Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-    رحمته بالمشركين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قيل يا رسول الله أدع على المشركين قال:إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة /رواه مسلم
-    قال صلى الله عليه وسلم:(من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) متفق عليه

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
muhammad

 

لقد خرج النبي " في بيئة عربية، تتنافس في نظم القصيد، والرجز؛ فكان من دواعي إعجابها، واغتباطها ما كان يفيض من قرائح شعرائها، وخطبائها في المفاخرات، والمنافرات، والحَمَالات، والمهادنات.

وما كان لكل عربي أن ينفتق لسانه بقول الجيد من الشعر أو النثر؛ فقد يأتي الجيل والجيلان والقبيلة العظيمة لا يظهر فيها شاعر أو خطيب يعلي صوتها، ويعدد من عام إلى عام مآثرها، ويرفع _ بما ينشؤه _ الضيم عن أهلها، ويُرهب بسلطان بلاغته عدوها.([1])

ولقد كان الشعر أنذاك أشبه بوزارة الإعلام في عصرنا الحاضر؛ فكان له صولة وجولة، ونفوذ ووقع في النفوس؛ فكان يخلد المآثر، ويبين المروءات والمكارم.

ولقد أدرك النبي " هذه الحقيقة؛ فكان للشعراء نصيب من حواره _عليه الصلاة والسلام_ من خلال توجيهه إياهم، واستماعه لهم، واستنشادهم شِعْرَهم، وحَضِّهم على نصرة الإسلام، والدفاعِ عنه، وبيانِ محاسنه؛ فكان يشجعهم، ويسددهم، ويدعو لهم، ويكافئهم، ويستشهد بشعرهم، وربما استوقفهم وناقشهم.

وله في حواراته مع الشعراء أخبار يطول ذكرها، وفيما يلي أمثلة لذلك.

جاء في صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله " قال: =اهجوا قريشاً؛ فإنه أشد عليها من رشق النبل+.

فأرسل إلى ابن رواحة فقال: =اهجهم+، فهجاهم, فلم يُرْضِ, فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أَدْلَعَ لسانَه، فجعل يحركه, ثم قال: والذي بعثك بالحق لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديم، فقال رسول الله": =لا تعجل؛ فإن أبا بكرٍ أعلمُ قريش بأنسابها, وإن لي فيهم نسباً حتى يُلَخِّصَ لك نسبي+.

فأتاه حسان ثم رجع, فقال: يا رسول الله ; قد لَخَّص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.

قالت عائشة: فسمعت رسول الله " يقول لحسّان: =إن روح القُدُس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله+.

وقالت: سمعت رسول الله " يقول: =هجاهم حسان فشفى واشتفى+.([2])

وهكذا أفاد _عليه الصلاة والسلام_ من موهبة حسان الشعرية، وبين له من خلال حواره معه ألا يعجل في الهجاء، حتى يعرف أنساب قريش؛ فلا يقع في ذم رسول الله" من حيث لا يشعر، ووجَّهه إلى نَسَّابة خبير ألا وهو أبو بكر الصديق ÷ حتى يُلَخِّص لحسان نسب رسول الله".

فلما لخص أبو بكر لحسان _رضي الله عنهما_ نسب النبي" بث فيه الرسول" روح الشجاعة والتأييد، وذلك من خلال قوله لحسان: =إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله+.

بل زاد على ذلك بالدعاء لحسان؛ فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة÷ أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله" يقول: =أجب عني، اللهم أيده بروح القدس+.

قال: اللهم نعم.([3])

ولقد أنشد كعبُ بن زهير قصيدته المشهورة (بانت سعاد) أمام النبي" فكان للنبي" وقفات أثناء إلقاء القصيدة يحاور قائلها، وأصحابَه فيها، ومن ذلك أن كعباً لما بلغ إلى وصف راحلته، فقال:

قنواء في حرتيها للبصير بها

 

 
 عِتْقٌ مبينٌ وفي الخدين تسهيل

 

قال رسول الله " لأصحابه: ما حرتاها؟ فقال بعضهم: عيناها، وسكت بعضهم، فقال رسول الله ": هما أذناها.

ولما بلغ كعب قوله في مدح المهاجرين:

لا يقع الطعن إلا في نحورهم

 
 وما لهم عن حياض الموت تهليل

 

نَظَرَ رسول الله "إلى من حوله من قريش نَظَرَ مَنْ يومئ إليهم أن اسمعوا هذا المدح.([4])

ولقد بلغ من إعجابه _عليه الصلاة والسلام_ بتلك القصيدة أن عفا عن كعب بعد أن كان قد أهدر دمه، ومنَّ عليه ببردته.

يقول الشيخ عبدالحي الكتاني×: =وقد اشترى تلك البردة منه معاوية بثلاثين ألف درهم، وكانت عنده من أَجَلِّ ملكه وأعظم.

وكانت أمراء بني أمية يتبركون بلبسها في الأعياد والمواسم، ويعدونها أفخر لباس، حتى وصلت مع الدولة لبني العباس.

وكان للأمة الإسلامية كبير اعتناء بهذه القصيدة اللامية البديعة حفظاً، واستنشاداً، وشرحاً، ومعارضة.

قال الشيخ الأديب أبو جعفر البصير الألبيري الأندلسي لما ذكر الكعبية هذه: وهذه القصيدة لها الشرف الراسخ، والحكم الذي لم يوجد له ناسخ، أنشدها كعب في مسجده _عليه السلام_ بحضرته، وحضرة أصحابه، وتوسل بها فوصل إلى العفو عن عقابه، فسد " خلته، وخلع عليه حُلَّته، وكَفَّ عنه كَفَّ مَنْ أراده، وأبلغه في نفسه وأهله مراده، وذلك بعد إهدار دمه، وما سبق من هدر كلمه، محت حسناتها تلك الذنوب، وستر محاسنُها وجهَ تلك العيوب+.([5])

ومن الأمثلة على حواراته _عليه الصلاة والسلام_ للشعراء، وإجازته لهم هذه القصة الغريبة التي ساقها الشيخ عبدالحي الكتاني بسنده، يقول×:

=باب تكرمه _عليه السلام_ بأعظم سَبْيٍ سُبِيَ له بسبب أبيات شعرية قدمت له _عليه السلام_+.

ثم قال الكتاني: =هذه القصة غريبة في بابها، عزيز إسنادها، افتتن المحدثون، وتهافتوا على روايته؛ لأنه أعلى ما حصل للمتأخرين كالحافظين السيوطي، والسخاوي، وأمثالهما ممن أدرك المائة العاشرة، وروياه عشارياً بينهم، وبين النبي" فيه عشرة وسائط.

قال السخاوي في فتح المغيث: تقع لي العشاريات بالسند المتماسك من المعجم الصغير للطبراني وغيره، ولا يكون في الدنيا أقل من هذا العدد.

وقال السيوطي في التدريب: أعلى ما يقع لنا، ولأضرابنا في هذا الزمان من الأحاديث الصحاح المتصلة بالسماع ما بيننا، وبين النبي" فيه اثنا عشر رجلاً، وبالإجازة في الطريق أحد عشر، وذلك كثير، وبضعف يسير غير واه عشرة، ولم يقع لنا بذلك إلا أحاديث قليلة جداً في معجم الطبراني الصغير.

قلت: حُبِّب إليَّ أن أسوقها هنا بأعلا ما حصل لنا، ولأقراننا في قرننا هذا الرابع عشر.

ثم ساقها الكتاني × بسنده إلى أبي جرول زهير بن صرد الجشمي يقول: لما أَسَرَنا رسولُ الله" يوم هوازن ذهب يُفَرِّق السبي، فأتيته فقلت:

امنن علينا رسول الله في كرم

 
 فإنك المرءُ نرجوه وننتظر

 
امنن على بيضةٍ قد عاقها قَدَرٌ

 
 مشتتٍ شَمْلُها في دهرها غِيَرُ

 
أبقت لنا الدهرَ هتافاً على حزن

 
 على قلوبهم الغَمَّاءُ والغُمر

 
إن لم تَدَارَكْهُمُ نعماءُ تنشرها

 
 يا أرجح الناس علماً حين يختبر

 
امنن على نسوة قد كنت ترضعها

 
 وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

 
لا تجعلنَّ كمن شالت نعامتُهُ

 
 واستبق منا فإنا معشر زُهُرُ

 
إنا لنشكر للنعماء إذ كُفِرَتْ

 
 وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

 
فألبسِ العفو من قد كنت ترضعه

 
 من أمهاتك إن العفو مشتهر

 
يا خير مَن مرحت كُمْتُ الجيادِ به

 
 عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

 
إنا نؤمل عفواً منك تُلْبِسَه

 
 هذي البرية إذ تعفو وتنتصر

 
فاعفُ عفا الله عما أنت واهبه

 
 يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر

 

قال: فلما سمع النبي" هذا الشعر قال: =ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم+.

وقالت قريش: ما كان لنا، فهو لله ورسوله.

وقالت الأنصار: ما كان لنا، فهو لله ورسوله.

قال السيوطي في التدريب: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه عشاري أخرجه أبو سعيد الأعرابي في معجمه عن ابن رماحس، وابن قار، عن عبيدالله ابن علي الخواص، عن ابن رماحس، وله شاهد من رواية ابن إسحاق في المغازي.

وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة من حديث زهير، واستشهد له بحديث عمرو ابن شعيب، فهو عنده على شرط الحسن.

ثم أتى السيوطي بكلام الذهبي، وابن عبدالبر، واقتصر عليه قبله شيخ شيوخه الحافظ العراقي في كتابه الأربعين العشاريات الإسناد، وغفلوا جميعاً عن طرقه التي جمعها له سيد الحفاظ ابن حجر في لسان الميزان، انظر ترجمة عبدالله بن رماحس منه ص96 من الجزء الرابع تر عجباً، وقد انفصل على كون الحديث حسن الإسناد، وفي فتح الباري له هو حديث حسن، وقد وهم من زعم أنه منقطع.

وفي الإصابة _أيضاً_ وهن ابن عبدالبر إسناده من غير قادح، وقد أوضحته في لسان الميزان في ترجمة زياد بن طارق.

وانظر غنيمة الواجد لأبي زيد الثعالبي، وكان عدد السبي الذي رده _عليه السلام_ على هوازن لما استشفعوا له بهذه الأبيات، كما في المنح المكية للشهاب ابن حجر من النساء والذراري 6000، والإبل 24000، والغنم 40000، و4000 أوقية فضة+([6]).

فهذا شيء من حواره للشعراء، وإجازته لهم، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الفصل الخامس عند الحديث عن مجلس رسول الله".

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] _ انظر أمراء البيان لمحمد كرد علي ص9.

[2] _ مسلم (2490).

[3] _ البخاري (3212) ومسلم (2485).

[4] _ انظر السيرة النبوية لابن هشام 4/113 و 116، والهداية الإسلامية 10/592_593.

[5] _ التراتيب الإدارية للشيخ عبدالحي الكتاني 1/213.

[6] _ التراتيب الإدارية 1/215_218.