Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          إخلاصه ورأفته:

كان   أخف  الناس صلاة على الناس ، و أطول الناس صلاة لنفسه رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله موثقون

-         سنة مهجورة

كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) متفق عليه

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
arrahma.jpg

وهي شبهاتٌ ركزت على وصف نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم  بالقسوة مع الآخر، واستعماله صلى الله عليه وسلم  حدّ السيف لتركيع ذلك الآخر المخالف له، وأنه كان يُغِيرُ على القبائل، ويعيش على السَّلْب والنهب.. الأمر الذي أمكن لهم - على حسب تصورهم ذلك - أن يرموا الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم  بالإرهاب!!

 

الشبهة الأولى: انتشار الإسلام بحد السيف..!!

لم يحاول محمد قط أن يكره غيره على اعتناق الإسلام
 
[1]

قال ريموند داجيل "كاهن مدينة لوبوي": "لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقةً[2]!!.

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

 

أكذوبة كثيرًا ما يرددها أعداء الإسلام والمسلمين، ومفادها أن الرسول صلى الله عليه وسلم  - والمسلمين من بعده - نشر الإسلام بحد السيف، وأن معتنقي الإسلام لم يدخلوا فيه طواعية ولا اختيارًا، وإنما دخلوا فيه بالقهر والإكراه.

والحقيقة أن جوهر الإسلام وخبر التاريخ ليُكذِّبان هذه الفِرْيَة، ويستأصلانها من جذورها.. ففي قاعدة أساسية صريحة بالنسبة للحرية الدينية يقول تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[3]" فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم  - والمسلمون من بعده - أحدًا باعتناق الإسلام قسرًا، كما لم يُلجِئوا الناس للتظاهر به هربًا من الموت أو العذاب؛ إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المُكرَه لا قيمة له في أحكام الآخرة، وهي التي يسعى إليها كل مسلم؟!

وقد جاء في سبب نزول الآية السابقة: أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصِّران قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتى تُسلِما، فأَبَيَا أن يُسلما؛ فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.." الآية، فخلَّى سبيلهما[4].

وقد جعل الإسلام قضية الإيمان أو عدمه من الأمور المرتبطة بمشيئة الإنسان نفسه واقتناعه الداخلي، فقال سبحانه: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ[5]".  ولفت القرآن نظر النبي صلى الله عليه وسلم  إلى هذه الحقيقة، وبيَّن له أن عليه تبليغ الدعوة فقط، وأنه لا سلطان له على تحويل الناس إلى الإسلام فقال: "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[6]" وقال: "لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ[7]" وقال: "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ[8]"..

 

ومن ذلك يتضح أن دستور المسلمين يرفض رفضًا قاطعًا إكراه أحدٍ على اعتناق الإسلام[9].

وأيسر من أن نستقصي الحروب وأسبابها في صدر الإسلام لِنَعِيَ تلك الحقيقة، أن نلقي نظرة عامة على خريطة العالم في الوقت الحاضر لنرى الشعوب التي دخلت في الإسلام دونما حرب أصلاً.  إن السيوف لم تُحمَل بتاتًا في إندونيسيا وماليزيا والهند والصين، وسواحل القارة الإفريقية، وما يليها من سهول الصحاري الواسعة؛ ومع ذلك فأعداد المسلمين فيها هائلة[10]!

ولو كان هناك إكراه على الإسلام فكيف نفسر بقاء المسيحيين واليهود والوثنيين وأشباه الوثنيين إلى الآن في داخل معظم بلاد العالم الإسلامي!!

أما تشريع الجهاد في الإسلام، فلم يكن لقهر الناس أو لإجبارهم على اعتناق الإسلام، وإنما كان لتحرير الإنسان، وتحييد القوى الظالمة التي قد تحول بينه وبين الإسلام..

يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): "إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن، وإن العرب تركوا المغلوبين أحرارًا في أديانهم، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سَمْحًا مثل دينهم، وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرَض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام - إذن – بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قَهَرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس[11]فيها.. ولم يكن الإسلام أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قَطُّ.."[12].

ويقول مُتَرجِم معاني القرآن جورج سيل[13]: "ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط، فقوله تهمةٌ صرفة؛ لأن بلادًا كثيرة ما ذُكِرَ فيها اسم السيف، وشاع الإسلام فيها"[14].

ويقول الكاتب الغربي الكبير توماس كارليل صاحب كتاب(الأبطال وعبادة البطولة): "إن اتهامه - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم  - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهِر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به مُن لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها[15].

فالإسلام - إذن - إنما غزا القلوب وأسر النفوس.. وإن كان بإمكان السيف أن يفتح أرضًا.. فليس بإمكانه أبدًا أن يفتح قلبًا!!

 

الشبهة الثانية: الإغارة على قوافل قريش، واهتمامه صلى الله عليه وسلم  بالدنيا وجمع الغنائم:

لم يكن محمد في وقت من الأوقات طامعًا في الغنى
 
[16]

احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، وبطشت بمسلمي الجزائر، وقد جاء في تقرير رسمي رفعته لجنة التحقيق الفرنسية إلى الملك شارل العاشر سنة 1249هـ / 1833م، ما نصه: "كيف يجوز لنا أن نشكو من مقاومة الجزائريين للاحتلال، في وقتٍ قامت فيه فرنسا بتهديم المساجد، وإلغاء القضاء الشرعي، والاستيلاء على أموال الأوقاف، وتعيين الإمام، والمفتي الموالين للإدارة الفرنسية؟!،لقد أهدرت السلطات الفرنسية حقوق الشعب وداست مقدساته، وسلبت حرياته، واعتدت على الملكية الفردية، ودنَّس جنودها المساجد، ونبشوا القبور، وأعدموا شيوخًا من الصالحين؛ لأنهم تجرأوا على الشفاعة لمواطنيهم،كما استولت السلطات الفرنسية على أجود الأراضي وأخصبها، و استولت على أراضي الأوقاف الإٍسلامية، وأقامت فرنسا في هذه الأراضي مستعمرات زراعية يملكها الأوربيون[17].

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

 

من الشبهات أيضًا التي أثارها أعداء الإسلام، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم  للوصول إلى الطعن في دعوته، وإبعاد الناس عنها، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية، لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة، ولكنه بعد هجرته صلى الله عليه وسلم  إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه؛ ابتغاءَ تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية.

وقد حاول المدَّعون إيهامَ الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم  لجأ إلى السطو على قوافل قريش التي كانت محمَّلة بأثمن البضائع؛ رغبةً منه في التوسُّع المالي وتكديس الثروات!!

وصرح المستشرق الإنجليزي اليهودي "دافيد صمويل مرجليوث" بالقول: "عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصُّص والسلب والنهب.. وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثَّرت على نفس محمد، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبلُ ونابليون من بعدُ"[18].

 

والحقيقة أن المتأمل في تاريخ دعوته صلى الله عليه وسلم  لَيَدْحض هذه الافتراءات من الوهلة الأولى..

فبالنسبة إلى تعرُّضه صلى الله عليه وسلم  والمسلمين لقوافل قريش قبل بدر؛ فإنها إنما كانت أموال المسلمين أنفسهم، تركوها في مكة بعد طول تعذيب وتنكيل، وتركوا معها الأهل والولد والوطن، وهاجروا إلى المدينة عُزْلاً لا يملكون من قوت يومهم شيئًا؛ وذلك فرارًا بدينهم، وطلبًا لمكان يعبدون فيه ربَّهم دون أن يتعرَّض لهم أحد.. وقد قامت قريش بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين هؤلاء، واستباحت ديارهم وأموالهم، وليس أدل على ذلك من تجريدهم لأموال صهيب الرومي[19] >.

ولما تم استقرار المسلمين في المدينة واستتبَّ لهم الأمر، أَذِن الله تعالى لهم بقتال مَن ظلمهم وبغى عليهم، فأُعلِنت الحربُ على قُريشٍ ورجالاتها منذ تلك اللحظة، ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالاً عديدة، ويأتي في مقدِّمتها ما يُسمى بلغة عصرنا: "الحرب الاقتصادية"، فتعرَّضَ المسلمون لقوافل قريش، كنوع من الحرب الاقتصادية عليها، وكسرًا لشوكتها، ورغبةً في استرداد بعضٍ من حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة.

وإن الناظر في سيرته والمتأمل في تاريخ دعوته صلى الله عليه وسلم  لَيَعلم علم اليقين أنه لم يكن يسعى إلى تحقيق أي مكسب دنيوي يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها.. ولو كان كما قيل لعاش صلى الله عليه وسلم  عيش الملوك في القصور والبيوت الفارهة، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إِذْ كان في شظف من العيش، مكتفياً بما يقيم أَوْدَ الحياة، وكانت هذه حاله صلى الله عليه وسلم  منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، ويشهد لهذا أنَّ بيوته صلى الله عليه وسلم  كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته، وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته، ولم يكن له من الطعام إلا الأسودان (التمر والماء).. فعن عائشة { أنها قالت لعروة[20]: " ابْنَ أُخْتِي.. إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  نَارٌ؛ فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ[21]، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا"[22]. 

ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرِفَ به النبي صلى الله عليه وسلم ، وحَثَّ عليه أصحابه، وقد أتاه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ > وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ بِظَهْرِهِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كِسْرَى يَشْرَبُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْتَ هَكَذَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّهُمْ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ الدُّنْيَا"[23].

بل إن أهل مكة كانوا قد عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم  المال والمُلك والجاه[24] من أجل أن يتخلَّى عن دعوته، فرفض ذلك كله، وفضَّل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء.

وقد شهد بهذه الحقيقة الغربي توماس كارليل حين قال: "لقد كان محمد زاهدًا متقشفًا في مسكنه، ومأكله، ومشربه، وملبسه، وسائر أموره وأحواله.. فحبَّذا محمدٌ من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار، ساهر الليل، دائبٍ في نشر دين الله، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال، من رتبة، أو دولة، أو سلطان، غير متطلع إلى ذِكْرٍ أو شهوة"[25].

 

 

الشبهة الثالثة: كيف لنبي الرحمة أن يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟

كان محمد رحمة حقيقة، وإني بلهفة وشوق إلى أن أصلى عليه وعلى أتباعه
 
[26]

بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في غزو أفغانستان قامت قواتها باقتياد 800 مقاتل من طالبان بعد استسلامهم إلى معتقل قلعة جانجي في أفغانستان ثم أمرت الطيران الحربي بقصف المعتقل مما خلف مئات الجثث المتفحمة، كما قامت القوات الأمريكية بشحن 3000 أسير أفغاني في حاويات نقل مغلقة بحجة نقلهم إلى سجن شبرقان بأفغانستان وتركتهم في العربات المغلقة في الصحراء وهم مقيدين ومعصوبي الأعين لمدة أربعة أيام مبتكرة طريقة جديدة للقتل البشع[27]!!

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

 

سؤال يردده المشككون في رحمته صلى الله عليه وسلم ..  وفي الإجابة عليه يجب أن يعرف أصحابه أولاً سبب هذه الغزوة (فتح مكة)..

والأمر الجَليُّ هو أن قريشًا قد غدرت بصلح الحديبية ونقضت هذا الصلح، وذلك حينما أغار رجال منها مع بني بكر على خزاعة ليلاً، فأصابوا منهم رجالاً.. وكانت خزاعة قد دخلت في حلف رسول صلى الله عليه وسلم ..  وهو ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم  يتحرك بالجيش الإسلامي نحو مكة، ليكون الفتح العظيم بعد أكثر من عشرين سنة من الاضطهاد والتعذيب له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم .. وحينها يجتمع القوم الذين لم يُدركوا قيمة (العظيم) الذي كان يعيش بينهم.. ويتوقع الجميع يومًا داميًا يُنتقم فيه لآلام السنوات السابقة، ولدماء الشهداء الذين قتلتهم قريش، ويقف المتكبرون من أهل قريش في ذلة وصَغار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم  ينتظرون حُكمًا رادعًا بقتلٍ أو نفيٍ أو استرقاق..

وهنا يتساءل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم  في رقَّةٍ وتلطفٍ وتواضعٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُم؟" قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وابْنُ أَخٍ كَرِيم. قال: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"!![28]

هكذا.. دون عتاب أو لوم أو تقريع!!

وإنه لمن أعجب مواقف التاريخ حقًا!!

وقد تعجَّب الأنصار من هذا البِرِّ وتلك السماحة والرحمة غير المسبوقة، فقال بعضهم لبعض: "أمَّا الرجل[29] فأدركته رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ بعشيرته[30]!!"

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد عَهِدَ إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سمَّاهم بقتلهم، وإن وُجِدُوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وعبد العزى بن خطل، وعكرمة بن أبى جهل، ، ومقيس بن صبابة، وقينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل بهَجْوِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسارة مولاة لبنى عبد المطلب.

 

فكان هؤلاء جميعًا أشد عداوة وبُغضًا للإسلام وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا شديدي الأذى له بمكة..

فأما ابن أبي سرح فكان قد أسلم وكتب الوحي ثم ارتد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  مكة وأهدر دمه فَرَّ إلى عثمان بن عفان > وكان أخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم قال: "نعم"، وعفا عنه.

وأما عبد الله بن خطل فكان مسلمًا، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم  مُصَدِّقًا[31]، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له مسلمٌ يخدمه، فغضب عليه غضبةً فقتله، ثم ارتد مشركًا، وكان له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمسلمين؛ فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه، فقُتِلَ، وقُتِلت إحدى قينتيه واستُؤْمِن للأخرى.

وأما مقيس بن صبابة فكان قد قتل قاتل أخيه خطأ بعد ما أخذ الدية، ثم ارتد مشركًا.

وأما سارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة بن أبى جهل، فكانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهى بمكة، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم  دمها، فهربت حتى استؤمن لها منه صلى الله عليه وسلم  فأمَّنها فعاشت إلى زمن عمر بن الخطاب >.

وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأمَّنه، فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأسلم، وحَسُن إسلامه، وكان يُعَدُّ من فضلاء الصحابة[32].

ومن هذا يتبين لنا كرم أخلاق سيد الخلق وإمام المرسلين ورحمة العالمين محمد صلى الله عليه وسلم .. فقد أُوذِيَ من هؤلاء وغيرهم أشد الأذى، ولكن عفا عن معظمهم وكانت كلمته صلى الله عليه وسلم  التي سجلها التاريخ: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" أروع مثل لعفوه وسماحته ورحمته صلى الله عليه وسلم ..

 

 

الشبهة الرابعة: معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم  لبني قريظة:

لقد كان محمد طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم
 
[33]

في المراحل الخيرة للحرب العالمية الثانية وبالتحديد مع بداية عام 1943م وجهت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضربة قاصمة للبنية التحتية للدولة الألمانية، وبدأت هذه الضربة بسلسلة من الغارات الجوية ألقت 2.700 مليون طن من القنابل والمتفجرات على الأراضي الألمانية والأقطار التي تحت سيطرتها، مما أدى إلى دمار كامل بالمدن الألمانية وفقدانها نحو مليون مدني ما بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى أعداد لا تحصى من المشردين، لقد تم سحق ألمانيا بالكامل[34]!!

هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!

 

قبل أن نتعجل الحكم بأنه صلى الله عليه وسلم  عالج أمر بني قريظة بالعلاج الوحيد الذي لا ينفع غيره، أو حَلَّ عقدته بالسلاح الذي يناسبه.. نود أولاً أن نقف على حيثيات وظروف ذلك الحكم..

فمن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم  بمجرد قدومه المدينة عقد مع اليهود الموجودين بها معاهدة رائدة، تعد بمثابة أقدم دستور مُسجَّل في العالم[35]، والتي كان من أهم بنودها: التزام كل من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما   

بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الآخر في الداخل. وتعهد كل من الطرفين بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي، وعلى اليهود أن يتفقوا مع المؤمنين ما داموا محاربين[36].

وقد حدث في العام الخامس من الهجرة أن تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل من مشركي قريش وقبائل غطفان وأشجع وأسد وفزارة وبني سليم، على حين لم يزد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل[37].

وكان المتوقع أن ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات الزاحفة على المدينة بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين الفريقين، لكن الذي حدث هو عكس هذا تمامًا!  فلم تكتفِ بنو قريظة بمجرد السلبية، ولكن فوجيء المسلمون بهم يخونونهم في أخطر أوقات محنتهم، ولم يرعوا للعهود حرمة، في سبيل التعجيل بسحق المسلمين والقضاء عليهم قضاء تامًا.

وبمجرد أن سمع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بهذه الخيانة الخطيرة أرسل وفدًا مكونًا من سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد ابن عبادة سيد الخزرج، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير رضي الله عنهم؛ ليذكِّروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عهود، ويحذروهم مغبَّة ما هم مقدمون عليه، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  : من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبينه!! وهكذا ركب القوم رؤوسهم، وقرروا الانضمام الفعلي للغزاة، وأخذوا يمدونهم بالمال والعتاد.

 

وقد تدخلت عناية الله لنصرة الإيمان وأهله، وشاء الله أن يندحر ذلك التحالف الوثني اليهودي "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ[38]".

وبعدها مباشرة جاء الوحيُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  يأمره بأن ينهض إلى بني قريظة؛ جزاءً لمكرهم وغدرهم وخيانتهم، فسار إليها وحاصرها صلى الله عليه وسلم  والمسلمون شهرًا أو خمسة وعشرين يومًا.. ولمـا طال عليهم الحصار عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم  أن يتركهم ليخرجوا إلى أذرعات بالشام تاركين وراءهم ما يملكون، ورفض صلى الله عليه وسلم  إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط، وبالفعل استسلم يهود بني قريظة، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوكل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس[39].

وكان سعد حليف بني قريظة في الجاهلية ، وقد ارتاح اليهود لهذا الاختيار، وظنوا أن الرجل قد يحسن إليهم في حكمه، لكن سعدًا نظر إلى الموقف من جميع جوانبه، وقدَّره تقدير مَن عاش أحداثه وظروفه، وشاهد كروبه ومآزقه، وعرف النذر المستطيرة التي تراءت في الأفق، فأوشكت أن تطيح بالعصبة المؤمنة لولا عناية الله عز وجل التي أنقذت الموقف.. وكان هو نفسه الذي شفع لديهم باديء ذي بدء ليرجعوا عن غدرهم وغيهم، لكن القوم مضوا في عنادهم لا يقدرون للنتائج عاقبة، ولا يراعون الله في حلف ولا ميثاق، ولذلك لما كُلِّم في شأنهم أكثر من مرة قال >: "لقد آنَ لسعدٍ ألا تأخذه في الله لومة لائم"[40]، ثم بعد أن أخذ المواثيق على الطرفين أن يرضى كل منهما بحكمه[41] أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح ففعلوا، ثم قال: "إني أحكم أن تُقتل مقاتلتُهم وتُسبَى ذريتُهم وأموالهم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حَكَمْتَ فيهم بحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ"[42]!!

فقتل رجالهم، وسبي نساءهم وذراريهم، ومَن لم يُنبِتْ من أولادهم، ولاقى بنو قريظة أسوأَ مصير على أفظع خيانة..

وهنا يحلو للبعض أن يتقوَّلوا على الإسلام. وأن يتطاولوا على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم  ومعاملته لبني قريظة، ويعتبروا أن معاملته هذه لهم تتسم بالوحشية والقسوة، وأنه كان من الممكن أن يُعاقَبوا بأي عقاب آخر كالإجلاء أو النفي..

وللبيان والتوضيح نقول: ماذا لو أن نتيجة غزوة الأحزاب تمت حسبما كان يخطط لها بنو قريظة وأحزابهم، ألم تكن هي الإبادة التامة للمسلمين أجمعين؟! على أن اليهود لم يُقدِموا على هذا العمل الخسيس إلا بعد أن تكوَّن لديهم ما يشبه اليقين بأنهم - بمساعدة المشركين - سوف يقومون بتدمير الكيان الإسلامي تدميرًا كاملاً، واستئصال شأفة المسلمين استئصالاً كليًا، ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة[43]. ولقد كانوا حريصين الحرص كله على إبادة المسلمين، حتى لقد طلبوا من الأحزاب والمشركين أن يُسلِّموا إليهم سبعين شابًا من أبنائهم رهائن عندهم؛ ليضمنوا أن جيوش الأحزاب لن تنسحب من منطقة المدينة إلا بعد أن تفرغ من المسلمين، وتقضي عليهم قضاء تامًا[44].

فعلى الذين يستبشعون الحكم على بني قريظة، ويصفونه بأنه كان قاسيًا شديدًا، عليهم أن يحيطوا علمًا بجوانب الموضوع، وظروف القضية؛ ليدركوا أن اليهود هم الذين جَرُّوا الوبال على أَنفسهم.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] هيدلي (لورد إنجليزي اعتنق الإسلام سنة 1914م، وكتب مذكراته في كتاب: رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام)

[2] جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، ص 326، 327.

[3] البقرة: 256.

[4] انظر: الواحدي: أسباب نزول القرآن، ص 26، السيوطي: لباب النزول ص 37، الواحدي النيسابوري: أسباب النزول، ص 53.

[5] الكهف: 29.

[6] يونس: 99.

[7] الغاشية: 22.

[8] الشورى: 48.

[9] انظر: محمود حمدي زقزوق: حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك، ص 33.

[10] انظر: عباس محمود العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص169، 170.

[11] بلغ تعدادهم اليوم 143 مليون مسلم (إحصائية 2006م).

[12] غوستاف لوبون: حضارة العرب ص 128، 129.

[13]  مستشرق إنجليزي اشتُهِرَ بترجمته معاني القرآن إلى الإنجليزية، وُلِدَ في لندن في حدود عام 1697م، والمتوفَّى سنة 1736م.

[14] في مقدمة ترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن التي صدرت عام 1736م.

[15] العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومة صـ227

[16] وليم موير (مؤرخ ومستشرق إنجليزي): حياة محمد (نقلا عن كتاب "بطل الأبطال" ، عبد الرحمن عزام ، ص 44-45).

[17] د/ جمال عبد الهادي محمد مسعود، أ/ على لبن: المجتمع الإسلامي المعاصر(ب) أفريقيا، ص55- 58. بتصرف.

[18] مرجليوث: محمد وظهور الإسلام ص368..

[19] أبو نعيم: حلية الأولياء1/151، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/228.

[20] عروة بن الزبير بن العوام: (22 - 93 هـ) أحد الفقهاء السبعة بالمدينة،كان عالمًا بالدين، صالحًا كريمًا، لم يدخل في شيءٍ من الفتن، وانتقل إلى البصرة، ثم إلى مصر فتزوج وأقام بها سبع سنين، وعاد إلى المدينة فتوفي فيها.. انظر الأعلام للزركلي4/226.

[21] منائح: جمع منيحة وهي الشاة أو الناقة التي تُعطَى للغير ليحلبها وينتفع بلبنها، ثم يردها على صاحبها، وقد تكون عطيةً مؤبدة بعينها ومنافعها كالهبة.

[22] البخاري: كتاب الهبة، باب فضلها والتحريض عليها (2428)، ومسلم في الزهد والرقائق (2972)، وابن حبان (6348).

[23] أحمد (7950)، والنسائي في سننه الكبرى(9157)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.

[24] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/195، وابن هشام: السيرة النبوية2/130.

[25] الرسالة المحمدية نقلاً عن موقع صحيفة صوت الحق والحرية، مقال: شبهات المستشرقين حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقلم الشيخ/ مشهور فواز محجانة.

[26]  جان ليك (مستشرق أسباني): العرب ، ص 43

[27] د.محمد الحسيني اسماعيل، الإسلام والغرب، ص 162، 163 بتصرف.

[28] ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 411، وابن القيم: زاد المعاد 3/ 356، والسهيلي: الروض الأنف 4/ 170، وابن كثير: السيرة النبوية 3/ 570، وكذلك ابن حجر: فتح الباري 8/ 18، وقال الألباني: سنده ضعيف مرسل.

[29] يقصدون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .

[30] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (1780)، وأحمد (10961)، وابن حبان (4760).

[31] مُصَدِّقًا: أي جابيًا للصدقات.

[32] ابن سيد الناس: عيون الأثر2/ 236، ابن كثير: السيرة النبوية3/563.

[33] توماس كارليل (كاتب إنجليزي) : الأبطال، ترجمة محمد السباعي ، كتاب الهلال ، العدد 326 ، ط 1978م ، ص 82.

[34] هـ .أ.ل.فيشر:تاريخ أوربافي العصر الحديث،702،703بتصرف.

[35] محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط ثالثة، سنة 1389.

[36] سيرة ابن هشام 1/ 51.

[37] ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/84، وابن هشام: السيرة النبوية 4/176.

[38] الأحزاب: 25.

[39] تاريخ الأمم والملوك 2/ 586.

[40] المرجع السابق 587.

[41] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/ 587.

[42] النسائي في سننه الكبرى (5939)، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/167.

[43] محمد أحمد باشميل: غزوة بني قريظة، ص 243.

[44] السيرة الحلبية 2/ 347.