Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       نخرج إلى الاستسقاء مستسلمين لحكم الله مؤمنين بحكمته خاشعين لعظمته راجين لفضله طامعين في رحمته، ليس في قلوبنا من الأوهام ما يعكر الإيمان بفقرنا إليه ورحمته بنا، ولا من الوساوس ما يكدر اليقين بأنه أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، وفي الحديث: (ليعزم أحدكم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه). رواه مسلم.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
arrahma.jpg

فالحوارُ يُحتاج فيه إلى أن تكون المعاني قريبة التناول، سهلة المأخذ.

وإنما يتيسر ذلك بالأساليب التي تقرب المعنى، وتصيب المرمى بأدنى كلفة، وأقلِّ عمل ذهني.

والحوار النبوي مُمَتَّعٌ بتلك الأساليب، وفي الفقرات التالية تفصيل لشيء من ذلك.

1_ صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة: فذلك من أنجع الأساليب في الحوار، وأكثرها تأثيراً؛ ذلك أن للتشبيه، والتمثيل أثراً كبيراً في جعل الحقائق الخفية واضحة، والمعاني الغريبة قريبة مألوفة.

ثم إن للأمثال فوائد أخرى؛ فمن ذلك أن المثل يضرب للترغيب في المُمَثَّل به؛ حيث يكون مما تستحسنه النفوس، وتَرْغَبُ فيه.

وقد يضرب المثل للتنفير من العمل؛ حيث يكون المُمَثَّل به مما تكرهه النفوس، وتنفر منه.

ويضرب المثل لمدح المُمَثَّل؛ حيث يكون في الممثل به صفاتٌ تستحسنها النفوس، وتمدح من يحرز مثلها.

ويضرب المثل للذم حيث يكون للممثَّل به صفة يستقبحها الناس، ويذمون من رضي لنفسه بمثلها.

ولقد كان _عليه الصلاة والسلام_ يأخذ بهذه الطريقة كثيراً.

ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة ÷ قال: ضرب رسول الله" =مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثُدِيِّهما وتراقيهما؛ فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قَلَصتْ وأخذت كلُّ حلقة بمكانها+.

قال: فأنا رأيت رسول الله " يقول بإصبعه في جيبه؛ فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع([1]).

وجاء في الصحيحين عن كعب بن مالك ÷ قال: قال رسول الله": =مثل المؤمن كمثل الخامة([2]) من الزرع تفيئها الريحُ تصرعها مرة، وتعدلها أخرى حتى تهيج.

ومثل الكافر كمثل الأرْزة المُجْذية([3]) على أصلها لا يفيئها شيء حتى يكون انجعافها([4]) مرة واحدة+([5]).

وجاء فيهما _أيضاً_ عن جابر بن عبدالله _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله": =مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غَمْر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات+.

قال الحسن: وما يبقي ذلك من الدرن؟([6])

وبالجملة فإن ضرب الأمثال في السيرة النبوية كثير جداً، والمقصود ههنا بيان أن ذلك سلاحٌ ماضٍ في يد المحاور إذا هو أحسن استخدامه. ([7])

2_ استعمال القياس: وهذا قريب مما مضى ذكره في الفقرة الماضية.

ومن أمثلته ما جاء في حديث الرجل الذي يعرض بامرأته أن جاءت بغلام أسود؛ فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة÷ قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي" فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، وإني أنكرته، فقال له النبي": =هل لك من إبل؟+ قال: نعم.

قال: =ما ألوانها؟+ قال حمر.

قال: =فهل فيها من أورق؟+ قال: نعم.

قال رسول الله": =فأنى هو؟+ قال: لعله _ يا رسول الله _ يكون نزعه عرق له.

فقال له النبي": =وهذا لعله يكون نزعه عرق له+.([8])

وهكذا استعمل النبي" أسلوب القياس في حواره، وأقنع الرجل بأن هذا الأمر جائز وقوعه.

3_ إعطاء الوسائل صورة ما تفضي إليه من الخير والشر: فهذا الأسلوب من الطرق الحكيمة في الحوار، ويراد منه الحث على فعل الشيء، أو الزجر عنه.

ويشهد لذلك كثير من النصوص، منها قوله ": =الدال على الخير كفاعله+.([9])

فقد أراك الدلالة على فعل الخير في صورة فعل الخير نفسه؛ إذ جعلها بوسيلة التشبيه بمنزلة واحدة، وذلك مما يقوّي داعية الدلالة على الخير في نفسك.

وكما قال ": =إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه+.

قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟

قال: =يسب الرجل أبا الرجل فيسبُّ أباه، ويسب أمَّه، فيسب أمَّه+.([10])

فانظر كيف عدَّ سبَّ الرجلِ لأبي الرجل أو أمه في صورة سب الرجل لوالديه، وفي ذلك من تأكيد الزجر عن إطلاق اللسان بالسب ما لا تجده في النهي عن سب الناس بطريق غير هذا الطريق. ([11])

4_ توجيه السؤال للمحاوَرين: وذلك بسؤالهم عن الشيء الذي يريد تعليمهم إياه، أو تذكيرهم به؛ لما في السؤال من تهيئة النفوس للإصغاء إلى ما يقال بعد ذلك، ولما فيه _أيضاً_ من تشويقها إليه؛ فيقع منها في قرار مكين.

ولقد كان النبي"يأخذ بهذا الأسلوب كثيراً، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصحيحين عن معاذ بن جبل ÷ أنه قال: =كنت رديف النبي " على حمار يقال له: عفير، فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟+الحديث([12]).

ومن ذلك قوله": =أتدرون أي شهر هذا؟+.([13])

وقوله: =أتدرون أي يوم هذا؟+.([14])

وقوله: =أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟+.([15])

وقوله: =أتدرون ماذا قال ربكم؟+.([16])

وقوله: =أتدرون أين تغرب الشمس؟+.([17])

ومما يحسن التنبيه عليه أن هذا الأدب يليق إذا صدر مِنْ كبير لمن دونه، وإذا صدر ممن له مكانة، وقبول عند الناس عموماً، أو عند مَنْ يلقي عليهم.

أما من كان في حداثة سنه، أو من ليست له مكانة عند من يحاورهم _ فقد لا يليق به هذا الأسلوب؛ لأن النفوس قد لا تستسيغ أن يوجه إليها السؤال من كل أحد.

5_ استدعاء طلب البيان: وهذا الأسلوب قريبٌ مما قبله: وذلك أن المتحدث بالكلام على وجه الغموض يستدعي به طلب البيان، حتى إذا سئل عن ذلك، أو شعر بحاجة المخاطبين إلى الجواب _أجاب عن ذلك، وكَشَفَ الغموضَ، فيتقرر المعنى في نفوسهم بأشد مما لو أتى من أول الأمر واضحاً بيناً. ([18])

ومن هذا الباب قوله ": =انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً+.

فقال رجل: يا رسول الله! أنْصُرُهُ إذا كان مظلوماً، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟

قال: =تحجزه، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره+. ([19])

وفي رواية =تأخذ فوق يديه+. ([20])

6_ قرن القول ببعض الإشارات الحسية التي تناسب المعنى: فهذا مما يزيد به المعنى جلاءً، ويأخذ في النفس صورةً غير صورته المجردة عن الإشارة.

ولقد كان النبي " يستعين في تثبيت المعنى بالإشارة بيده إشارة مناسبة للمعنى، مما يجعل للحوار أثراً بليغاً في النفوس.

والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي" قال: =إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً+ وشبك بين أصابعه.([21])

وفي صحيح البخاري عن سهل ÷ قال رسول الله ": =أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئاً+.([22])

وعن ابن عمر _رضي الله عنهما_ أن رسول الله " قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: =الفتنة من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان+ قالها مرتين أو ثلاثاً. ([23])

7_ مراعاة المدة الزمنية للحوار: فمراعاة هذا الأمر من الأهمية بمكان؛ إذ هو مما يعين على الانتفاع بالحوار، والإصغاء إليه بإقبال ونشاط.

ولا ريب أن ذلك يختلف من حال إلى حال، ومن حوار إلى حوار؛ فقد تقتضي الحكمة الإطناب، وقد تقتضي الإيجاز.

ومهما يك من شيء فإن التوسط والإيجاز أقرب الأساليب لإساغة الحوار، وجمعية الذهن عليه، بل إن الإيجاز قد يكون هو الأقرب.

وهكذا كانت حوارات النبي" وخطبه؛ فما كان يطيل فيها، لأنه يخشى على الناس الملل، أو أن يخرج الحوار إلى المراء والجدل.

وكانت حواراته وخطبه مع قصرها مليئة بالحكمة، والموعظة الحسنة؛ إذ تجيء حافلة بجوامع الكلم، والجملِ التي تجري على الألسنة مجرى الأمثال. ([24])

جاء في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة ÷ قال: =كنت أصلى مع رسول الله" فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً+. ([25])

ومعنى =قصداً+: أي متوسط بين الإفراط والتفريط وبين التقصير والتطويل.([26])

وفي صحيح مسلم عن أبي وائل قال: =خطبنا عمارٌ فأوجز، وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان! لقد أبلغتَ، وأوجزتَ، فلو كنتَ تَنَفَّسْتَ!

فقال: =إني سمعت رسول الله " يقول: =إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنةٌ من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحراً+.([27])

ومعنى قوله: =لو كنت تنفست+: أي أطلت قليلاً.

ومعنى: =مئنة من فقهه+: أي علامة. ([28])

ومع أن هذا هو دأب رسول الله " في خطبه ومواعظه _فهو يطيل في بعض الأحيان متى اقتضى الحال الإطالة.

جاء في صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب ÷ قال: =صلى بنا رسول الله " الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فَأَعْلَمُنا أَحْفَظُنا+.([29])

ومن خلال ذلك يتبين أن مراعاة مدة الحوار أمر نسبي يرجع فيه إلى حكمة المحاور، واختلاف الأحوال.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]_ البخاري (1443، و1464) ومسلم (1021).

[2] _ الخامة: هي القصبة اللينة من الزرع. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (2810).

[3] _ الأرزة: شجر يشبه الصنوبر، والمجذية: الثابتة المنتصبة. انظر صحيح مسلم بشرح النووي حديث(2810).

[4] _ الانجعاف: الانقلاع. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (2810).

[5]_ البخاري (5643) ومسلم (2810).

[6]_ البخاري (662) ومسلم (668).

[7] _ انظر كتاب الصناعتين ص239 _ 259، ومحمد رسول الله ص114، وبلاغة القرآن للشيخ محمد الخضر حسين ص 28_40.

[8] _ البخاري (5305 و 6847) ومسلم (1500).

[9] _ أخرجه أحمد 5/274، وقال الألباني في صحيح الجامع(33): =صحيح+، ورواه مسلم (1893) بلفظ: =من دل على خير فله مثل أجر فاعله+.

[10] _ أخرجه البخاري (5973) ومسلم (90).

[11] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 115.

[12] _ البخاري (2856) ومسلم (30).

[13] _ رواه البخاري (6043) ومسلم (66).

[14] _ رواه البخاري (1741) ومسلم (1679).

[15] _ رواه البخاري (50) ومسلم (9 و10).

[16] _ رواه البخاري (4147) ومسلم (71).

[17] _ رواه البخاري (4802) ومسلم (159).

[18] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 116.

[19] _ رواه البخاري (6952) ومسلم (2443).

[20] _ رواه البخاري (2444).

[21] _ البخاري (481 و 2446 و 6026) ومسلم (2585).

[22] _ البخاري (5304 و 6005).

[23] _ رواه البخاري (3104 و 7093) ومسلم (2905).

[24] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص185.

[25] _ مسلم (866).

[26] _ انظر مرقاة المفاتيح لملا علي قاري 3 / 498.

[27] _ مسلم (869).

[28] _ شرح النووي على صحيح مسلم ص 568.

[29] _ مسلم (2892).