Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

من صان صومه وحفظه كان صومه جنة أي وقاية له عن اتباع الشهوات وعن النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم. متفق عليه

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
arrahma.jpg

كان محمد حليمًا رقيق القلب عظيم الإنسانية[1]

في أواخر أيام دولة الأندلس وقّع حاكم مدينة غرناطة معاهدة بينه وبين ملك قشتالة تنص على استسلام بلاده وتسليمها للنصارى، وتضمنت معاهدة التسليم سبعة وستين شرطًا بما يحفظ على المسلمين دينهم وعرضهم وأموالهم، ولكن بمجرد استيلاء النصارى على الأندلس تبخرت كل الوعود، واستحل النصارى الأموال والديار، وتم إكراه المسلمين على التنصر بما عرف في التاريخ بمحاكم التفتيش حتى تم محو الإسلام من أسبانيا بأكملها -الأندلس سابقًا-[2].

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

 

بَلَغَ مِنْ رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  بغير المسلمين أنّه حَرَّمَ الغدر بهم ولو كان هذا في زمان الحرب، ولم يُؤْثَر عن الرسول صلى الله عليه وسلم  أنه غَدَرَ بعهدٍ قطُّ، بل كان مثالَ الوفاء الدائم، وإن غَدَرَ به أعداؤه، وسنتناول هذا المعنى من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول: شهادة أعدائه بوفائه:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه  أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حرب أَخْبَرَهُ أنه عندما كان في بلاد الروم في كفره أثناء صلح الحديبية؛ أحضره هرقل بين يديه، وسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم  بعدما وَصَّلَه (أي: هرقل) رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وكان مما سأله عنه أن قال: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ فقال أبو سفيان: لا..

ثم عَلَقَّ هرقل في ختام حِواره مع أبي سفيان قائلاً: وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لا يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ..[3]

 

المطلب الثاني: أمره أصحابه بعدم الغدر:

ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم  أنه كان حريصًا على أن يغرس في نفوس الصحابة خُلُقَ الوفاء حتى في وقت الحرب؛ فقد كان يُوَدِّعُ السرايا مُوصِيًا إيّاهم: "..ولا تغدروا.."[4]، ولم يكن ذلك في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين، بل كان مع عدوٍّ يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه، فما أسمى هذه الأخلاق النبوية!! 

وقد وصلت أهمية الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى أن يتبرَّأ من الغادرين ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا محاربًا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا"[5].

وقد تَرَسَّخَتْ قِيمَةُ الوفاء في نفوس الصحابة حتى إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه  بَلَغَهُ في ولايته أنَّ بعض المجاهدين قال لمحارب من الفرس: لا تَخَفْ، ثم قتله. فكتب رضي الله عنه  إلى قائد الجيش: "إنّه بلغني أنَّ رجالاً منكم يَطْلُبُونَ العِلْجَ (الكافر)، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع، يقول له: "لا تَخَفْ"، فإذا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ، وإني والذي نفسي بيده، لا يَبْلُغَنِّي أنّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلك إلا قَطَعْتُ عُنُقَه[6]".

 

المطلب الثالث: ذِمَّة المسلمين واحدة:

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم  بغير المسلمين في أثناء الحرب أنّه كان يَقْبَلُ بإجارة المسلم لكافر، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم  كان يُنْفِذُ وَعْدَ المسلم - أيًّا كان – للكافر المحارب بالأمان، ويحضُّ المسلمين جميعًا على إنفاذ هذا الوعد والأمان.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ جَارَتْ عَلَيْهِمْ جَائِرَةٌ، فَلا تَخْفِرُوهَا[7]، فَإِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً، يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَة"[8].

وقد طبَّق الرسول  صلى الله عليه وسلم  هذا المبدأ تطبيقًا عمليًّا بين المسلمين؛ فأوفى بجوار أُمِّ هانيء بنت أبي طالب لأحد المشركين يوم فتح مكة؛ فقد روى البخاري، وأبو داود، والترمذي عن أم هانيء بنت أبي طالب < أنها قالت: قُلتُ: يا رسول الله، زَعَمَ ابنُ أُمِّي (تقصد أخاها عَلِيَّ بن أبي طالب رضي الله عنه )، أنَّه قَاتِلٌ رجلاً قد أجرتُه: فلان ابن هبيرة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "‏قَدْ ‏ ‏أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا‏ ‏أُمَّ هَانِئٍ"[9].

 

وبَعْدُ، فهذا غَيْضٌ مِنْ فَيْضِ أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم  في حروبه مع المشركين التي لا تُقارَن بأخلاق قادة الكفر في كل مكان وزمان. إنّ أخلاقه صلى الله عليه وسلم  لا تُوصف إلا بأنها أخلاق أنبياء، فذلك أصدق وصفٍ لها، وكفى.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] إميل درمنغم (مستشرق فرنسي عمل مديرًا لمكتبة الجزائر): حياة محمد، تعريب عادل زعيتر، ط 2، دار العلم للملايين،صـ 183

[2] د. عبد الرحمن على الحجي، التاريخ الأندلسي، ص552 – 570 بتصرف.

[3] البخاري في التفسير: سورة آل عمران (4278)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم   إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (1773)، وابن حبان (6555).

[4] الحاكم (8623)، وقال الذهبي قي التلخيص: صحيح. ابن هشام: السيرة النبوية 2/631.

[5] البخاري في التاريخ الكبير 3/322، واللفظ له، وابن حبان (5982)، والبزار (2308)، والطبراني في الكبير (64)، وفي الصغير (38)، والطيالسي  (1285)، و أبو نعيم في الحلية 9/24 من طرق عن السدي عن رفاعة بن شداد. وقال الألباني: صحيح. انظر حديث (6103) في صحيح الجامع.

[6] الإمام مالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (967).

[7] أخفره: نقض عهده.

[8] الحاكم (2626) وقال: صحيح الإسناد، وأبو يعلى (4392)، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح، وقال الشيخ الألباني: صحيح انظر حديث (6683) في صحيح الجامع.

[9] البخاري: كتاب الجزية، باب أمان النساء وجوارهن (3000)، ومسلم في الحيض باب تَسَتُّر المغتسل بثوب ونحوه (336)، ومالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (356)، وأبو داود (2763)، وأحمد (26936)، وابن حبان (1188)، والحاكم (6874)، والطبراني في الكبير (989)، والبيهقي في سننه الكبرى (17953).