Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       الوفاء للزوجة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة (أي صديقاتها)، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: (إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد) متفق عليه.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
hiwar2_thumbnail.jpg

لمحادثةِ المربي الصغارَ فائدةٌ عظمى، وللحوار الهادئ معهم أهمية كبرى، ولتعليمهم آداب الحديث وطرائقه وأساليبه ثمرات جُلَّى؛ فبذلك ينمو عقل الصغير، وتتوسع مداركه، ويزداد رغبةً في الكشف عن حقائق الأمور، ومجريات الأحداث.

كما أن ذلك يكسبه الثقة في نفسه، ويورثه الجرأة والشجاعة الأدبية، ويشعره بالسعادة والطمأنينة، والقوة والاعتبار، مما يعده للبناء والعطاء، ويؤهله لأن يعيش كريماً شجاعاً، صريحاً في حديثه، جريئاً في طرح آرائه.

ولقد كان للنبي " النصيب الأوفى، والقدح المعلى في ذلك الشأن؛ فلقد كان يعنى بهذه الطائفة من الناس؛ فكان يحرص على محاورتهم، ويصغي إلى أحاديثهم، وينظر في اهتماماتهم، ويجيب عن أسئلتهم، وربما ابتدرهم بالسؤال أو الحديثِ دون احتقار لهم، أو غض من شأنهم؛ فَيُعِدُّهم بذلك لأن يكونوا رجالاً يقومون بالمهمات العظام.

وسيرته _عليه الصلاة والسلام_ حافلة بذلك الشأن، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها ما يلي:

1_ جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك ÷ قال: =كان رسول الله أحسن الناس خلقاً، وإن كان ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يقال له أبو عمير: =يا أبا عمير ما فعل النغير؟([1])+([2]).

فانظر إلى هذا الخلق، وذلك التواضع؛ حيث نزل بحواره إلى ذلك الصغير يسأله عن طائر كان يلعب به.

ولسائل أن يقول: وهل وجد النبي " فراغاً لكي يحاور هذا الصغير في هذا الأمر اليسير؟

ويقال: نعم هذا شأن العظماء؛ فهم لصغار الأمور وكبارها؛ فكيف بسيد العظماء وإمامهم؟

2_ وجاء في الصحيحين عن مالك بن الحويرث ÷ قال: =أتينا رسول الله" ونحن شَبَبَة([3]) متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أننا اشتقنا أهلنا، وسَأَلَنَا عمن تركنا وراءنا من أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقاً رحيماً، فقال: =ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم، ومُرُوهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي+.([4])

فقد أدرك _ عليه الصلاة والسلام _ بذوقه المرهف أن هؤلاء الشباب قد اشتاقوا إلى أهليهم؛ فسألهم عنهم، ثم أمرهم بالرجوع وتعليم أهليهم، وأمرهم، والصلاة كما كان يصلي.

ومن خلال ذلك الحوار تَلَمَّسَ النبي " حاجات هؤلاء، وراعى أسنانهم، وزرع الثقة في نفوسهم.

3_ وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة ÷ قال: =إن فتى شاباً أتى النبي" فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا؛ فأقبل القوم عليه، فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: ادْنه، فدنا قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أَفَتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال أَفَتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.

قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء+.([5])

وقد مضى إيراد هذا الحديث في الفصل الماضي، والشاهد ههنا أن النبي" حاور هذا الشاب، وأدرك أنه صادق، وأنه يريد الزنا بدافع غريزته التي فطر عليها؛ فهو يستأذن النبي".

فلم يعنفه _عليه الصلاة والسلام_ وإنما راعى حاله؛ فأدناه قريباً منه، وأجلسه، وحاوره بكل لطف، وبعد أن اقتنع الشاب من خلال تلك الأسئلة الخمسة التقريرية _ وضع النبي " يده عليه، وفي ذلك مزيد عطف وحنان.

ولم يكتف _ عليه الصلاة والسلام _ بذلك، بل دعا له وهو يسمع بثلاث دعوات هو بأمس الحاجة إليها؛ فكانت النتيجة أن طابت نفس ذلك الشاب، ولم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء.

4_ ما كان من مشاوراته لكثير من الشباب حتى في الشؤون الكبيرة، كما في مشاورتِه لأسامة بن زيد في قصة حديث الإفك، وفيه: قالت عائشة _رضي الله عنها_: =فدعا رسول الله" عليَّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد _رضي الله عنهما_ حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله.

قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله" بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله! أَهْلَك، ولا نعلم إلا خيراً+ الحديث([6])، وقد مضى ذكره في موضع سابق.

ولا ريب أن لهذه المشورة أثرها في نفس أسامة ÷ فهو في مقتبل عمره، بل ربما لم يصل إلى الخامسة عشرة، ومع ذلك يستشار في مثل هذا الأمر العظيم.

وفي هذا تربية للشباب، واستثارة لقرائحهم، وزرع للثقة في نفوسهم؛ فلا غرو _إذاً_ أن يكون أسامة من أكابر الصحابة، وأن يكون ذا الرأي السديد، والمواقف العظيمة إبان الفتن التي جاءت بعد ذلك.

5_ ما جاء في حديث عُمَرَ بن أبي سلمة ÷ لما كان صغيراً، حيث كان في حَجْرِ([7]) النبي" وكان يأكل طعاماً معه، وكانت يده تطيش في الصحفة، فقال له النبي": =يا غلام! سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك+([8]).

فقد ناداه النبي " فاسترعى انتباهه، ثم وجَّهَهُ دون كهر ولا نهر؛ فأفاد عُمَرُ من ذلك الحوار المليء بالحنان، فقال÷: =فما زالت تلك طِعْمَتي بعدُ+([9]).

6_ ما جاء من حديث ابن عمر ÷ قال: أخذ رسول الله " بمنكبيَّ فقال: =كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل+([10]).

فانظر إلى هذا العطف في هذا الحوار؛ حيث وضع يده على منكبيه؛ ليشعره بالدفء والحنان، ثم أوصاه بتلك الوصايا العظيمة التي استوعبها ابن عمر؛ فكان من أشد الناس اتباعاً للنبي " وكان ÷ يقول: =إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك+([11]).

وهكذا يتبين لنا عناية رسول الله " بحوار الشباب الصغار؛ وأن لذلك أثره البالغ في حياة أولئك؛ حيث أصبحوا قادة وعلماء من جراء تلك الرعاية الكريمة، والتربية العظيمة.

وفي ذلك درس لكل مربٍّ يريد أن يطبع من تحت يده على الشهامة، والمروءة، ومواجهة الحياة؛ إذ يحسن به أن يفيد من تلك السيرة في محاورة صغاره؛ فلذلك أثره في إعداد أولئك لمواجهة تكاليف الحياة ومتغيراتها.

ومع أهمية هذا الأمر وعظم فائدته إلا أن هناك تقصيراً كبيراً فيه؛ فكثير من الناس لا يأبه بمحادثة الصغار ولا يلقي بالاً لتعليمهم آداب الحديث و أساليبه؛ فتراه لايصغي إليهم إذا تحدثوا، ولايجيب عن أسئلتهم إذا هم سألوا، بل ربما كذّبهم إذا أخبروا، ونهرهم وأسكتهم إذا تكلموا.

وهذا من الخلل الفادح، والتقصير الكبير؛ فهذا الصنيع مما يولِّد الخوف في نفس الصغير، كما يورثه التردد، والذلة، والمهانة، والخجل الشديد، وفقدان الثقة بالنفس، بل قد يجر له أضراراً تؤثر في مستقبله ومسيرة حياته.

ولهذا كان حرياً بالمربين_من والدين ومعلمين وغيرهم_أن يعنوا بهذا الجانب، وأن يرعوه حق رعايته، ويفيدوا من السيرة النبوية في هذا الشأن؛ فيحسن بهم إذا خاطبهم الصغار أن يُقبلوا عليهم، وأن يصغوا إلى حديثهم، وأن يجيبوا عن أسئلتهم، وأن ينأوا عن كل ما يشعر باحتقار الصغار وازدرائهم.

إن تدريب الصغير على أدب المحادثة، وتعويده على الحوار الهادئ والمناقشة الحرة_يقفز بالمربين إلى قمة التربية والبناء؛ فبسبب ذلك ينطلق الطفل، ويستطيع التعبير عن آرائه، والمطالبة بحقوقه، فينشأ حراً كريماً أبيَّاً، فيكون في المستقبل ذا حضورٍ مميز، ويكون لآرائه صدىً في النفوس؛ لأنه تربى منذ الصغر على آداب الحديث وطرائقه.

وليس المقصود مما مضى أن يُسرفَ في إعطاء الحرية المطلقة للصغير، فَيُلْقَى له الحبل على الغارب، ويفتح الباب على مصراعيه، فيسمح له بالصفاقة والوقاحة، ويُرضى عن تطاوله وإساءته، ويُضحك له إذا صدر منه عباراتٌ نابية أو كلمات ساقطة؛ زعماً أن ذلك من باب إعطائه الفرصة وتدريبه على الكلام!

لا، ليس الأمر كذلك؛ فالرضا عن سفاهته وتطاوله يغريه بقلة الأدب، والضحك له حال صدور الكلمات القبيحة منه يعد حافزاً له بتكرارها.

فالمقصود أن يؤخذ بيده إلى الآداب المرعية، وأن يدرب على الكلام في حدود الأدب واللياقة بعيداً عن الإسفاف والصفاقة.([12])

وهكذا نفيد من السيرة النبوية هذا الأدب العالي، والأسلوب الرفيع في تربية الصغار من خلال الحوار.([13])

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] _ طائر كان يلعب به.

[2] _ البخاري (6129 و 6203) ومسلم (2150).

[3]_ جمع شاب.

[4] _ أخرجه البخاري (605 و 5662 و 6819) ومسلم (674).

[5] _ أحمد 5 / 256، 257، وقال الألباني في الصحيحة (370): =وهذا سنده سند صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح+.

[6] _ رواه البخاري (4750).

[7]_ في حَجْره: أي في تربيته وتحت نظره.

[8] _ رواه البخاري (5376 و 5377) ومسلم (2022).

[9] _ رواه البخاري (5376 و 5377) ومسلم (2022).

[10] _ البخاري (6416)، وأخرجه الترمذي (2333).

[11] _ البخاري (6416).

1_ انظر تربية الأطفال في رحاب الإسلام لمحمد الناصر وخولة درويش ص323_325، ومشكلات تربوية في حياة طفلك لمحمد رشيد العويد ص37_41.

[13] _ انظر أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ص41_42.