Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          دعاء النوم:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل ، وضع يده تحت خده ، ثم يقول : ( اللهم باسمك أموت وأحيا ) . وإذا استيقظ قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) رواه البخاري

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
hiwar2_thumbnail.jpg

أولاً: مكان مجلس الرسول:

إن من مارس الحديث والسيرة لا يَشُكُّ في أن مجلس رسول الله الذي يلتف حوله فيه أصحابه، وتجري فيه معظم أعماله في شؤون المسلمين _ إنما كان بمسجده.

وقد أرشدنا إلى ذلك أحاديث، منها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: =توضأت يوماً وخرجت من بيتي فقلت: لألزمن رسول الله يومي هذا، ولأكونن معه، فجئت المسجد فسألت عنه، فقالوا: خرج... إلخ+.([1])

فقوله: =فجئت المسجد، فسألت عنه+ ينبئ بأن مَظِنَّةَ لقاءِ الرسول هو المسجد.

وكذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ضمام بن ثعلبة الذي رواه أنس ابن مالك÷ يقول أنس: =بينما نحن جلوس مع النبي " في المسجد+ الحديث وسيأتي([2]).

فقوله: =في المسجد+ يدل على أن مكان مجلسه _ عليه الصلاة والسلام _ في المسجد.

ثم إن تعيين مكان جلوسه من المسجد لم يَجْرِ له ذكر في كلامهم.

والذي يظهر أنه كان يلزم مكاناً معيناً للجلوس؛ لينتظره عنده أصحابه والقادمون إليه.([3])

والظاهر أن هذا المكان المعين هو ما بين المنبر وحجرة عائشة _رضي الله عنها_ وهو الملقب بالروضة، ويدل لذلك ثلاثة أدلة:

 الدليل الأول: ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله" قال: =ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة+.([4])

وللعلماء في معنى ذلك تأويلات أظهرها والذي مال إليه جمهورهم أنه كلام جرى على طريقة المجاز المرسل؛ فإن ذلك المكانَ لما كان موضع الإرشاد والعلم كان الجلوس فيه سبباً للتنعم برياض الجنة؛ فأطلق على ذلك المكان أنه روضة من رياض الجنة بإطلاق اسم المسبب على السبب.

أو جرى على طريق الاستعارة بأن شَبَّه ما يصدر في ذلك المكان من الإرشاد والتشريع والعلم والموعظة والحكمة المنعشة للأرواح بما في رياض الجنة من الثمار والأزهار والأنهار ذات الإنعاش الخالد، فأطلق اسم المشبه به على المشبه.

وفي هذا إنباء بأن موضع الروضة مجلس رسول الله الذي كان فيه معظم إرشاده وتعليمه الناس.

 الدليل الثاني: أنا نجد أحاديث كثيرة روتها عائشة _رضي الله عنها_ تتضمن ما دار بين رسول الله وبين سائليه، ولم نجد مثل ذلك لبقية أمهات المؤمنين؛ فعلمنا أن ذلك انفردت به عائشة؛ من أجل قرب بيتها من مجلس الرسول، وقد كان بيتها بقرب الروضة.

 الدليل الثالث: ما رواه الترمذي عن أبي هريرة أنه قال: =لقد رأيتني وإني لأَخِرُّ فيما بين منبر رسول الله وحجرة عائشة؛ فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنوناً وما بي جنون، وما هو إلا الجوع+.([5])

مع ما رواه البخاري ومسلم من أن أبا هريرة قال: =يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخوتي من الأنصار يشغلهم عملٌ في أموالهم، وكنت امرأً مسكيناً ألزم رسول الله على مِلْء بطني؛ فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون+.([6])

فينتج من ذلك أن مقام أبي هريرة كان في الروضة، وأن ملازمته رسول الله كانت في ذلك المقام، وأن الروضة هي مجلس رسول الله ".([7])

قال ابن عاشور×: =هذا وقد رأيت في كلام شهاب الدين الخفاجي في شرحه على شفاء عياض كلمة تقتضي الجزم بأن مجلس رسول الله هو الروضة؛ فإنه لما بلغ إلى قول عياض: =لم يزل من شأن مَنْ حج المرورُ بالمدينة والقصد إلى التبرك برؤية مسجد رسول الله وروضته ومنبره وقبره ومجلسه+ إلخ...

قال: =ومجلسه أي موضع جلوسه في الروضة المأثور ا _ هـ+.

ولم أقف على مستنده الصريح فيما جزم به+.([8])

قال الشيخ ملا علي قاري في شرح الشفا عند قول عياض: =ومجلسه+ قال: =أي محل جلوسه في المسجد، ومكان صلاته عند الاسطوانات وغيرها+.([9])

ثانياً: كيفية التئام مجلس الرسول وخروجه إليه:

كان أصحاب رسول الله إذا قصدوا مسجده يحضرون المكان الذي اعتاد الجلوس فيه، فإذا قدموا قبل خروج الرسول"يجلسون ينتظرونه حتى إذا خرج رسول الله كانوا يقومون له، فنهاهم عن ذلك، روى أبو أمامة، قال: =خرج علينا رسول الله فقمنا له، فقال: =لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً+([10]) فصار القيام منسوخاً على الأصح.

 وعندما يخرج رسول الله على أصحابه يبقون جلوساً؛ فلا يرفع أحد منهم بصره إلى رسول الله إلا أبو بكر وعمر؛ فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويبتسمان إليه، ويبتسم إليهما، كذا في الشفاء.

 وفي الشفاء أنه كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ويجلس بين أصحابه مختلطاً بهم.([11])

والظاهر أن معنى ذلك أنه حين يخرج إليهم لا يتخطى رقابهم، ولكن يجلس حيث انتهى به المجلس؛ ففي الصحيحين عن أبي واقد الليثي أن رسول الله بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان منهم إلى رسول الله، وذهب واحد، فوقفا على رسول الله، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله _أي من كلامه_ قال: =ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهما فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه+.([12])

 وفي أسباب النزول والتفسير أن رسول الله كان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، وأن ناساً منهم جاؤوا إلى مجلسه فلم يجدوا موضعاً، فقاموا مواجهين له، ولم يوسع لهم أحد، فقال رسول الله لبعض من حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان ويا فلان، وفي ذلك نزل قوله _تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ] الآية، (المجادلة:11).([13])

وسيأتي تفصيله في ذكر آداب مجلسه ".

وربما وقف الذي يحاور رسول الله "، وفي البخاري: باب من سأل وهو قائم عالماً جالساً، وأخرج حديث أبي موسى الأشعري: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؟ فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: =من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا+.

قال الراوي: وما رفع رأسه إليه إلا أن السائل كان قائماً+.([14])

وكان الملازمون مجلسَ رسول الله " أصحابَه من الرجال.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه قال: =قال النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً لنفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن... إلخ+.([15])

وظاهر ترجمة البخاري لهذا الحديث أن اليومَ المجعولَ للنساء لم يكن يوماً مفرداً وحيداً، بل جعل لهن نوبة من الأيام؛ فيحتمل أنه جعل لهن يوماً في الأسبوع، أو في الشهر، أو بعد مدة غير معينة يعين لهن موعده من قبل، والله أعلم.

 

المبحث الثالث: هيئة المجلس الرسولي، وما كان يجري فيه

 
 
 

 

 

أولاً: هيئة المجلس الرسولي:

تدل الآثار على أن مجلس رسول الله " الذي كانت تجرى فيه معظم حواراته كان على صورة الحلقة الواحدة، أو الحِلَق المتداخلة كما ورد في حديث أبي واقد الليثي في الصحيحين؛ إذ قال فيه: =فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم+.([16])

وقد تقدم آنفاً، بل صرح بعض الرواة بأن أصحاب رسول الله "كانوا يجلسون حوله حِلَقاً.

أما رسول الله "فكان مجلسه في وسطهم؛ ففي الصحيحين عن أنس ابن مالك÷أن ضماماً بن ثعلبة السعدي ÷لما دخل المسجد قال: أيكم محمد؟ قال أنس: والنبي متكئ بين ظهرانيهم([17]).

وسيأتي الحديث، ومعنى بين ظهرانيهم أنه في وسطهم.

 وجاء في سنن أبي داود والنسائي عن أبي ذر وأبي هريرة: =كان النبي" يجلس بين ظهري أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أهو هو حتى يسأل، فطلبنا لرسول الله "أن نجعل له مجلساً كي يعرفه الغريب، فبنينا دكاناً من الطين يجلس عليه فجلس عليه، وكنا نجلس بجنبتيه+.([18])

وكانت هيئة جلوس رسول الله "في مجلسه غالباً الاحتباء، فقد ذكر الترمذي في كتاب الشمائل عن أبي سعيد الخدري ÷: =كان رسول الله "إذا جلس في المجلس احتبى بيديه+.

وقول الراوي: كان يفعل، يدل على أنه السُّنةُ المتكررة.

والاحتباء: هو الجلوس وإيقاف الساقين، فتجعل الفخذان تجاه البطن بإلصاق، ويلف الثوب على الساقين والظهر، فإذا أراد المحتبي أن يقوم أزال الثوب.

وأما الاحتباء باليدين فهو أن يجعل المحتبي يديه يشد بهما رجليه عوضاً عن الثوب، فإذا قام قالوا حلَّ حُِبوته _بكسر الحاء وضمها_.

وكان الاحتباء أكثر جلوس العرب، وربما جلس رسول الله "القُرْفُصَاء _بضم القاف وسكون الراء بالمد والقصر_ وهي الاحتباء باليدين، وربما جعلت اليدان تحت الإبطين، وهي جلسة الأعراب والمتواضعين.

وقد وُصِف جلوس رسول الله " القرفصاء في حديث قيلة بنت مخرمة _رضي الله عنها_ وقد تقدم آنفاً، وربما اتكأ رسول الله"في مجلسه في المسجد.

وفي الصحيحين عن أبي بكرة÷أن رسول الله"قال: =ألا أحدثكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، وقال: ألا وقول الزور...إلخ+.([19])

وفي حديث جابر بن سمرة÷رأيت رسول الله"متكئاً على يساره وربما اتكأ على يمينه.([20])

وفي حديث حنظلة بن حِذْيَم قال: =أتيت النبي"فرأيته جالساً متربعاً+.([21])

وقد تجعل له وسادة، روى الترمذي عن جابر بن سمرة÷أنه رأى رسول الله"متكئاً على وسادة على يساره([22]).

 وعددُ جُلساء رسول الله"لا ينضبط، بل كان يختلف باختلاف الأيام وأوقات النهار، فربما اشتمل المجلس على أربعين رجلاً كما ورد في الصحيحين من حديث أنس بن مالك÷قال: =أرسلني أبو طلحة الأنصاري÷أدعو له رسول الله"خامس خمسة لطعام صنعه لرسول الله"فوجدت النبي"في المسجد معه ناس فقمت، فقال: =أأرسلك أبو طلحة؟+ قلت: نعم، قال: =لطعام؟+ قلت: نعم، فقال لمن معه: =قوموا+ وكانوا نحو الأربعين+ ([23]).

وربما كان مجلسه يشتمل على عشرة، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما_ قال: بينا نحن عند النبي " جلوس إذا أُتِيَ بجمار نخلة؛ فقال النبي": =إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم+ فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت، فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكتُّ، فقال النبي" هي النخلة +.([24])

ثانياً: ما كان يجري في مجلس رسول ":

نبعت ينابيع الهدى، والحكمة، والتشريع من مجلس رسول الله " ومن منبره، ولقد كان أكثر ما رواه أصحابه عنه مما سمعوه منه في مجلسه؛ لذلك يكثر أن تجد في الأحاديث المروية عن الصحابة أن يقول الصحابي: =بينما نحن جلوس عند رسول الله "+.

وفي ذلك المجلس تتلى آيات الكتاب الحكيم _كما سيأتي في حديث أبي سعيد الخدري÷_.

وكان يقع التحاكم عند رسول الله " في مجلسه، وقد حكم فيه بين المسلمين كثيراً، وبين اليهود في قصة الرجم؛ إذ جاءه اليهود برجل وامرأة زنيا فأمر بهما، فرجما في موضع الجنائز من المسجد.([25])

وكانت تفد عليه الوفود وهو في مجلسه، ويأتيه سفراء المشركين من أهل مكة، ويَعْتَوِرُه العُفاة، وأصحاب الحاجات.

وربما اختلف الصبيان إلى ذلك المجلس، أو دعاهم إليه رسول"فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة ÷ قال: =ما رأيت حَسَناً([26]) قطّ إلا فاضت عيناي دموعاً، وذلك أن النبي"خرج يوماً، فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف فيه، ونظر، ثم انصرف وأنا معه، حتى جئنا المسجد، فجلس، فاحتبى، ثم قال: =أين لَكاع؟ ادعُ لي لَكاع([27])+.

فجاء حسن يشتد، فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل النبي"يفتح فاه، فيدخل فاه في فيه، ثم قال: =اللهم إني أحبُّه فأحبَّه، وأحبَّ من يحبه+.([28])

وإلى ذلك المجلس يأوي الفقراء، فكان _عليه الصلاة والسلام_ يدنيهم، ويتألفهم، فعن أبي سعيد الخدري÷قال: =كنت في عصابة من المهاجرين جالساً معهم، وإن بعضهم يستتر من العري، وقارئ يقرأ علينا، فكنا نستمع إلى كتاب الله _تعالى_ فقال النبي": =الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي+.

قال: ثم جلس رسول الله"وسَطَنا؛ ليعدل بيننا نفسه فينا، ثم قال بيده هكذا؛ فاستدارت الحلقة، وبرزت وجوههم.

قال: فما عرف رسول الله"منهم غيري، فقال رسول الله":

=أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل الأغنياء يوم القيامة بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام+.([29])

ثم هو _أيضاً_ مجلس أدب ينشد فيه الشعر، وتضرب فيه الأمثال.

ولقد أنشد كعب بن زهير قصيدته المشهورة، وقد مرَّ ذكرٌ لشيء من ذلك في الفصل الرابع من هذا البحث.

وروى الترمذي عن جابر بن سمرة ÷ قال: جالست رسول الله "أكثر من مائة مرة، وكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت، فربما يبتسم معهم.([30])

وربما أُنْشِد الشِّعرُ، فتمثل في بعض ما أُنْشِدَ أمامه، فعن الأعشى المازني قال:

=أتيت النبي"فأنشدته:

يا مالك الناس وديانَ العرب

 
 إني لقيت ذِرْبةً من الذِّرب

 
أخلفتِ الوعدَ ولَطَّت بالذنب

 
 وهن شرُّ غالبٍ لمن غلب

 

فجعل"يتمثلها، ويقول: وهن شرُّ غالبٍ لمن غلب+.([31])

وربما أنشده أحد الشعراء، فاستوقفه، وحاوره، وسأله عن مقصوده في أحد الأبيات، وربما دعا له، فعن يعلى بن الأشدق قال: سمعت النابغة الجعدي يقول: أنشدت النبي":

بلغنا السماءَ مجدنا وجدودنا

 
 وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

 

فقال: =أين المظهر يا أبا ليلى؟+.

قلت: الجنة، قال: =أجل إن شاء الله+.

ثم قال:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له

 
 بوادرُ تحمي صفوه أن يكدرا

 
ولا خير في جهل إذا لم يكن له

 
 حليمٌ إذا ما أورد الأمرَ أصدرا

 

فقال رسول الله": =لا يفضضِ الله فاك مرتين+.

ويروى أن النابغة كان أحسن الناس ثغراً، وأنه عاش مائة وثلاثين سنة، فكان إذا سقطت له ثنية نبتت مكانها أخرى.([32])

وربما استنشد _عليه الصلاة والسلام_ أحد جلاسه؛ فعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: =استنشدني النبي"من شعر أمية بن أبي الصلت؛ فأنشدته مائة قافية وبيت+.([33])

وربما تمثل بالشعر في مجلسه؛ ففي الصحيحين عن جندب بن عبدالله÷قال: أصابت أصبعُ النبي"شيئاً، فدَمِيت.

وفي لفظ: بينما نحن جلوس مع رسول الله"في بعض المشاهد إذ أصابه حجر، فعثر، فدميت أصبعه فقال:

هل أنت إلا أَصْبُعٌ دَمِيت

 
 وفي سبيل الله ما لقيت([34])

 

وعن عكرمة قال: سألت عائشة _رضي الله عنها_: هل سمعت رسول الله"يتمثل شعراً قط؟

فقالت: أحياناً إذا دخل بيته يقول: =ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ+.([35])

وقوله: =ويأتيك بالأخبار من لم تزود+ هذا عجز بيت لطرفة بن العبد في معلقته المشهورة، وصدره:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

 
 ................................................

 

 

وقد ورد في الأثر أن أصحاب رسول الله " إذا دخلوا عليه كانوا لا يفترقون إلا عن ذَواق، ويخرجون أدلة _أي فقهاء_.([36])

وللعلماء اختلاف في تأويله، فحمله بعضهم على ظاهره، أي لا يفترقون إلا بعد أن يطعموا طعاماً قليلاً؛ ولذلك عبر عنه بذَواق، وهو بفتح الذال الشيء المَذُوق من تمر أو نحوه أو ماء.([37])

وقد جاء في الصحيحين حديث عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما_ أنه قال: بينا نحن عند النبي " جلوس إذا أُتِيَ بِجُمَّار نخلة...إلخ، أي أتي به ليؤكل في مجلسه، ولذلك ترجم البخاري لهذا الحديث: =باب أكل الجمار+وقد مر هذا الحديث. ([38])

وفي الصحيحين عن أبي هريرة ÷: جاء رجل إلى رسول الله "يذكر أنه وقع على أهله في نهار رمضان إلى أن قال: فبينما نحن على ذلك إذ أُتي النبي" بعرق فيه تمر([39])... إلخ.

والعَرَِق بفتح العين وفتح الراء ويجوز كسرها هو المكتل أي الزبيل.

وتأوله ابنُ الأنباري، وابنُ الأثيرِ، وغيرُ واحدٍ أنه أراد أنهم لا يتفرقون إلا عن علم تعلموه يَقُوْم لأنفسهم مقامَ الطعامِ والشراب للأجسام في الانتعاش والالتذاذ؛ فجرى الكلام على طريقة الاستعارة.([40])

وفي ذلك المجلس ينكر _عليه الصلاة والسلام_ ما يراه مجانباً للصواب مع احتفاظه بعادته الجميلة في التعريض والتعميم، حيث يأخذ في التأديب والزجر عما لا ينبغي مأخذاً لطيفاً، فلا يوجّه الإنكار إلى من صدر منه الخطأ بعينه ما وجد في الموعظة العامة كفاية من باب قوله: =ما بال أقوام+.

جاء في الصحيحين عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: صنع النبي"شيئاً فرخَّص فيه، فتنزه عنه قومٌ، فبلغ ذلك النبي"فخطب، فحمد الله ثم قال: =ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية+. ([41])

وقد بوب البخاري × لهذا الحديث بعنوان: =باب من لم يواجه الناس في العتاب+.

وشكى إليه رجلٌ رجلاً حين كان يطيل بهم صلاة الغداة، فاشتد غضبه" ولكنه احتفظ بعادته الجميلة؛ فلم يخاطب الذي كان يطيل على التعيين، بل عمم الموعظة وقال: =أيها الناس إن منكم منفِّرين؛ فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، وذا الحاجة+. ([42])

وربما احتاج _عليه الصلاة والسلام_ إلى التعيين، إذا استدعاه المقام؛ فقد جاء في الصحيحين عن جابر بن عبدالله ÷ قال: =كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي" ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي " العشاء، ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل، فسلَّم، ثم صلى وحده، وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا، والله لآتين رسول الله " فلأخبرنه، فأتى رسول الله " فقال: يارسول الله إنَّا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله " على معاذ فقال: =يامعاذ! أفتان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا+.

وفي رواية: =يامعاذ! أفتان أنت _ثلاثاً_ اقرأ: (والشمس وضحاها) و(سبح اسم ربك الأعلى) ونحوهما+.

وفي رواية: =فتان، فتان، فتان+ ثلاث مرار أو قال: =فاتناً، فاتناً، فاتناً+.([43])

وفي ذلك المجلس يجيب عن الأسئلة التي ترد عليه _كما في حديث جبريل عليه السلام المشهور_ حيث سأل النبي"عن الإسلام، والإيمان، والإحسان.([44])

وكما جاء في الصحيحين من حديث ضمام بن ثعلبة الذي رواه أنس بن مالك÷ يقول أنس: =بينما نحن جلوس مع النبي " في المسجد دخل عليه رجل على جمل؛ فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي " متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض+ الحديث([45]).

وفي هذا الحديث سأل ضمامٌ النبي" ستة أسئلة وأجابه النبي" عنها جميعاً، وقد مرَّ الحديث بتمامه عند الحديث عن محاورته مع المشركين.

والأحاديث في هذا السياق كثيرة جداً.

وربما وجَّه النبي _عليه الصلاة والسلام_ السؤال إلى من حوله، وهذا كثير جداً كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة÷قال: =كنا في قُبَّة نحواً من أربعين رجلاً مع رسول الله"فقال: =أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة+ الحديث([46]).

وقد يبتدر الحديث من تلقاء نفسه، وهذا _أيضاً_ كثيرٌ جداً كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة÷عن النبي"قال: =لقابُ قوسٍ في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب+([47]).

ومما يجري في ذلك المجلس العظيم المبارك كثرة ذكر الله، ودعائه، واستغفاره _كما سيأتي في آداب المجلس الرسولي_.

 

المبحث الرابع: وقت المجلس الرسولي، وآدابه

 
 
 

 

 

أولاً: وقت المجلس الرسولي:

لعل معظم جلوس رسول الله " للناس كان في أوقات تفرغ معظم الصحابة من العمل، فكان يجلس لهم بعد صلاة الصبح كما يشهد لذلك حديث كعب ابن مالك÷ وتوبته، قال كعب: =ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا؛ فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله _عز وجل_ منا سمعت صوت صارخ أَوْفَى على سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج.

إلى أن قال كعب: حتى دخلت المسجد؛ فإذا رسول الله " جالس في المسجد وحوله الناس+ الحديث.([48])

وكذلك حديث أبي موسى الأشعري÷المتقدم إذ يقول: توضأت يوماً وخرجت من بيتي فقلت: لألزمن رسول الله"يومي هذا، وأكون معه، فجئت المسجد... إذ لا شك أن ذلك وقت صلاة الصبح.

ولا ريب أن طول فترة المجلس تعطي الفرصة لأكبر قدر من الحوار والمحاورين؛ إذ فتره الصبح أطول أوقات النهار.

وما كان رسول الله"يستغرق الصباح كله في المجلس؛ فإن أصحابه كانوا يذهبون إلى أعمالهم وحاجاتهم، ولأن رسول الله"كان يدخل بيوت أزواجه، فقد قالت عائشة _رضي الله عنها_: كان يكون في بيته في مَهْنَةِ أهله.([49])

وفي حديث علي÷من رواية الترمذي ورواية عياض: كان دخوله لنفسه؛ فكان إذا أوى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فَيَرِدُ ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئاً.([50])

أي كان له في بيته وقت يجلس إليه فيه خاصة أصحابه ومن له حاجة خاصة.

ومعنى يرد ذلك على العامة أنه تحصل منه منفعة للعامة بما يرويه الخاصة من علمه للناس، وفي هذا دليل على أن مُعْظَمَ ما عدا وقت دخوله إلى منزله كان وقت مجلسه إلا إذا عرضت حاجة يذهب إليها.([51])

ثانياً: آداب مجلس رسول الله ":

كيف لا يكون مجلس يحتله رسول الله " ميداناً تسابق الآداب فيه إلى غاياتها، وجوَّاً ترفرف فيه الكمالات راقيةً إلى سماواتها.

فإن صاحبَه هو الذي أَدَّبه ربه بأحسن تأديب، وجلساءَه هم أولئك الغُرُّ المناجيب، وناهيك بأن ورد بعض آدابه في الكتاب المجيد، قال الله _تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا] (المجادلة:11).

قال الواحدي، وابن عطية عن مقاتلٍ وقتادةَ وزيدِ بنِ أسلم: كان النبي" يجلس في المسجد فجلس يوماً وكان في المجلس ضيق؛ إذ كان الناس يتنافسون في القرب من رسول الله " وفي سماع كلامه، والنظر إليه، وكان رسول الله" يكرم أهل بدر، فجاء أناس من أهل بدر، فلم يجدوا مكاناً في المجلس، فقاموا وِجَاهَ النبي"على أرجلهم يرجون أن يوسع الناس لهم، فلم يوسع لهم أحد، فأقام رسول الله"أناساً بقدر من جاء من النفر البدريين، فعرف رسول الله" الكراهية في وجوه الذين أقامهم، فنزلت الآية.

فقوله: [إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ] فيما إذا كان في المجلس ضيق، فيتفسح الناس بدون أن يقوم أحد.

وقوله: [وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا] أي إذا قيل لكم ارتفعوا وقوموا عن المجلس فافعلوا، أي إذا أمركم الرسول"في مجلسه بالقيام فلا تتحرجوا، وهو ضرب من التفسح.

وقيل: التفسح يكون بالتوسعة من قعود أو من قيام، فهما داخلان في قوله: تفسحوا، والنشوز هو أن يؤمروا بالانفضاض عن المجلس، فإذا أمروا بذلك فلا يتحرجوا؛ لأن رسول الله"يحب أحياناً الانفراد بأمور المسلمين؛ فربما جلس إليه القوم، فأطالوا؛ لأن كل أحد يحب أن يكون آخر الناس عهداً بالنبي" وكل ذلك من فرط محبتهم إياه، وحرصهم على تلقي هداه.([52])

ومن آدابه المذكورة في الكتاب المجيد ما في قوله _تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ] (الحجرات:2).

وقوله: [لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً] (النور:63).

قال علماء التفسير: نزلت هاتان الآيتان بسبب محاورة جرت بين أبي بكر وعمر _رضي الله عنهما_ بين يدي رسول الله " في مجلسه، وذلك حين قدم وفد بني تميم أشار أبو بكر÷ على النبي" أن يُؤَمِّر على بني تميم القعقاع بن معبد، فقال عمر÷: بل أمِّر عليهم الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي! فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماديا، وارتفعت أصواتهما، فنزل القرآن بهذه الآية، قالوا: فكان أبو بكر ÷ بعد ذلك لا يكلم رسول الله " إلا كأخي السرار _أي كصاحب السر والمسارة_ وكان عمر÷بعد ذلك إذا كلم رسول الله"لا يكاد يسمعه حتى إن رسول الله"لَيَسْتَفِْمه.([53])

ومن آداب ذلك المجلس أن خاصة أصحابه لا يسألون النبي"إلا إذا ابتدرهم النبي"كما في حديث جبريل المشهور؛ فإن جبريل _عليه السلام_ يسأل والنبي"يجيبه، وجبريل على هيئة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة _كما ذكر ذلك عمر ابن الخطاب_.

ومع هذه الحالة الغريبة، والتشوف لمعرفة هذا السائل لم يسأل عنه أحدٌ من الصحابة؛ إجلالاً لرسول الله"حتى ابتدرهم النبي"وأعلمهم به.

قال عمر في آخر الحديث: ثم انطلق _يعني جبريل_ فلبث ملياً، ثم قال لي: =يا عمر أتدري من السائل؟+.

قلت الله ورسوله أعلم.

قال: =فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم+([54]).

ومن آداب مجلسه _عليه الصلاة والسلام_ أن أصحابه يكونون فيه على غاية التؤدة والسكينة؛ فقد روى أبو داود في سننه عن أسامة بن شريك قال: =أتيت النبي"وأصحابُه كأنما على رؤوسهم الطير+([55]).

ومعنى =كأنما على رؤوسهم الطير+: أي أنهم في حالة السكون؛ لأن الطائر ينفر من أدنى تحرك.

وهكذا ينبغي أن تكون عليه مجالس الحوار.

وكان رسول الله"يعطي كل أحد من جلسائه نصيبه لا يحسب أحد أن أحداً أكرم عليه منه.

وكان مجلسه مجلس وقار، وحلم، وحياء، وخير، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرَمُ، ولا تثنى فلتاته.

ومعنى لا تؤبن فيه الحرم: أي لا تذكر فيه حرمات الناس بسوء، يقال أبَنه إذا ذكره بسوء، والمراد بالحرم هنا أعراض الناس، وما يحرِّمون تناوله منهم.

ومعنى لا تثنى فلتاته: لا تعاد، مأخوذٌ من التثنية وهي الإعادة، والفلتات جمع فلتة، وهي الزلة من القول والفعل إذا جرت على غير قصد بغتة؛ يعني أن أهل ذلك المجلس أهل حفظ للسر، وإعراض عن اللغو، فلو صدرت من أحد فلتة لم يتناقلها جلساؤه بالتسميع والتشنيع.

وهذا أدب عربي رفيع، وفي هذا المعنى قال ودَّاك بن ثميل من شعراء الحماسة:

وأحلام عاد لا يخاف جليسهم

 
 إذا نطق العوّارَ غربُ لسان

 

ومن آداب ذلك المجلس أن أصحابه لا يقاطعون الرسول"إذا تكلم، وإذا سكت تكلموا، وإذا تحدثوا عنده لم يختلفوا، ولم يتخاصموا، وإن تخاصموا لم يطل وقت الخصام.

ومن أراد الكلام أنصتوا، واستمعوا له حتى يفرغ من كلامه.

وكان آخر من يتكلم عند النبي"له نفس حظ أول المتكلمين من الإنصات والاهتمام.

وكان _عليه الصلاة والسلام_ يضحك مما يضحكون، ويعجب مما يعجبون إذا كان في حدود الأدب.

وكان يصبر على الغريب إذا جفاه في مقاله وسؤاله، حتى إن أصحابه قد لا يرضون ذلك، ولكنهم لا يتقدمون بين يديه _عليه الصلاة والسلام_ ولا يتجاوزون ما علمهم من الصبر، والرحمة، وإعانة طالب الحاجة على طلبه.

ولهذا كان جلساؤه يتواصون بالتقوى، ويحفظون المروءات في مجلسه، فيوقِّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويتعَطَّفون على الغريب، ويحتملون جفوته، بل ربما علموه بعض آداب ذلك المجلس قبل دخولهم فيه.([56])

يقول الشيخ عبدالحي الكتاني×في كتابه التراتيب الإدارية: =وفي تفسير المولى أبي السعود الحنفي: كان أبو بكر÷إذا قدم على رسول الله"الوفود أرسل من يعلمهم كيف يسلمون، ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله"+ا_هـ.

قلت _أي الكتاني_: وهذا يفهمنا _أيضاً_ أن أبا بكر يشغل _أيضاً_ وظيفة مدير التشريفات+.([57])

ومن آداب ذلك المجلس إلقاء السلام في أوله وآخره؛ قال _عليه الصلاة والسلام_: =إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة+.([58])

وأعظم ما يجري في ذلك المجلس من آدابٍ وأعمالٍ وأقوالٍ كثرةُ ذكرِ الله _عز وجل_ ودعائه واستغفاره؛ فكان _عليه الصلاة والسلام_ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله.([59])

وجاء في الأدب المفرد للبخاري عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ قال: =وإن كنا لَنَعُدُّ في المجلس للنبي": =رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم+ مائة مرة+.([60])

وروى الترمذي وحسّنه عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ قال: ما كان رسول الله"يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: =اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مَبْلَغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا+.([61])

وإذا انتهى ذلك المجلس خُتِمَ بكفارة المجلس، فعن أبي هريرة÷قال: قال رسول الله": =من جلس في مجلس، فَكَثُر فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك _ إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك+.([62])

وعن أبي برزة÷ قال: كان رسول الله" يقول بأَخَرةٍ([63]) إذا أراد أن يقوم من المجلس: =سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك+.

فقال رجل: يا رسول الله، إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى.

قال: =ذلك كفارة لما يكون في المجلس+.([64])

قال ابن عبد البر×: =وروي عن جماعة من أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله _عز وجل_: [وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ] (الطور: 48) منهم مجاهد، وأبو الأحوص، وعطاء، ويحيى بن جعدة، قالوا: حين تقوم من كل مجلس تقول فيه: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك.

قالوا: ومن قالها غفر له ما كان في المجلس.

وقال عطاء: إن كنت أحسنت ازددت إحساناً، وإن كان غير ذلك كان كفّارة.

ومنهم من قال: تقول حين تقوم: سبحان الله وبحمده من كل مكان، ومن كل مجلس+.([65])

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] _ مسلم (2403).

[2]_ البخاري (63) ومسلم (12).

[3] _ انظر الهداية الإسلامية 10/584_586.

[4] _ البخاري (1196) ومسلم (1390 و 1391).

[5] _ الترمذي (2367) وقال: =حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه+.

[6] _ أخرجه البخاري (118 و 2223) ومسلم (2492).

[7] _ انظر الهداية الإسلامية 10/586_587.

[8] _ الهداية الإسلامية 10/587.

[9] _ شرح الشفا 2/151.

[10] _ أخرجه أبو داود (5230).

[11] _ انظر شرح الشفا 1/289، والهداية الإسلامية 10/588.

[12] _ البخاري (66 و 474) ومسلم (2176).

[13] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 27/36_42، والهداية الإسلامية 10/588_589.

[14] _ البخاري (123) ورواه مسلم (1904).

[15] _ البخاري (101 و 1249) ومسلم (2633).

[16] _ البخاري (66 و 474) ومسلم (2176).

[17] _ البخاري (63) ومسلم (12).

[18] _ أبو داود (4698) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3931): =صحيح+ والنسائي (4991) وقال الألباني في صحيح سنن النسائي (4618): =صحيح+.                                  =

= والغريب أن الشيخ ابن عاشور× قال: =ومن الغريب ما ذكره القرطبي في كتاب (المفهم على صحيح مسلم) عن البزار عن عمر بن الخطاب ثم ذكر الحديث السابق.

وقال: =وهذا غريب؛ إذ لم يُذكر هذا الدكان فيما ذكروه في تفصيل صفة المسجد النبوي في الكتب المؤلفة في ذلك+.

[19] _ البخاري (2654) ومسلم (87).

[20] _ أخرجه ابن عدي في الكامل 1/425.

[21] _ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1179) وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (899): =صحيح لغيره+.

[22] _ سنن الترمذي (2770) وقال: =هذا حديث حسن غريب+ والشمائل للترمذي (123).

[23] _ البخاري (422 و 3578) ومسلم (2040).

[24] _ البخاري (5444) ومسلم (2811).

[25] _ انظر البخاري (7543) ومسلم (1699).

[26] _ يعني الحسن بن علي _رضي الله عنهما_.

[27] _ اللُّكع عند العرب يطلق على عدة معان، يطلق على العبد، ثم استعمل في الحمق والذم، يقال للرجل لُكع، ويقال للمرأة لكاع، وأكثر ما يقع في النداء، وقد يطلق على الصغير، وهو المراد هنا.

[28] _ الأدب المفرد (1183) وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (902): =حسن+.

[29] _ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/351_352، والترمذي (2353) عن أبي هريرة، وقال: =حسن صحيح+.

[30] _ الترمذي (2850) وقال: =هذا حديث حسن صحيح+.

[31] _ أخرجه أحمد (6884) والبيهقي في السنن الكبرى(20904).

[32] _ انظر مسند الحارث (زوائد الهيثمي (894) وسبل الرشاد للصالحي 9/349.

[33] _ أخرجه أحمد (19474) وابن ماجه (3758) والطبراني في الأوسط (2429).

[34] _ البخاري (5794) ومسلم (1796).

[35] _ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (792) وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (608): =صحيح+.

[36] _ أخرجه الطبراني في الكبير 22/157، وانظر الشفا 1/204.

[37] _ انظر أخلاق النبي"للأصبهاني ص24، والهداية الإسلامية 10/593.

[38] _ البخاري (5444)، ورواه مسلم (2811).

[39] _ البخاري (1834و 5053 و 5737 و 6331 و 6333) ومسلم (1111).

[40] _ انظر الهداية الإسلامية 10/593.

[41] _ البخاري (6101) ومسلم (2356).

[42] _ رواه البخاري (702) و(704) و(6110) ومسلم (466).

[43] _ البخاري (701 و 507 و710 و6106) ومسلم (465).

[44] _ رواه مسلم (8).

[45]_ البخاري (63) ومسلم (12) وهذا لفظ البخاري.

[46] _ البخاري (2528) ومسلم (221).

[47] _ البخاري (2793) ومسلم (1882).

[48]_ انظر حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه الطويل في صحيح البخاري (2757 و 2947 و3556 و3889) ومسلم (2769).

[49] _ انظر صحيح البخاري (676).

[50] _ انظر معجم الطبراني 22/157، وشعب الإيمان للبيهقي 2/2145، والطبقات الكبرى لابن سعد 1/423.

[51] _ انظر الهداية الإسلامية 10/594.

[52] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 27/36_42، والهداية الإسلامية 10/594_595.

[53] _ انظر صحيح البخاري (4367 و 4845).

[54] _ رواه مسلم (8).

[55] _ أبو داود (3855).

[56] _ انظر أوصاف النبي " للترمذي ص280_282، والشفا 1/206، وشرح الشفا 1/272، وأخلاق النبي"للأصبهاني ص23_27، والهداية الإسلامية 10/596_597.

[57] _ نظام الحكومة النبوية المسمى: التراتيب الإدارية للكتاني 1/39.

[58] _ أخرجه أحمد 2/287، والترمذي (2706) والبخاري في الأدب المفرد (1007) وابن حبان (494 _ 495 _ 496) والبغوي في شرح السنة (3328) كلهم عن أبي هريرة، وقال الترمذي: =حديث حسن+ وصححه أحمد شاكر في شرحه للمسند (7839) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (757).

[59] _ انظر الشفا 1/39.

[60] _ الأدب المفرد (618) وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (481): =صحيح+.

[61] _ الترمذي (3502).

[62]_ أخرجه أحمد2/494، والترمذي(3433) والبغوي(1340) والحاكم1/536، وابن حبان (594) عن أبي هريرة وقال الترمذي: =حديث حسن غريب صحيح+ وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع(6068).

[63]_ بأخرة: بفتح الهمزة والخاء: آي في آخر عمره.

[64]_ أخرجه أبو داود(4859) والحاكم1/537، والدارمي2/736 (2559) عن أبي برزة الأسلمي، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود(4068): =حسن صحيح+.

[65]_ بهجة المجالس 1/53.