطفال والصبيان والعيال. فقد روى الصحابي أنس بن مالك، وكان خادماً ملازماً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: «ما رأيت أحداً أرحم بالعيال[1] من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كان إبراهيم - ابنه - مسترضَعاً في عوالي المدينة - حي من أحيائها - فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه لَيُدَّخَن، وكان ظئره قيناً[2]، فيأخذه فيقبِّله ثم يرجع»[3].

وكان (صلى الله عليه وسلم) يستدل على وجود الرحمة في قلوب الناس، برحمتهم أطفالهم، فقد جاء عن زوجته السيدة عائشة قالت: «قدِم ناسٌ من الأعراب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟! فقالوا: نعم. فقالوا: لكنا والله لا نقبِّل. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): وأملكُ إن كان الله نـزع منكم الرحمة؟!»[4].

وجاء عن أبي هريرة: «أن الأقرع بن حابس أبصر النبي يقبّل الحسن. فقال: إنَّ لي عشرة من الولد، ما قبَّلْتُ واحداً منهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنه من لا يَرحم لا يُرحم»[5].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) يداعب الأطفال بما يناسب أعمارهم، فقد رُوي عنه أنه «كان يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه فيبهش إليه - أي يسرع إليه -»[6].

ورُوي عنه أنه كان يلاعب زينب بنت أم سلمة - أي بنت زوجته من زوجها السابق - وهو يقول: «يا زوينب، يا زوينب، مراراً»[7].

وروى عنه صاحبه وخادمه أنس بن مالك قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدخل علينا - أي على أهل أنس - ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نُغر - طائر صغير - يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) ذات مرة فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نُغره. فقال له: يا أبا عمير ما فعل النغير؟»[8].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) لا يحرِم الأطفال من رحمته وعطفه حتى في أثناء صلاته، فقد رُوي عنه أنه «كان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال: من أحبني فليحب هذين »[9].

ورُوي عنه أنه «كان يصلي وهو حامل أمامةَ بنت زينب - بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها»[10].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) يجلس إلى الأطفال ليلعبوا أمامه، ويشاركهم أحياناً، فقد جاء عنه أنه «كان يَصفُّ عبد الله وعبيد الله وكَثيراً، من بني عمه العباس، ويقول: من سبق إلي فله كذا وكذا. قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيلتزمهم ويقبلهم»[11].

أما إذا مرّ بهم وهم في لعبهم، فلم يكن يتجاهلهم، حدَّث عبد الله بن جعفر قال: «لقد رأيتُني وقثم وعبيد الله ابنَي العباس، ونحن صبيان نلعب، إذ مر بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: ارفعوا هذا إلي. فحملني أمامه - على الدابة - وقال لقثم: ارفعوا هذا إلي. فحمله وراءه.. ثم مسح على رأسي ثلاثاً، كلما مسح قال: اللهم اخلف جعفراً في ولده»[12].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) من شدة رحمته بالأطفال، كأنما يشتاقهم إذا ذهب في سفر، فإذا قدم من سفره، تلقاه الناس بالأطفال لما يعرفونه من شدة رحمته بهم، فقد حدّث عبد الله بن جعفر قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا قدم من سفر تُلُقِّي بصبيان أهل بيته. قال: وأنه قدم من سفر، فسُبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابنَي فاطمة فأردفه خلفه. قال: فأُدخلنا المدينة ثلاثة على دابة»[13].

وحدث ابن عباس قال: «أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة وقد حمل قثم بن العباس بين يديه، والفضل - ابن العباس - خلفه»[14].

وكان الناس يعرفون هذا الخلق النبيل من رحمته (صلى الله عليه وسلم)، فكانوا يأتونه بأطفالهم ليدعو لهم بالبركة. فقد رُوي عن زوجه السيدة عائشة: «أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يُؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم»[15].

* * *

وأردفت: هذه الرحمة الشديدة بالأطفال، لم يكن (صلى الله عليه وسلم) يستأثر بها لنفسه، بل كان كثيراً ما يرغّب الناس بها، ويحثّهم على الإحسان إلى الأطفال والقيام على شؤونهم. فقد رُوي عنه أنه قال: «مَن وُلد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحِنث، أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم»[16].

وكان يقول: «مَن عالَ جاريتين حتى تُدركا، دخلتُ الجنة أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى»[17].

* * *

وكان (صلى الله عليه وسلم) يوصي الناس بالنفقة الدائمة على الأهل والعيال، ويرغِّب فيها ويقول: «أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله» قال أبو قلابة راوي الحديث: «وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار، يُعفُّهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم»[18].

ويقول: «دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين ودينارٌ أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقتَه على أهلك»[19].

* * *

وأردفت: ومِن سُـبُل الرحمة بالأولاد، العدل بينهم في العطية، ولهذا قال (صلى الله عليه وسلم): «اعدلوا بين أولادكم في العطية»[20].

وحدَّث النعمان بن بشير قال: «أعطاني أبي عطيةً، فقالت عَمْرة بنت رواحة - أم النعمان وزوجة بشير - لا أرضى حتى تُشهد رسول الله. فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إني أعطيت ابني من عَمرة بنت رواحة عطيةً، فأمرتْني أن أُشهدك يا رسول الله. قال: أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع فردّ العطية»[21].

* * *

قال الأب ستيفانو: قرأتُ مرةً عبارةً للمستشرق الأمريكي (سنكس) يقول فيها: «وقام محمد بحماية الأطفال وتحريم قتلهم خوفاً من إعالتهم»[22] فما هو مستند (سنكس) في هذه العبارة، من النصوص الأصلية؟

قلت: مستنده موجود في آيات القرآن الكريم:

تقول الآية القرآنية: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾[23].

وتقول الآية القرآنية: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾[24].

وتقول الآية القرآنية: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾[25].

وتقول الآية القرآنية: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[26].

فتفكر الأب ستيفانو قليلاً ثم قال: إن ما علَّمه محمد في مدرسته عن الرحمة بالأطفال منذ حوالي /1400/ عام، هو ما صارت تتبناه وتدعيه لنفسها اليوم الحضارة الغربية المعاصرة... مع فارق جوهري، هو أن هذه غالباً ما حرَمت الأطفال من الحياة الأسرية الصحيحة، فجعلتهم ينشؤون ويتربّون على الأنانية... بينما استطاعت مدرسة محمد أن توفر لهم تلك البيئة الإنسانية التي توفرها الأسرة لأفرادها صغاراً وكباراً.

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] كل من كان دون الخامسة عشرة من عمره فهو من العيال - انظر الحديث رقم /3473 في صحيح مسلم.

[2] الظئر هنا: زوج المرضعة، والقين: الحداد - وتدخين البيت بسبب عمل الحداد بالكير.

[3] صحيح مسلم الحديث رقم /4279-4280 /.

[4] صحيح مسلم الحديث رقم /4281.

[5] صحيح مسلم الحديث رقم /4282.

[6] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /70.

[7] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /2141.

[8] (صحيح وضعيف سنن أبي داود) للألباني الحديث رقم /4969 - وانظر صحيح البخاري الحديث رقم/5735.

[9] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /312.

[10] صحيح البخاري الحديث رقم /486 - صحيح مسلم الحديث رقم /844.

[11] مسند أحمد الحديث رقم /1739 وأورده صاحب (مجمع الزوائد) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.

[12] أورده صاحب (مجمع الزوائد) 9/285 وقال: رواه أحمد ورجا له ثقات.

[13] صحيح مسلم - الحديث رقم /4455.

[14] صحيح البخاري - الحديث رقم /5509.

[15] صحيح مسلم الحديث رقم 4000 – والتحنيك المقصود هنا: مضغ التمر ودلْك فم الصغير به عقب الولادة.

[16] السلسلة الصحيحة للألباني - الحديث رقم /2681.

[17] المرجع السابق - الحديث رقم /1120.

[18] صحيح مسلم الحديث رقم /1660.

[19] صحيح مسلم الحديث رقم /1661.

[20] صحيح البخاري الحديث رقم /2396.

[21] صحيح البخاري /2398.

[22] عن كتاب (محمد في نظر فلاسفة الغرب) لمحمد فهمي عبد الوهاب ص 42.

[23] النساء /11.

[24] الأنعام /151.

[25] الإسراء /31.

[26] الأنعام /140.