Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها : بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت  : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل . فاطر السماوات والأرض . عالم الغيب والشهادة . أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون . اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .رواه مسلم

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
muhammad

حوارات النبي " تجري في أماكن عديدة، وفي أزمان مختلفة، وقد مر في فصول البحث الماضية أنه كان يحاور كافة الطبقات، ومن خلال ذلك يُلحظ أنه كان يحاور أصحابه وغيرهم في البيوت، وفي الطرقات إذا كان يسير فيها، وفي حال السفر، وعلى ظهور الدواب، حيث يحاور رديفه أو من بجواره، إلى غير ذلك من الأماكن.

أما مكان جلوسه المعتاد الذي يلتف حوله فيه أصحابه، وتدور فيه أغلب حواراته، وتجري فيه معظم أعماله في شؤون المسلمين فهو في مسجده، وأن ما عداه من الأمكنة التي ورد في الآثار حلوله فيها إنما هي مقاعد كان يحل فيها قبل البعثة، وبعدها قبل الهجرة، وبعدها قبل أن ينتظم أمر المسلمين، أو بعد ذلك فيما بعد الهجرة؛ لعوارض تعرض من زيارة، أو ضيافة، أو عيادة، أو قضاء مصالح، أو نحو ذلك؛ فقد جلس قبل البعثة وهو بمكة في دار ابن جُدعان، وفي المسجد الحرام، وأوى إلى غار حراء يَتَحَنَّث بإلهام من الله _تعالى_ استئناساً بالوحي، وجلس بعد البعثة في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وفي شعب أبي طالب مدة القطيعة، وسكن دار أبي أيوب الأنصاري عند مَقْدَمِهِ المدينةَ، وجلس بمسجد قباء قبل بناء المسجد النبوي، ولم يلبث أن بنى مسجده؛ فكان مجلسه بَعْدُ في ذلك المسجد فيما عدا أحوالاً تعرض مثل خروجه إلى بني عمرو ابن عوف؛ للإصلاح بينهم([1]).

والحديث في هذا الفصل سيدور حول ورود ذلك المجلس في القرآن، وصفة ذلك المجلس، وتحقيق مكانه، وكيفية التئامه، وخروج النبي " إليه.

كما سيدور حول هيئة ذلك المجلس، وما كان يجري فيه، ووقت المجلس الرسولي وآدابه.

ومما يبين أهمية البحث في ذلك أمور كثيرة منها ما يلي:

1_ أنه موضوع نادر لا تجد من أفرده بالبحث والتقصي لا من المتقدمين ولا من المتأخرين إلا العلامة التونسي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور× 1296_1394هـ حيث كتب بحثاً عنوانه مجلس رسول الله"([2]).

2_ أنه موضوع لطيف يخدم ما نحن بصدده من البحث في جوانب الحوار؛ حيث يُجلِّي ذلك غاية التجلي، ويمثِّله أحسن تمثيل.

3_ أن مجلس رسول الله"ميدانٌ لِتَسَابُقِ الآداب، وجوٌّ لِتَرَفْرُفِ الكمالات.

4_ أن للناس مجالس يرتادونها، وحوارات يتجاذبون أطرافها، ولكل من المجالسة والحوار آداب يحسن مراعاتها، ويجمل الأخذ بها.

ولا ريب أن الوقوف على مجلس رسول الله"وأحاديثه من أعظم ما يرتقي بالحوارات والمجالس؛ فإلى مباحث هذا الفصل.

 

 

المبحث الأول: في ورود المجلس الرسولي في القرآن، وصفة ذلك المجلس

 
 
 

 

أولاً: ورود المجلس الرسولي في القرآن:

لقد وردت الإشارة في القرآن الكريم إلى مجلس رسول الله" وذلك في قوله _تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا...] (المجادلة:11).

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور×: =قال جمهور العلماء من السلف ومن بعدهم: المراد بالمجلس في الآية هو مجلس رسول الله، وسأذكر ذلك في المبحث المناسب له.

ثم إني لم أر لأحد من الباحثين في السيرة مَنْ ذكر هذا المجلس سوى عياض في كتاب الشفاء؛ فإنه ذكره بكلمة واحدة في غرض آخر؛ إذ قال في فصل زيارة القبر الشريف هذه العبارة: (قال إسحاق بن إبراهيم([3]) الفقيه: ومما لم يزل مِنْ شأن مَنْ حجَّ المرورُ بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله" والتبرك برؤيته، وروضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه)([4]) ا _هـ.([5])

فكان حقَّاً علينا أن نخصه بمقال أتقصَّى فيه ما تناثر في خلال كتب الحديث والسيرة؛ فيجيء بحثاً أُنُفاً([6]) يبهج من كان بسيرة رسول الله كلفاً+.([7])

ثانياً: صفة مجلس رسول الله":

لقد جاء مجلس رسول الله" على غاية ما يكون من البساطة، والتواضع، والخلو من مظاهر الأُبَّهة؛ لأنه أعظم المصلحين وأفضل المرسلين، فأراد الله _عز وجل_ أن يكون ذلك النبي مقصوراً على التأييد بالدلائل الحقة الباقية على الزمان، وأن يجرده عن وسائل الخِلاَبة والاسترهاب؛ فتكونَ دعوته أكمل الدعوات، وعظته أبلغ العظات كما هو أكمل الدعاة والواعظين.

وذلك _كما يقول ابن عاشور([8])_ لحكم جمة، منها ما يلي:

الحكمة الأولى: أن لا يكون جلالُ قَدْرِه في النفوس، ونفوذُ أمره في الملأ محتاجاً إلى معونة بوسيلة من الوسائل المكملة للتأثير الذاتي النفساني، بل يكون تأثيره الذاتي كافياً في نفوذ آثاره في قلوب أتباعه؛ إذ كانت نفسُه الشريفةُ أكملَ نفسٍ برزت في عالم الوجود الحادث، فتكون أغنى النفوس عن التوسل بغير صفاتها الذاتية؛ إذ لا نقص في تأثير نفسه.

من أجل ذلك ادَّخَر الله لرسوله التأييد بأوضح الدلائل، وأغناها عن العوارض التي تصطاد النفوس، وتسترهب العيون؛ حتى لا يكونَ شأنه جارياً على الشؤون المألوفة.

ولعل هذا مما يُلوِّح إليه قوله _تعالى_: [وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] (الكهف:29).

أي هذه دعوة الحق المحض الغَنِيَّةُ عن البهرجةِ الزائلة والله أعلم؛ فيكون هذا من المعجزات الخفية التي هي آيات للمتوسمين على كُرور الأيام والسنين.

 الحكمة الثانية: أن يكون الرسول غيرَ مشارك لأحوال أصحاب السيادة الباطلة من الجبابرة والطغاة؛ حتى لا يكون من دواعي إيمان بعض الفرق به وطاعتهم له_ما بهرهم من تلك الزخارف، كحال الذين استكبروا من قوم نوح؛ إذ قالوا: [وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ] (هود:27).

وهذا معنى قول رسول الله ": =خيرت بين أن أكون نبيَّاً عبداً، أو نبيَّاً ملكاً، فاخترت أن أكون نبيَّاً عبداً+.([9])

 الحكمة الثالثة: أن يحصلَ له _مع ذلك_ أعظمُ جلال في نفوس أعدائه بله أوليائه؛ فيكون فيه دليل على أن جلاله مستمد من عناية الله _تعالى_ وتأييده.

روى أبو داود، والترمذي أن قيلة بنت مَخْرمة جاءت رسول الله في المسجد وهو قاعدٌ القرفصاءَ قالت: =فلما رأيت رسول الله المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق+.([10])

فقولها: المتخشع في الجلسة أَوْمَأَ إلى أن شأن المتخشع في المعتاد ألا يرهب، وهي قد أَرْعَدَتْ منه؛ رهبة.

ووصف كعب بن زهير رسول الله حينما دخل عليه المسجد في أصحابه مؤمناً تائباً، وكان كعب يومئذ أقرب عهداً بالشرك، وأوغل في معرفة مظاهر ملوك العرب وسادتهم؛ إذ هو الشاعر ابن الشاعر؛ فإذا هو يقول بين يدي رسول الله يصف مجلسه:

لقد أقوم مقاماً لو أقوم به

 
 أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

 
لظل يرعد إلا أن يكون له

 
 من الرسول بإذن الله تنويل

 

ثم يقول في صفة الرسول:

لذاك أهيبُ عندي إذ أُكَلِّمُه

 
 وقيل: إنك منسوب ومسؤول

 
من خادر من ليوث الأسد مسكنه

 
 من بطن عَثَّرَ غِيلٌ دونه غيلُ([11])

 

وجاء في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص ÷ _وهو في سياق الموت_ أنه قال: =وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله " ولا أجلَّ في عينِي منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينَيَّ منه؛ إجلالاً له، ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقتُ؛ لأني لم أكن أملأُ عينَيَّ منه+.([12])

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] _ انظر صحيح البخاري (684) ومسلم (121).

[2] _ وذلك في مجلة الهداية الإسلامية، الجزء العاشر، المجلد العاشر، ص578_597 في ربيع الثاني 1357هـ _ 1938م، وقد أفدت منه كثيراً في هذا الفصل، وانظر الرحمة والعظمة في السيرة النبوية ص161_198.

[3]_ هو إسحاق بن راهويه.

[4] _ التبرك بهذه الأشياء بإطلاق يحتاج إلى دليل.

[5] _ الشفا للقاضي عياض 2/669_670، وانظر شرح الشفا للقاضي عياض للملا علي قاري 2/151.

[6]_ أُنُفاً: أي جديداً.

[7] _ الهداية الإسلامية 10/581.

[8] _ الهداية الإسلامية 10/581_582، وانظر شرح الشفا للقاضي عياض للملا علي قاري 2/151.

[9] _ رواه أحمد في المسند (7160).

[10] _ أبو داود (4847) والترمذي في سننه (2814) وفي الشمائل (120).

[11] _ عثَّر: مكان مشهور بكثرة السباع، والغيل: الشجر الكثير الملتف. انظر السيرة النبوية لابن هشام 4/114_115.

[12] _ أخرجه مسلم (121).