Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن بسر بن أرطاة رضي الله عنه قال كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يدعو: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة). رواه أحمد، وقال ابن كثير في تفسيره: هذا حديث حسن.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
(رحمته صلى الله عليه وسلم)

- رحمته صلى الله عليه وسلم بمن فقد عائله تبدأ من حين نزول المصاب ويتمثل في الآتي:

- تقديم وجوه العزاء والمواساة والدعاء لأهل المصاب ولميتهم.

2- صناعة الطعام لهم.

3- العناية بالأيتام ودعم الأرامل والثكالى معنوياً.

4- قضاء دين الميت وتقديم المعونات المادية لذويه وإكرامهم والسعي في قضاء حوائجهم.

- إن الواقع المر والزمن الصعب يدفع بكثير من الأرامل إلى الخروج إلى الزحام ومصارعة ظروف الحياة ومكابدة شظفها،بعد أن كن ينعمن بقرارة العيش ودفء البيت وراحة البال.

وقد تضطر الأرملة أمام إلحاح الحاجة إلى تقديم تنازلات كبيرة والقبول بزواج قائم على استغلال الحاجة من جهة الرجل والحاجة إلى ظل راع من جهة المرأة!!

- فقد العائل قد لا يؤثر كثيراً على حالة الأسرة اقتصادياً،ولكن انهيار أحد أعمدة المنزل أو إن شئت فقل سقفها،يُصَّير الزوجة والأبناء في حال سيء من الاضطراب النفسي بسبب فقدان الشعور بالأمان،والخوف من سقوط شيء من شهب الفتن أو سطو لصوص الظلام..

ولأننا نعيش نظاماً عالمياً بشرياً يدور في فلك الأقوياء ويحوم حولهم أما الضعيف فهو دائماً المخطئ، والضحية هي المذنبة،فما أسرع ما يتسلط من يزعم أنه ناصح بفرض استبداده على اليتيم أو الأرملة وقد نجم عن ذلك كثير من المشكلات التي نعاينها أحياناً ونقرأ عنها كثيراً..

- فصبي لم يتجاوز العاشرة من عمره يتحرش به جنسياً أحد أبناء عمومته،وحينما ينكشف الأمر للأم لم تجد حتى من يرافقها في رفع شكوى ضده..

- وفتيات في ربيع العمر،يُزوجن بشباب ليكتشفن بعد زفافهن أنهن قد غُرر بهن فمنهم من هو مصاب بصرع وأخر مدمن وثالث عاجز جنسياً!!مستغلين بذلك عدم وجود ولي مخلص للفتاة يسأل عن حال أزواجهن ويدافع عنهن..

- وأخرى تحاول وضع حداً لحياتها بقتل نفسهـا بسبب شدة

الظلم والجور الذي يمارسه أخوها ضدها،وهي تعيش حالياً اضطراباً نفسياً أعجز الطب و أعيا الأطباء..*

 

 
10- رحمته بمن وقع في الخطأ

* قد جاء بأن امرأة من غامد من الأزد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

- قالت:يارسول الله طهرني.

- قال:ويحك ارجعي فاستغفري ربك وتوبي إليه.

- فقالت:أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك.

- قال:وما ذاك؟

- قالت:أنا حُبلى من الزنا.

- قال:أنت؟

- قالت: نعم.

فقال لها:حتى تضعي ما في بطنك.(فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وضعت الغامدية فقال إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعة يانبي الله قال فرجمها.) رواه مسلم.

- (ويحك ارجعي فاستغفري وتوبي إليه) صلوات ربي وسلامه على نبي الرحمة الذي لم يزد على هذا تجريحا ًوتبكيتاً أو لوماً وتقريعاً فالمرأة جاءت نادمة تائبة،تلح في طلب إقامة الحد،لم تزدها المهلة إلا توبة وإيماناً ولم تبعث فيها دواعي الأمومة بعد إلا إصراراً وثباتاً..

_  (ويحك ارجعي فاستغفري وتوبي إليه)من الرحمة بالمخطئ التركيز على الحل والتشاغل بالعلاج بدلا من محاصرته بذنبه .

- (ويحك ارجعي فاستغفي وتوبي إليه) جوابه صلى الله عليه وسلم يؤكد جوهر تشريع الحدود في الإسلام وهو (الرحمة الحقيقة بالخلق) لأن به يتم حفظ الأفراد من الرذائل والشرور قبل الوقوع فيها أو تطهيرهم من الآفات والرذائل بعد الولوغ،لا-كما يزعم أعداؤه-أن الحدود في الإسلام جاءت قاسية وعنيفة وبغرض الانتقام.

- (ويحك ارجعي فاستغفري وتوبي إليه) الإسلام دين ستر ورحمة،يستر على أصحاب الخطأ وبذا يحفظ كرامتهم ويحمي أعراضهم ويحفظ ما تبقى في نفس صاحبها من حياء،قد ينوب معه إلى الحق،ويقلع عن الذنب،وسيجد حينئذ له مكاناً لمعاودة وممارسة أنشطته الحياتية،مستدركاً مافاته،متخففاً من الأثقال،متطهراً من الأدران.

- إنَّ المجاهرة بالمعصية،التي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبها بحرمانه من المعافاة*،بكل ما تعنيه تلك المفردة كحرمانه من حفظ بدنه من الهلكات وحفظ قلبه من الآفات،وحفظ حياته من الفتن والمنزلقات،كما أنه قد يقع في معاودة الذنب مرات وكرات،وهو عرضه لخاتمة السوء وبئس المصير،أقول أن الجهر بالمعصية له أشكالٌ عدة:-

منها:أ-أن تكون محور الحديث في المجالس والمنتديات.سواء جاء الحديث على لسان صاحبها المخالط لها مفاخرةً أو مغامرةً أم جاءت على لسان غيره بغرض نشر الإباحية والترويج للرذيلة.

 

 

ب-كتابة القصة أو الرواية أو القصيدة والخاطرة التي تصف الرذيلة وصفاً دقيقاً ومثيراً.

ج-تجسيد المعصية واقعاً والترويج لها من خلال الأغنية والفيلم أو إجراء المقابلات المصورة مع أصحاب المعاصي.

- يحتج المجاهرون بالمعاصي أو من ينافح عنهم لصحة مسلكهم بزعم أننا نتظاهر بالكمال وندس رؤوسنا في الرمال بدعوى الخصوصية والتركيبة المميزة لمجتمعنا،بينما الانفتاح يقتضي مسايرة العالم كجزء منه والتحضر يقتضي جرأة الطرح وقوة المواجهة مع النفس وجواب ذلك:-

1- أن الواقعة السابقة وغيرها حدثت في زمن خير القرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم،وهذا يؤكد خطأ أسطورة "المجتمع المثالي" ولذا مما جاء في فتاوى ابن تيمية "وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم،بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم.."فلا يزعم عاقل أننا نَّدعي الكمال..

2- أن عدم تحديد المصطلحات سبباً في الخلط الحاصل،فالفرق

بين الستر والتستر كالفرق بين التعاون على البر والتعاون على الإثم.

أما الانفتاح وإن كان يقتضي مسايرة العالم في سرعة تطوره وقوة ازدهاره مع الشعور بأننا جزء منه في الآمة وآماله إلا أن ذلك لا يعني تنازلنا عن معالم شخصيتنا الإسلامية المتميزة ومقومات ديننا الثابتة.

3- الستر المطلوب شرعاً،هو الستر الايجابي،فهو أشبه ببيت له باب واحد،لا يلجه إلا مَنْ قصده الإصلاح،وهو موصد في وجه المغرضين والمتطفلين وأهل الإشاعة وقالة السوء،أما الجهر بالمعصية ولو كان بقصد الإصلاح فلا يفيد شيئاً إلا بكثرة الثقوب واتساع الخَرْق على المصلحين،فيفضي ذلك إلى غرق جميع ركاب السفينة.

4- إنَّ المجتمعات المتحضرة التي سبقتنا إلى الانفتاح والمواجهة في طرح قضاياها،قد سبقتنا أيضاً إلى شفا الهاوية،إذ مازاد ذلك أهل الشغب والشذوذ من أفرادها إلا تمرداً واستكباراً،وكلنا يعرف الفارق الكبير بين العاقل والأحمق،فالأول يستفد من عقله ومن تجربة غيره أما الآخر فلا..

_ ماأروع لذة النصر المصحوبة بالرضا والارتياح والتي لا نظفر بها إلا حينما يتاح للواحد منا غسل ما علق ببدنه من أوحال الخطايا وأدران المعاصي، فيصعد في السماء نجما هاديا ومنيرا . وما أشد شقاوة من تلطخ بدنه بنتن الذنوب فازدادت هالته اسودادا وضآلة. وما بين الحالين بونا شاسعا قد لا يحس به إلا من ذاق ذل المعصية بعد عز الطاعة .

 

11- رحمته بالحيوانات.

* دخل صلى سلم يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه يجرجر فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن.فقال:(من صاحب هذا الجمل؟)فجاء فتى من الأنصار،فقال:هو لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقال:(أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله؟،أنه شكى لي أنك تجيعه وتدئبه)..

* عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال:(كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه سلم في سفر فانطلق لحاجته،فرأينا حمره معها فرخان،فأخذنا فرخيها،فجاءت الحمرة فجعلت تفرش،فجاء النبي صلى الله عليه وسلم،فقال:(من فجع هذه بولدها؟ردوا ولدها إليها)..

ـ لقد ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للحيوان حقه في الحياة الكريمة كإطعامه وسقايته وإطلاق سراحه وعدم تكليفه من الأعمال بما لا يطيق واحترام كيانه،ومراعاة مشاعره بعدم إفزاعه أو التندر عليه وعدم اتخاذه غرضاً وهدفاً وضمن له ميتة كريمة بالإحسان له عند الذبح..فهل هذا أو بعضه مما قررته لجان حقوق الحيوان؟!

ـ لم يكن الجمل ليقصد رسول اللهلو لم يقذ ف في روعه أنه نبي الرحمة وأنه بمجيئه إليهقد آوى إلى كنف رحيم وركن شديد.ولما لم يكن ذا لسان ينطق به كانت دموعه الحرقى تشي بما يعتلج بنفسه من مراره وآلم بسبب شقاء الحياةو ظلم العباد.

وعند المبعوث رحمة للعالمين  وجد من يذب عنه ويدفع إليه حقه.

(شكى لي أنك تجيعه وتدئبه ) وإن كنا نجهل إن لرسول الرحمة القدرة على إدراك سبب شكوى الجمل على وجه تفصيلي،إلا أننا نعرف أن الرحماء من البشر يتفردون عن غيرهم بحس مرهف وعدسة ثاقبة يمكناهم من قراءة الألم في وجوه المكلومين والتقاط الكرى من مقلتي المتوجعين وقد يبدو ذلك مقبولاً لدى كل أم حنون تدرك سبب توجع رضيعها وتفهم لغة بكائه.

- ((من فجع هذه بولدها؟ردوا ولدها إليها))

سؤال نطرحه على كل من تسول له نفسه الانتقام من زوجه المفارق له بحرمانها من رؤية ولدها،فتمضي ما تبقى من عمرها تتجرع ألم الحرمان ولوعة الوجد..

12- رحمته بالجمادات.

* عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه(أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه،فإن لي غلاماً نجاراً،قال:(إن شئت)فعملت له المنبر،فلما كان يوم جمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع،فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه،فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قيل:بكت على ما كانت تسمع من الذكر..

*وإن كان هذا ليس موضع حديثي هل للجمادات حياة؟وهل تتمتع بخصائص الأحياء كالحب والشوق والألم والحرمان..؟

إلا أن الأثر السابق وغيره من الأحاديث التي تثبت أن الله عز وجل أنطق فيها بقدرته الجمادات إكراماً لنبيه صلوات ربي وسلامه عليه فغدت من معجزاته وخصائصه ثم أنها حينما نطقت فقد عبرت عن شِدَّة وجدها،وعمق حنينها لمن كان يرتقي عليها صلوات ربي وسلامه عليه ليخطب بالناس ولِمَا تسمع من طيب الحديث وحسن الذكر!!

فهل فاقت الجمادات في حياة قلبها وحسن ولائها كثيراً من الأحياء؟!*

- إنَّ ما يلفت انتباه قارئ الحديث السابق هي تلك الرحمة الفائضة والحنو الشامل والأدب الإنساني الراقي الذي تميزت بها أخلاقه وتجلت في شمائله..لا يتكلفها ولا يدَّعيها إذا من شأن بعض الناس أنه إذا خلا بنفسه،وابتعد عن أعين العقلاء الناقدين ونظرات الأحياء المتطفلين،فإنه قد لا يلقي بالاً لتلك الشواهد الجامدة الملتفة حوله والتي لو شاء الله تعالى لأنطقها وشهدت بما نفعل متسترين خلفها محتمين بها..

 

أنت الذي حن الجماد لعطفه     وشكا لك الحيوان لما رآكا

والجذع يسمع بالحنين أنينه      وبكاؤه شوقا إلى لقــياك

ماذا يزيدك مدحنا وثناؤنا       و الله في القرآن قد زكـاك

 

13- رحمته بالكافر والمنافق.

*عن عائشة-رضي الله عنها-زوج النبي  أنها قالت للنبي :

هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟.قال:(لقد لقيت من قومك مالقيت،وكان أشد مالقيت منهم يوم العقبة،إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال،فلم يُجبني إلى ماأردت فانطلقت.وأنا مهموم على وجهي،فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب،فرفعت رأسي،فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل،فناداني،فقال:إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك،وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال:يا محمد فقال:ذلك فيما شئت،إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين،فقال النبي :

(بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا))... البخاري –الفتح 6(3231) واللفظ له مسلم (1795)

- قد لا يبدو مستغرباً عفو الواحد منا عن صاحب له أو قريب قد بدرت منه إساءة أو وقعت منه مظلمة،فالقصد والإنصاف يذكران بمحاسنه وجمائله..

ومع رجاء عفو الله وستره قد يـطمع الواحد منَّا في صورة مشرقة من (الصـفح الجميل).

ولكن ماذا لو كان الآخر-فضلاً عن كفره- فهو من خذلني حينما تخلى عن نصرتي في ساعة العسرة وشدة الحاجة،وفوق ذلك قد غرّ بي الصبية والسفهاء للإمعان في امتهاني وإذلالي.

وعلى الرغم من ذلك فها هو نبي الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه يعفو عن ظالمه،ويصفح عمن أساء إليه،ويرجو الخير في ذريا تهم فلله در قلب أبيض في نقاوته كالصفا في ملاسته،لا يعلق به شائبه ويخلو من كل عائبة(شق الروح الأمين عن صدره وأخرج قلبه،ونزع حظ الشيطان منه ثم غسله،في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمُه)*

أما كثير من القلوب فقد عبث بها الشيطان وما برحه،واستوطن بها بجنده وعسكره،فمن آذاني آذيته،ولا يشف قلبي ما نلت منه..

يحل بديار الكفار من مصائب ونوازل سواء كانت بإرادة كونية(كالفيضانا والأعاصير والحرائق والزلازل)أو كانت بأيادي بشرية(كالتفجيرا وحوادث القتل..)

هل يقف منها موقف الشامت السَّار بأن الدائرة قد دارت على العدو ليتجرع من مر كأس تجرعنا منه مراراً،ويذق هواناً ألفناه فغدا كهوانا؟

أم أن نعتقد باستحقاقهم ما أصابهم لأن الشر ليس إلى الله وإنما هو منسوب لظلم العباد وفسادهم،وبعين أخرى نرحمهم لخسارتهم الدارين ولما ينتظرهم من سوء المصير!

أم أننا نحزن أشد الحزن لمصابهم،ونفزع لنجدتهم ومواساتهم وتقديم جميع سبل العون لهم،غير آبهين بالتباين العقدي،ودون أن ندع للخلفية التاريخية والصراع الفكري تأثير علينا،ساخرين من نظرية المؤامرة،متناسين المواقف السياسية الغربية الظالمة من قضايانا العادلة.

 

- لاشك أن ظلم العدو وقهره يورث ظغينة القلوب وغيظها،وهذا ما اعترف به القرآن وعَدَّه أحد أسباب قتال العدو(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين(14)ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حليم(15))سورة التوبة

إلا أن تصبغ القلوب وسرعة تلونها ضد أبناء الصف الإسلامي الواحد مقابل أخطاء بشرية تحدث،قد جعلها البعض مبرراً للشماتة بمصاب الخصم وإظهار السرور ببلائه،فيما أرى أن الشماتة في مثل هذه الأحوال لها مرادفات تعبيرية إذ تعني(الحسد،الحق،دناءة الطبع،الجبن،..)

لا يبلغ الأعداء من جاهل * ما يبلغ الجاهل من نفسه

- (الحركة) من أبرز سمات الناشطين ذوي الهمم العالية والرؤى الواضحة.

ومن البواعث المحركة للأبدان الملهبة للعزائم إما نيل محامد شخصية وعاجلة كالمغنم،الترقية،السلطة، العلم أو الزوجة أو الصحة أو الذكر الباقي...الخ ((ولكل وجهة هو موليها)) البقرة/148

ومن هؤلاء من يستحق أن يأذن له التاريخ بتدوين سطراً أو سطرين ومنهم من يسقطه التاريخ من حسابه.ومن المحركات المولدة لطاقة البشرية الملهمة للتخطيط الواعي والسعي الجاد هو ما ساد نفعه وبقي خيره وعظم أثره وامتد أجله وما كان ذلك ليحصل كله إلا إن كان الفرد الضعيف البسيط يستمد قدرته وقوته من لدن القوي العزيز،ويستلهم منهجه وشرعه من الحكيم الخبير سبحانه وتعالى،ولأنها مهمة شاقة وواجب ثقيل،لم يستأهل للقيام به إلا المصطفى المختار صلوات ربي وسلامه عليه كلما تقلب الليل والنهار.

والسؤال الكبير المطروح الآن هل استسلم  للصدمة،صدمة إطلاعه لأول مره على بعض الأسرار الغيبية ومعاينته لبعض الخوارق الربانية –رؤيته لجبريل عليه السلام كما خلقه الله عز وجل- في أول لقاء تم بين أشرف الملأين العلوي و السفلي محمد  وجبريل عليه السلام!!

هل بقي متلحفاً بدثاره مستسلماً لتداعيات الموقف متأثراً بتبعاته؟

هل (قم فأنذر) (وأنذر عشيرتك الأقربين) كانتا هما المحركان للانطلاق فحسب،على الرغم من الصفعات الكلامية الساخرة التي تلقاها  بدءاً من:- تباً لك – مروراً ب رميه بالسفاهة والكذب وطرده وقذفه بالحجارة...أم أن هناك مثبتات ومقويات ومسليات(دوافع الحركة) دفعته للحركة المثابِرة وعصمته من المثبطات والمضعفات والمحزنات (معوقات الحركة) لا شك إن من أقوى الدوافع الحركية هي ما ملأ الله الرحمن به قلب نبيه الرحيم  من رحمة فياضة دفعته للتحرك نحو الجماهير في أسواقهم ونواديهم وبلدانهم ليدعوهم للتحرر من رق الشرك إلى عز التوحيد محتملاً معها سفاهة العيال وطيش الجهال ومكر العذال..

- لحكمه إلهيه،قد يعجل الله سبحانه وتعالى بالنصر والظفر،وقد يأتي متأخراً،تطوى دونه صفحات وتدفن قبله أنات وآهات،ولكن بالحادثة السابقة فإن الرسول  قد جاءه الفرج الرباني سريعاً إذ جعل جند السماوات والأرض بين يديه وتحت إمرته،ولكن نبي الرحمة رده فهل للرسول  مفهوم آخر للنصر؟؟قد يظن البعض أن النصر هو تبادل الأدوار من مشهد أخير لمسرحية جيدة الحبكة لتنتهي برقصة دموية تتعالى منها أصوات الانتقام وتتعاقب فيها الأقدام على جثه هامدة لا حياة فيها؟؟كلا..إن النصر الحقيقي عند نبي الرحمة  هو الانتصار للحق وحده وكل من كانت هذه بدايته فإن حاديه هو الرجاء والأمل بانتصار مبدؤه في الخاتمة غير ملتفت لتهافت السباع وغير عابيء بتناوش الكلاب!!

 

 

 

14- رحمته لموت أحبته.

*عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القَين-وكان ظئرا لإبراهيم- فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقَّبله وشمه.ثم دخلنا عليه بعد ذلك-وإبراهيم يجود بنفسه-فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان.فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:وأنت يا رسول الله؟فقال:(يا ابن عوف إنها رحمةٌ)ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم:(إن العين تدمع،والقلب يحزن،ولا نقول إلا ما يرضي ربُّنا،وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) صحيح البخاري/الفتح كتاب الجنائز..

فجائعُ الدهـر ألوانٌ مَنَّـوعةُ * وللزمانُ مـسَّراتٌ وأحزانُ

و هذه الدارُ لا تبقي على أحد * ولا يدوم على حال لها شأنُ

إنَّ من المصائب العظيمة،فقدان الولد،فهو ثمرة القلب،وريحانة

الحياة،وبهجة الحاضر،وثغر المستقبل الباسم،وهو خيط الحياة

الممتد..

ودعت فيك صفاء العين يا ولدي

يا طول همي و يا حزني و يا كمدي

كم ادخرتـك للأيام في كـبري

لكنَّـه الله قَـدَّر كـل مـا يُـرِد

وهذه بعض أعذار ارتفاع صوت الباكين أولادهم،وأسرار صدق مراثيهم،وجزالة أشعارهم..بل ومنهم من يُصِّرح بتمني اللحاق بابنه سريعاً إما لعدم قدرته على تحمل لوعة الفقد وحرقة المصاب،كقول إحداهن في رثاء ابنها:-

يا قرحة القلب والأحشاء والكبد*يا ليت أمك لم تحمل ولم تلد

أيقنت بعدك أني غير باقيـة*وكيف يبقى ذراع زال عن عضد

و إما لفقدانه معنى الحياة وانطفاء قيمتها في نفسه كقول الآخر:

ولدي أطالع في جبينك لوعتي   وأرى بوجهك شقوتي وعنائي

يا ليت أني قد سبقتك للثرى   ومشيت أنت مع الرجال ورائي

ولدي فقدت به الحياة وطيبها*ومن العجيب فناؤه وبقائي

أو كما رثى(ابن الرومي)ابنه الأصغر:

تاليّة لا تنفـك لي شجـناً

يمضي الزمان،وأنت لي شجنُ

ما أصبحت دنياي لي وطـناً

بل حيث دارك عندي الوطن

ما في النهار،وقد فقدتك من

أنس ولا في الليل لي سـكن

وبعد هذا العرض الموجز لما يعتلج في القلب من لوعة ومرارة ناجمة عن رأفة ورحمة،بقي علينا أن نعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للحظات وهو يودع ابنه الوحيد الرضيع الذي قرب رحيله وروحه تزفزف،وقد علت صفره الموت وجهه الصغير،وغيب الذبول ملامحه،فلا يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم-وهو نبي الرحمة-القدرة على حبس مدامعه الهطلى أو مدافعة أحزانه التترى،وحينما يُراجع في ذلك يجيب بكلمات معدودات،ليست شعراً أو نظماً(وما علمناه الشعر وما ينبغي له) سورة يس (69)

ولا تحمل صوراً مكلومة متشحة بالسواد،إنما هو كمال أدب العبد مع مالكه وتمام خضوع المولى لسيده،وإن كان الحزن قد سكن القلب لفراق الأحبة،إلا أن بَرَد الرضا بالقضاء يطفئه،واليقين بما أعده الكريم لمن فقد صفيه فصبر واسترجع يسليه ويسري عنه..

وما المال و الأهلون إلا وديعةُ

ولا بد يوماً أن تُرَدُّ الودائع

 

15- رحمته بأمته يوم القيامة.

* جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(قال وهو بين ظهراني أصحابه:(إني عل الحوض انتظر من يرد علي منكم،فو الله ليقتطعن دوني رجال،فلأقولن:(أي ربي،مني ومن أمتي)فيقول:إنك لا تدري ما عملوا بعدك،ما زالوا يرجعون على أعقابهم)..

- لقد جاءت أحاديث صحيحة في أوصاف الحوض.فهو شديد الاتساع وأشد بياضاً من الثلج وأحلى مذاقاً من العسل،وآنيته أكثر من عدد النجوم،من يشرب منه فلا يظمأ أبداً*

وسواء كان موضع الحوض قبل الصراط المنصوب أو بعده،فإن أشد ما نهتم له هو ذلك اليوم العصيب الذي يغضب فيه الرب غضباً لم يغضب مثله قبله ولم يغضب مثله بعده قط..

مثل لنفسك أيها المغرور       يوم القيامـة والسماء تمـور

هذا بلا ذنب يخاف لهوله      كيف الذي مرت عليه دهور

وفيها من مشاهد الفزع والرعب ما يفر معه المرء من أخيه بل وأمه وأبيه،وإذا عرفنا أن صفوة الخلق من الأنبياء والملائكة كلمتهم واحده(نفسي نفسي)ودعواهم واحدة(اللهم سلم)

فإننا نسأل أي رحمة واسعة وممتدة تسكن قلبك يا نبي الله صلى الله عليه وسلم حينما لا تَرُد من يفزع إليك من الخلق،فتنطلق حتى تأتي تحت العرش فتخر ساجداً وبعد أن يفتح الله عليك من أنواع المحامد والثناء،يُقال لك:ارفع رأسك،سل تعط،اشفع تشفع فتقول: بأبي أنت وأمي صلوات ربي وسلامه عليك (أمتي يا رب،أمتي يا رب،أمتي يا رب)**

وحينما تقف في انتظار أمتك ليردوا معك على الحوض في الموقف العظم يوم العطش الأكبر، وحينما يُحال بينهم وبينه،تُراجع في شأنهم(أي ربي،مني ومن أمتي) وفي رواية(أي رب،أصحابي)..