Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

(حدث في شوال) سرية رابغ, قال ابن سعد: في شوال سنة (1هـ)، وقال ابن إسحاق: هي أول راية عقدت في الإسلام، عقد النبي رايتها لعبيدة بن الحارث في ستين أو ثمانين مهاجريا ليس فيهم أنصاري واحد، لقوا أبا سفيان في مائتي رجل في رابغ، ترامى الفريقان بالنبل ولم يقع قتال، وانضم رجلان من جيش مكة إلى المسلمين, وهما المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان, كانا مسلمين، وخرجا مع الكفار, ليكون ذلك وسيلة للوصول إلى المسلمين .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
arrahma.jpg

"إن سمعت عن إحدى مدنك، التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولاً، فضربًا تضرب كل سكان المدينة بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة، وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاً إلى الأبد لا تبني بعد، لكي يرجع الرب عن حموّ غضبه ويعطيك رحمة[1]"

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

إن من يراجع آيات القرآن الكريم يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الأصل في التعامل مع غير المسلمين هو تقديم السلام على الحرب، واختيار التفاهم لا التصارع، ويكفي أن كلمة السلم بمشتقاتها قد جاءت في القرآن الكريم مائة وأربعين مرة، بينما جاءت كلمة الحرب بمشتقاتها ست مرات فقط!! (انظر شكل 2).

والفرق بين العددين هو الفرق بين نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى كلا الأمرين، ففي معظم أحواله صلى الله عليه وسلم  كان يبحث عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له، ويحرص على تجنُّب الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وذلك إلى حدٍ قد يتعجب له المحللون والدارسون كثيرًا.

لقد قال الله تعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا[2]".

   هذه الآية الكريمة من كتاب الله عز وجل تُبَرْهِنُ بشكل قاطع على حب المسلمين وإيثارهم لجانب السلم على الحرب، فمتى مال الأعداء إلى السَّلْمِ رضي المسلمون به، ما لم يكن من وراء هذا الأمر ضياع حقوقٍ للمسلمين أو سلب لإرادتهم..

   قال السدي وابن زيد: معنى الآية: إن دعوك إلى الصلح فأجبهم[3].

 

 

          ويقول الأستاذ سيد قطب عند تفسيره لهذه الآية: التعبير عن الميل إلى السلم بالجنوح تعبير لطيف، يلقي ظل الدَّعة الرقيق، فهي حركة جناح يميل إلى جانب السلم، ويُرخي ريشه في وداعة[4]!!

 

   وتأتي الآية التي بعدها لتؤكد أيضًا أن التشريع الإسلامي أحرص ما يكون على تحقيق السلام، فلو أن الأعداء أظهروا السلم، وأبطنوا الغدر والخيانة؛ فلا عليك من نياتهم الفاسدة، واجنح للسلم قال الله تعالى: "وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ[5]" أي أن الله يتولى كفايتك وحياطتك[6].

   ويرى شيخ الأزهر السابق جاد الحق[7] – ~ - أنه أصبح واجبًا على المسلمين أن يقيموا علاقات المودة والمحبة مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، والشعوب غير المسلمة نزولاً عند هذه الأُخوَّة الإنسانية، منطلقًا من الآية الكريمة:

 

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[8]"، معتبرًا هذه العلاقات هي التي تجسد معنى التعارف الوارد في الآية؛ فتَعَدُد هذه الشعوب ليس للخصومة والهدم؛ وإنما هو مدعاة للتعارف والتوادِّ والتحابِّ[9].

   ويرى الشيخ محمود شلتوت[10] أيضًا أن السلم هو الحالة الأصلية التي تهيئ للتعاون والتعارف وإشاعة الخير بين الناس عامة، وإذا احتفظ غير المسلمين بحالة السلم، فهم والمسلمون في نظر الإسلام إخوان في الإنسانية[11].

 

وكان صلى الله عليه وسلم  يعتبر السلام من الأمور التي على المسلم أن يحرص عليها ويسأل الله أن يرزقه إياها، وكان يدعو فيقول: ‏"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.."[12]

 

كما كان صلى الله عليه وسلم  يكره كلمة حرب ولا يحب أن يسمعها وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : "أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، ‏وَأَصْدَقُهَ: ‏حَارِثٌ ‏وَهَمَّامٌ، ‏وَأَقْبَحُهَ: حَرْبٌ وَمُرَّةُ"[13].

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم  يُغيّر اسم مَن اسمه حرب إلى اسم آخر أحسن وأجمل، فعَنْ ‏ ‏هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، ‏عَنْ ‏عَلِيٍّ ‏رضي الله عنه ، ‏قَالَ: "لَمَّا وُلِدَ ‏الْحَسَنُ ‏سَمَّيْتُهُ ‏حَرْبًا،‏ ‏فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم  ‏فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ:‏ ‏حَرْبًا، ‏قَالَ: "بَلْ هُو حَسَنٌ"،‏ ‏فَلَمَّا وُلِدَ ‏الْحُسَيْنُ ‏سَمَّيْتُهُ ‏‏حَرْبًا، ‏فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  ‏‏فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: ‏حَرْبًا، ‏قَالَ: "بَلْ هُوَ ‏حُسَيْنٌ"،‏ ‏فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ ‏حَرْبًا‏، ‏فَجَاءَ النَّبِيُّ‏ ‏صلى الله عليه وسلم   ‏فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قُلْتُ: ‏حَرْبًا، ‏قَالَ: "بَلْ هُوَ ‏مُحَسِّنٌ"، ‏ثُمَّ قَالَ:‏ "‏سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ ‏هَارُونَ: ‏شَبَّرُ ‏وَشَبِيرُ ‏وَمُشَبِّرٌ[14].

فهذه هي نظرته للحرب، وهذه هي نظرته للسلم..

ألا حقًا ما أرحمها من نظرة!

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]التوراة، سفر التثنية. إصحاح 13،12.

[2] (الأنفال: 61).

[3] انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/ 398، 399.

[4] سيد قطب: في ظلال القرآن 2/ 1545.

[5] (الأنفال: 62).

[6] راجع في هذا المعنى القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/400.

[7] الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر السابق، ولد بمحافظة الدقهلية (1917م). تخرج في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وعُيِّنَ وزيرًا للأوقاف، ثم اختير شيخًا للجامع الأزهر. له مؤلفات عديدة منها: "الفقه الإسلامي.. مرونته وتطوره"، و"بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة". توفي (1996م).

[8] (الحجرات: 13).

[9] جاد الحق: مجلة الأزهر ص810 ديسمبر 1993.

[10] هو الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق. من مواليد محافظة البحيرة بمصر (1893م). اختير شيخًا للأزهر سنة 1958م، من مؤلفاته: فقه القرآن والسنة، مقارنة المذاهب، يسألونك.. وهى مجموعة فتاوى، وتُرجِمت له كتب كثيرة لعدة لغات. توفى (1963م).

[11] محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة ص453.

[12] أبو داود (5074)، وابن ماجة (3871)، وأحمد (4785)، وابن حبان (961)، ورواه البخاري في الأدب المفرد (1200)، والطبراني في الكبير (13296)، والنسائي في السنن الكبرى (10401)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات.

[13] أبو داود (4950)، والنسائي (3568)، وأحمد (19054)، والبخاري في الأدب المفرد (814)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر: السلسلة الصحيحة (1040).

[14] أحمد (769) واللفظ له، ورواه الإمام مالك في الموطأ (660)، وابن حبان (6958)، والحاكم في المستدرك (4773) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه البخاري في الأدب المفرد (823)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.