Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثا وقال:اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ويلتفت بعد ذلك نحو المأمومين(ابن القيم )

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
Rahiyma

قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟

قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالأصحاب، فقال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه»[1].

وكان (صلى الله عليه وسلم) دائماً يعطي من نفسه المثال الأمثل ليبين للناس فضل الرحمة بالأصحاب في حفظ الصحبة، لأن الرحمة إذا ارتحلت من بين الأصحاب، تبعتها المودَّة، وإذا ارتحلت المودَّة من بين الأصحاب، حلّ مكانها الجفاء، وإذا حلّ الجفاء بين الأصحاب، ماتت الصحبة، وتفكك المجتمع، وصار يكيد بعضه بعضاً.

ولهذا كان (صلى الله عليه وسلم) يغتنم المناسبات ليُظهر لأصحابه رحمته بهم. وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة الأنصار، الذين هاجر إليهم من مكة إلى المدينة، وتعاهد معهم على السراء والضراء، وأكنَّ لهم كل الحب والمودَّة، وعامَلهم بكل رحمة، حتى قال: «ألا إن الناس دثاري والأنصار شعاري[2]، لو سلك الناس وادياً، وسلكتْ الأنصار شِعباً لاتّبعتُ شِعب الأنصار [3]ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار»[4].

وكان يوصي بهم أمراء المسلمين ويقول: « من وَلِيَ أمْرَ الأنصار فليُحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مُسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين، وأشار إلى نفسه»[5]. بل كان يوصي بهم المسلمين جميعاً ويقول: « استوصوا بالأنصار خيراً، اقبلوا من مُحسنهم، وتجاوزوا عن مُسيئهم »[6].

وكان يدعو المسلمين إلى محبتهم فيقول: «لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر»[7].

* * *

وأردفت: وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة المهاجرين، وهم المسلمون الأوائل الذين تركوا أرضهم وديارهم وأموالهم وخرجوا مهاجرين من مكة فراراً بدينهم الذي اعتنقوه وتمسكوا به عن صدق وإيمان، بعدما لاقوا من إيذاء وعذاب المشركين ما لاقوا.. فكانت أوضاعهم الشغلَ الشاغلَ للنبي (صلى الله عليه وسلم)، حتى تمكن من توطينهم في المدينة بعدما آخى بينهم وبين الأنصار، وصار الفريقان بعد هذه المؤاخاة فريقاً واحداً يؤْثِر بعضهم بعضاً في كل خير.

وقد ظهرت الرحمة المتبادلة بين هاتين الجماعتين وبين النبي (صلى الله عليه وسلم)، في مواطن كثيرة.. لعل من أجملها وقعاً في النفس، ما رواه الصحابي الأنصاري أنس بن مالك عندما تحدث عن غزوة الخندق، التي هاجم فيها المشركون المدينة، فتحصن المسلمون داخلها , وحفروا حولها خندقاً منع دخول المشركين إليها. وقد شارك النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه في حفر ذلك الخندق. قال أنس: «إن أصحاب النبي كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق:

نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «اللهم إن الخير خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة»، وأُتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - يومذاك - بخبز شعير عليه إهالة سنخة، فأكل الجميع منها»[8].

هكذا كان (صلى الله عليه وسلم) يعلِّم الناس التراحم بين الأصحاب.. يشاركهم الشدة.. فيكون كأحدهم، يجهد كما يجهدون، ويأكل مما يأكلون.

* * *

وأردفت: وكان (صلى الله عليه وسلم) يتوجه إلى الناس دائماً يأمرهم برحمة أصحابه ويقول: «أحسنوا إلى أصحابي»[9].

ويقول: «احفظوني في أصحابي»[10].

ويقول: «إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا»[11]. أي أمسكوا عن الكلام فيهم.

وبلغه أن رجلاً شتم أحد أصحابه، فقال: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه»[12].

أما صاحبه الأكبر أبو بكر الصديق، فذاك الذي لا يصل رجل إلى منـزلته عنده، حتى أنه قال: «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنْ أُخوّة الإسلام ومودَّته - وفي رواية: ولكن أخي وصاحبي-»[13].

* * *

وأردفت: وهذا كله مرجعه إلى الآية القرآنية التي تقول: ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾[14].

قال الأب ستيفانو: ما أحوجنا اليوم إلى رعاية الصحبة كما رعاها محمد.

قلت: لماذا؟

قال: لأن الحياة المادية التي نحياها اليوم، قضت على ما كان يسمى الصحبة والرحمة بالأصحاب... وبات الإنسان لا يرضى لنفسه صاحباً سوى المال... ولأجله صار يضحي بالرفاق والأصحاب.. فأيّ قسوة هذه؟! إذا قابلناها بما علّمه محمد!.

* * *

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /103.

[2] الدثار: الثوب الخارجي - الشعار: الثوب الداخلي الذي يلامس شعر البدن.

[3] أي لو افترق الناس عن الأنصار لتركت الناس وكنتُ مع الأنصار.

[4] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /917.

[5] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /917.

[6] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /3509.

[7] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /1234.

[8] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /1102.

[9] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /430.

[10] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /1116.

[11] السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم /34.

[12] صحيح مسلم الحديث رقم /4610 - صحيح البخاري الحديث رقم /3397 – أحد: جبل قرب المدينة، المُدّ: ملء الكفين، النَّصِيف: نصف المد.

[13] صحيح البخاري الحديث رقم /3381-3383.

[14] الفتح 29.