Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-       هديه في الأكل:

في "الصحيحين" أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يأكل ما تشتهيه نفسه، ويترك ما لا تشتهيه من غير أن يعيبه. فهذا هو التصرف الصحي (في الأحوال العادية) أن يأكل الإنسان ما يشتهيه في الوقت الذي يشتهيه، لأن الجسم يكون أقدر على هضمه والاستفادة منه. قال ابن القيم: "وهذا أصل عظيم في حفظ الصحة، فمتى أكل الإنسان ما تعافه نفسه ولا تشتهيه كان تضرره به أكثر من انتفاعه".

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
arrahma.jpg

ظهرت لنا في الصفحات السابقة رؤية المسلمين للرحمة، والأهم من ذلك أنه قد ظهرت لنا التطبيقات الفعلية لهذا الخلق العظيم في حياة سيد الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي تشير بوضوح إلى أن القواعد المثالية الرائعة التي جاءت في الشرع الحكيم، ونطق بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، لم تكن مجرد نظريات فلسفية صعبة التطبيق، إنما كانت واقعًا حقيقيًا عاشه المسلمون وغير المسلمين، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل وفي حياة من جاءوا من بعده، وساروا على نهجه وهديه.
   ولكي تتضح لنا الصورة بشكل أكبر وأوضح لابد من استعراض "الواقع" الذي مارسه غير المسلمين فيما يسمى بالحضارات القديمة، وكذلك الحضارات الحديثة، لنرى كيف تعاملوا مع القضايا التي بحثناها في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليعلم كل باحث عن الحقيقة مَنْ هو الرحيم حقًا، ومَنْ الذي تغلغلت القسوة في فؤاده ، حتى فقد فطرته الإنسانية، وصار يتعامل كخَلْقٍ غريب لا نعرف أصله ولا طبيعته!
   وسوف يكون الحديث في هذا الفصل منقسمًا إلى مبحثين هما:
المبحث الأول: حالهم في حروبهم
المبحث الثاني: حالهم في حياتهم العامة

المبحث الأول: حالهم في حروبهم
   لعل أبرز ما يميز الحروب التي يشنها الغرب على العالم الإسلامي، أو الحروب التي تنشب داخل العالم الغربي نفسه هي القسوة المفرطة التي تصل إلى حد البشاعة (شكل 5،6)، وإذا قَبِلَ البعض هذه القسوة بين المتحاربين- وهي غير مقبولة في الإسلام- فكيف يفسر التنكيل الذي يحدث بالمدنيين بعد انتهاء الحرب؟ فلا نجد حرمة لنساء ولا أطفال ولا أسرى ولا ممتلكات ولا أماكن عبادة!.
إننا سنعرض هنا إلى الموجز اليسير لبعض الحوادث - بل الكوارث - الإنسانية التي توضح ما نقصده، والتي كان الشعار الغالب عليها جميعًا هو... "بلا رحمــة"!!
الحروب الصليبية:
يصف المستشرق الشهير جوستاف لوبون بشاعة الحروب الصليبية قائلاً: "وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب رضي الله عنه  نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون، حيث عقد الصليبيون مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس، من المسلمين، واليهود، وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفاً، فأفنوهم عن بَكْرَةِ أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً!!..  فقد قطعت رؤوس بعضهم، وبقرت بطون بعضهم، وحرق بعضهم في النار،  فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار!.."[1].  
 

 

)

محاكم التفتيش:
شهدت إنجلترا في عهد الملكين "هنري الرابع، وهنري الخامس" (1399م – 1422م) موجة من الإعدامات للمخالفين للكنيسة الكاثوليكية بطريقة بشعة، فقد كان الإعدام بواسطة الإجلاس على الخازوق!.. ولم يلغ هذا الأسلوب نهائيًا إلا في سنة 1676م!.. أي أن الإعدام بالخازوق قد استمرَّ هناك قرابة ثلاثة قرون![2]
وفي أسبانيا وصل عدد ضحايا هذه المحاكم إلى: 31.000  أحرقوا بالنار، و290.000 عذبوا بعقوبات لم تبلغ حد الإعدام..
أما في هولندا فقد بلغ تعداد الضحايا في عهد الملك "تشارلز الخامس" (1337 – 1380م) 100.000 ضحية..
وفي عهد ابنه وولي عهده، سيق إلى المقصلة[3] الرجال والنساء والأطفال، حتى  بلغ عدد الضحايا 50.000 إنسان.. واستمر هذا المسلسل من القهر حتى القرن السابع عشر الميلادي[4]..
وفي فرنسا، في عهد الملك "تشارلز التاسع" (1550 – 1574م)، ذبح الكاثوليك أكثر من 20.000 من البروتستانت.  وفي عهد الملك "لويس الرابع عشر" (1638 – 1715م) تجددت المذابح ضد البروتستانت، فسيق الكثيرون إلى الإعدام.. ومن نجا من القتل خيَّرهم الملك بين الارتداد عن البروتستانتية إلى الكاثوليكية وبين الهجرة من فرنسا، فهاجر نصف عدد البروتستانت – أي نحو نصف مليون – ذهبوا إلى هولندا وإنجلترا وبروسيا وأمريكا[5]..
التتـار:
   لا يمكن - ونحن نتدارس حروب الآخرين - أن ننسى العاصفة التترية التي اجتاحت العالم أجمع، لتأكل الأخضر واليابس، ويكفي أن نذكر من مآسيهم ما فعلوه إثر سقوط عاصمة

الخلافة الإسلامية مدينة بغداد (656هـ) حيث قُتِلَ الخليفة ومعاونيه ومعهم مليون مسلم ما بين رجل وامرأة وطفل وشيخ!!..
لقد استمرَّ التقتيل أربعين يومًا كاملة رغم استسلام المسلمين!![6]
إبادة الهنود الحمر:
   لقد تعرض الهنود الحمر في القرون الأربعة الماضية إلى سلسلة من حروب الإبادة بمختلف الوسائل، لقد كان عدد السكان الأصليين في الأمريكتين يبلغ 150 مليون نسمة، ينتمون إلى أربعمائة قبيلة، أين هم الآن؟ لقد تمت إبادتهم بالكامل، ومحو تاريخهم وآثارهم، ولعله لم يبق منهم الآن أكثر من مليون إنسان فقط[7]!!
أما في العصر الحديث: وبالتحديد إذا نظرنا إلى القرن العشرين الميلادي الذي تولَّى زعامته العالم الغربي بلا منازع، وشهد طفرة علمية مذهلة ..  إلا أنه - وللأسف - شهد كمًّا من العنف والدمار لم تشهده الإنسانية منذ بدء الخليقة، وفيما يلي نتعرض للبعض اليسير مما عاناه العالم الإنساني بصفة عامة خلال مائة عام فقط تحت قيادة الغرب المتحضِّر !!
 
 
     الحرب العالميـة الأولى: (1914-1918)       
  حدثت عند مطالبة ألمانيا بمصالح استعمارية في العالم تتضارب مع مصالح الدول الاستعمارية الكبرى، فاشتعل العالم أجمع وانقسم إلى فريقين متحاربين، وكانت المعارك قاسية على الأطراف المتحاربة وظهرت فيها أسلحة جديدة أشد فتكًا!! وانتهت هذه الحرب بهزيمة ألمانيا وحلفائها، وقُدِّر عدد القتلى بنحو عشرة ملايين إنسان، وبلغ عدد الجرحى عشرين مليوناً، وقد أنشئت بعد ذلك عصبة الأمم لمنع مثل هذه الحروب مستقبلاً، ولكن هيهات!![8]
     مذبحة قيرغيزستان: (1916-1917)                  
قامت روسيا القيصرية في أواخر أيامها بهذه المذبحة في إطار سياستها القمعية تجاه المسلمين بآسيا الوسطى بشكل عام بهدف القضاء على العقيدة الإسلامية، وبالفعل قامت القوات الروسية بالعديد من المذابح الدموية في هذه المنطقة، وفي قيرغيزستان فقط تم قتل 150.000 مسلم.[9]
 
     الحرب الإسبانية: (1936-1939)
هي حرب أهلية ضارية اندلعت في إسبانيا إثر صراع على السلطة استمر 3 سنوات، وكانت محصلتها 600.000 قتيل، منهم 210.000 أعدموا من قبل الأطراف المتنازعة، وقد انتهى هذا الصراع الدامي باستيلاء الجنرال  فرانشيسكو فرانكو على مقاليد الحكم في عام 1939م ليبدأ فترة حكمه الديكتاتوري والذي استمر لمدة 35 عامًا وانتهى بموته.[10]
 
     حركة "التطهير" السوفيتية : (أغسطس 1936)
لقد رُوَّع العالم بما جرى في الاتحاد السوفيتي في أغسطس 1936م، حين تم القبض على مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين بتهمة التنظيم لاغتيال الزعيم الروسي ستالين، وبعد تقديمهم إلى محاكمات صورية، صدر الحكم بالسجن لمعظم المتهمين، وتم نفي بعضهم إلى سيبيريا الجليدية، كما تم إعدام بعض المتهمين رميًا بالرصاص.[11]
 
     الحرب اليابانية الصينية : (1937-1943)
احتلت اليابانُ الصينَ، ومارست قواتها القسوة والوحشية بلا حساب، وقد بلغ عدد الضحايا الصينيين من القتلى والجرحى والمرضى بسبب غزو اليابان 5 مليون و620 ألف شخص، وقد حدثت في هذه الفترة العديد من المذابح الرهيبة، أشهرها مذبحة مدينة نانكين الصينية، والتي قتل فيها أكثر من 200.000 صيني، وتم اغتصاب 20.000 امرأة.[12]
 
 
     الحرب العالميـة الثانيـة: (1939-1945)
في عام 1939م بدأت الأحداث المروعة للحرب العالمية الثانية، والتي شارك فيها 15.600.000 مقاتل، واستمرت زهاء ست سنوات 1939- 1945، وتُعَدُّ هذه الحرب أكثر الحروب البشرية دموية على مدار التاريخ، ولقد خسر فيها الجميع، حيث خرجت الولايات المتحدة الأمريكية المنتصرة بحصيلة قتلى بلغت 292.000 من قواتها المسلحة، وخسر الاتحاد السوفيتي 750.000 قتيل، وخسرت الصين بمفردها 2.200.000 قتيل[13]، وبلغ عدد الجرحى 80 مليوناً، كما خلّفت ملايين لا تحصى من المعوقين والمشردين والمفقودين!![14]
 
     معركة بريطانيا: (أغسطس 1940)            
وتُعدُّ من المعارك الشهيرة في الحرب العالمية الثانية، وبدأت عندما قرر الألمان غزو بريطانيا، وقد قاومت المدن الإنجليزية، واستعصت على الألمان، فلجأت ألمانيا النازية إلى شن غارات جوية عنيفة على مختلف المدن البريطانية، وقد استمرت هذه الغارات المتواصلة لمدة خمسة أشهر، مما أدى إلى دكِّ مدن بالكامل، مثل مدينة برمنجهام ومانشستر وشفيلد، بالإضافة إلى مقتل 23.000 مدني!![15]
 
 
     الغارات الجوية على ألمانيا: (1943-1945)
بدأت سلسلة هذه الغارات في يناير 1943م، وقامت بها الولايات المتحدة الأمريكية بالاشتراك مع بريطانيا وكانت موجهة بشكل مركز على المدن الألمانية، وقد خلفت هذه الغارات قرابة المليون شخص مابين قتيل وجريح، وكلهم من المدنيين الألمان، كما دمرت هذه الغارات أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون بيت ومبنى تدميرًا كاملاً، ولم تتوقف هذه الغارات إلا مع سقوط برلين وانهيار المقاومة الألمانية بعد أن صارت معظم مدنها خرابًا[16].
     هيروشيما ونجازاكي: (أغسطس 1945)
إن من أبشع صور القسوة مع المدنيين ما حدث لسكان مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، ففي صباح يوم 6 أغسطس 1945م أُسقطت القنبلة الذرية الأمريكية الأولى على مدينة هيروشيما، فمات على الفور 70.000 مواطن ياباني، والعجيب أنه بعد ثلاثة أيام فقط ألقت أمريكا القنبلة الثانية على مدينة نجازاكي فمات على الفور 60.000 مواطن آخر، وقد صرَّحَ مجلس مدينة هيروشيما إن عدد قتلاها ارتفع في سنوات قليلة إلى 230.000 إنسان بسبب ما خلفته القنبلة من إشعاعات، كما وصل عدد الجرحى إلى 157.000 شخص[17].
     تقسيم الهند: (يوينو 1947)
فور إعلان قرار تقسيم الهند وإعلان دولة باكستان كموطن للمسلمين، بادر الهندوس إلى الاعتداء على المسلمين في الولايات التي صارت جزءً من الدولة الهندية، واتخذ الاعتداء صورًا وحشية بالغة القسوة، مما اضطر المسلمين إلى الفرار من الهند إلى الأراضي الباكستانية، مخلِّفين وراءهم أموالهم وديارهم، فكانت هجرة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، إذ بلغ عدد المهاجرين 10 مليون مسلم خلال بضعة شهور قليلة!![18]

     الحرب الكورية: (1950-1952)                                      
التي قامت فيما بين الكوريتين، كوريا الشمالية بدعم من الصين، وكوريا الجنوبية بدعم من أمريكا، وقد أسفرت الحرب الكورية عن مقتل قرابة 3 مليون شخص من الكوريتين!! وذلك بخلاف الجرحى والمعاقين والمفقودين[19].
 
     تصفية المعارضين في الصين: (فبراير 1951)
قاد الزعيم الصيني "ماو تسي تونج" العديد من الحملات الداخلية للقضاء على المعارضين له، ففي عام 1951م - وتحت عنوان القضاء على الثورة المضادة - تم اعتقال عدد هائل من المواطنين،كما حُكِم بالإعدام على الكثير من الشخصيات العامة، وقد اعترف "ماو تسي تونج" أنه - في هذه الحملة فقط - تم تصفية 800.000 شخص من المناوئين لسياساته[20]، كما كان يفتخر بأنه دفن 46.000 عالم وهم أحياء[21]!!
 
     مأساة تركستان الشرقية: (1949-1953)
لقد استخدمت الصين أبشع الوسائل لقمع الشعب المسلم في تركستان الشرقية، لقد قسَّمت بلادهم، وغيرت اسمه إلى إقليم سيكيانج، وحظرت تعليم الديانة الإسلامية، ونكلت بالمعارضين وقتلتهم، حتى بلغ عدد القتلى من المعارضين المدنيين 100.000 مسلم، وذلك فيما بين عامي 1949- 1953م.[22]
 
 
     حرب فيتنام: (1964-1975)
شنت الولايات المتحدة حربًا شاملة ضد فيتنام الشمالية، وقد أسفرت الحرب عن مقتل 3 مليون فيتنامي معظمهم من المدنيين، وخلّفت أكثر من 30.000 معوق، و40.000 لاجيء، فضلاً عن المدن العديدة التي دُمرت تدميراً كاملاً[23].  
 
     مذبحة صبرا وشاتيلا: (سبتمبر 1982)
قامت بها القوات الإسرائيلية بقيادة (آرييل شارون) الذي عُيَّن رئيس وزراء لإسرائيل لاحقًا، وقد حاصر شارون مخيمي (صبرا وشاتيلا) في جنوب لبنان للاجئين الفلسطينيين، وقام بعملية بشعة من عمليات التصفية الجسدية الجماعية، فقد راح ضحيتها 800 ما بين 3000 - 3500 مدني من النساء والرجال والأطفال[24]، والعجيب أن المجزرة تمت في معظمها بالأسلحة البيضاء، وفي خلال 36 ساعة فقط!!... وكان شعار القائد شارون فيها: "بدون عواطف!!"[25].
 
     حرب الإبادة في رواندا )1990-1994)
خلال أربعة سنوات حدثت توترات أهلية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، تطورت بعد ذلك إلى حرب بهدف الإبادة، وقد بلغت الخسائر في الأرواح بسبب أزمة رواندا ملايين الأنفس، منهم 800.000 من ضحايا الإبادة، ومليونان من اللاجئين خارج رواندا، ومليون ونصف مشرَّد داخل بلده!![26]

     مجزرة المسلمين في البوسنة والهرسك :(1992-1995)
حدثت هذه المجزرة في أعقاب تفكك الاتحاد اليوغسلافي، وبتحريض من بعض الدول الأوروبية المجاورة قام الصرب بسلسلة من الجرائم الإرهابية للمواطنين المسلمين في مدينتي البوسنة والهرسك، مما أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى[27]، وإمعانًا في القسوة والقهر شرع الجنود الصرب في اغتصاب نساء المسلمين، وقد قدَّرت الأمم المتحدة عدد ضحايا هذه الجريمة بأنهم مابين 20.000 إلى 50.000 امرأة[28]، وقد تم اكتشاف ثلاثمائة مقبرة جماعية مليئة بجثث المسلمين المشوهة[29]، وما زالت المقابر الجماعية للمسلمين في البوسنة والهرسك تُكْتَشف يومًا بعد يوم حتى الآن!!
 
     مأساة الشيشان : (1994-1997)
تمثل هذه الفترة إحدى المراحل الهامة في كفاح الشعب الشيشاني المسلم من أجل الحصول على استقلاله من القبضة الروسية، وتأتي أهمية هذه الفترة بأنها شهدت اعتراف الاتحاد السوفيتي السابق بالحق الشيشاني في الاستقلال وتقرير المصير، ولم تنتزع الشيشان هذا الاعتراف من الدبِّ الروسي بسهولة، فقد ضحى الشعب الشيشاني بالكثير وقاسى من ويلات العنف الروسي ما يصعب احتماله، فقد بلغ إجمالي ضحايا الشيشان 104.000 ضحية من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال بعد تعرُّضِهِم لعمليات إبادة وحشية، تم فيها استخدام أقسى أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا[30].

المبحث الثاني: حالهم في الحياة العامة
 
 حالهم مع النسـاء: تتعد مظاهر القسوة ضد النساء في العصر الحديث..
أولاً: الاتجار بالنسـاء:
   ويعتبر من أشدِّ مظاهر القسوة مع النساء، ويأخذ الاتجار بالنساء في عصرنا الحديث أشكالاً متعددة، وتقوم به جهات مختلفة من بينها الأَسْر، وسماسرة محليون، وشبكات إجرام دولية..
   والمفجع أن هذه التجارة أصبحت رائجة، وأصبح لها مكانة في عالم الجريمة، وانتشرت لتغطي أغلب أرجاء العالم، حيث توجد 127 دولة تعتبر المورد للبضاعة المتجر بها – النساء - وتوجد 137 دولة كمستورد!!
إنه العالم أجمع إذن!!   وتستغل في هذه التجارة مئات الآلاف من النساء سنويًا، فأين حقوق المرأة؟؟
والغريب أن البلدان الموردة هي بلدان غرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، والبلدان المستقبِلة التي تستغل هذه النساء بأقصى درجات القسوة يقع أغلبها في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية!! إنه العالم المتحضر!![31].
 
ثانيًا: التعقيم القسري:
يبدو أن الضرب والغلظة والسبَّ كمظاهر للقسوة مع المرأة أصبحت لا تكفي في عصرنا الحديث!..
لقد تفتق الذهن البشري عن فكرة رهيبة وهي التعقيم القسري للنساء كسبيل للقضاء على عرق أو سلالة بشرية لا يليق وجودها - من وجهة نظره المريضة - في هذا العصر.. فكان حله المعجز أن يقضي على هذه الطفيليات البشرية - كما يراها - من المنبع!!!! وقد ورد في تقرير أشكال العنف ضد المرأة الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2006م  كأشهر الحالات ما حدث مع نساء السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا[32].
 
ثالثًا: أثناء الصراعات المسلحة وبعدهـا:
   تتنوع أشكال القسوة مع النساء أثناء الصراع المسلح وبعده، بدءًا بالضرب والمهانة، ومرورًا بالتعذيب والتجنيد القسري للنساء كمقاتلات، ونهايـة بالقتل!!    ويأتي الاغتصاب في مقدمة الوسائل المستخدمة ضد النساء أثناء الصراعات المسلحة، وقد أثبتت تقارير رسمية هذه القسوة بكل أشكالها في حق النساء في كثير من البلدان والمناطق مثل أفغانستان وتشاد وكولومبيا والشيشان ورواندا ودارفور ويوغوسلافيا السابقة، ولعل الأرقام أكثر وضوحًا.. فقد أغتصب في رواندا أثناء الحرب الأهلية في سنة ١٩٩٤م ما بين ربع إلى نصف مليون امرأة، وكذلك تم اغتصاب ما بين 20.000 إلى 50.000 امرأة في البوسنة على أيدي الصرب، وذلك في أوائل التسعينات من القرن الماضي[33]..
 
رابعًا: في المنزل:
   ونذكره في النهاية لأنه أخف أنواع القسوة ضررًا للنساء في عصرنا الحديث، وقد جاء في تقرير العنف ضد المرأة الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2006م، أنه في الولايات المتحدة الأمريكية تصل نسبة النساء الحوامل اللاتي يتعرضن للعنف على يد الأزواج إلى 20% من إجمالي النساء الحوامل، كما بين التقرير أن 70% من النساء اللاتي قتلن في الولايات المتحدة قد قتلن على يد أزواجهن أو أصدقائهن الذكور[34].
 
حالهم مع الأطفـال:
لقد بلغ مقدار ما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية لعلاج الآثار المترتبة على إهمال الأطفال وإساءة معاملتهم  12.4 مليـار دولار[35]..
   كما يوجد في سجون الولايات المتحدة ما لا يقل عن 2.225 من الأطفال مرتكبي الجرائم، ويمضون أحكاماً بالحبس المؤبد وذلك بسبب جرائم ارتكبت قبل بلوغهم الثامنة عشرة[36].
   أما في الهند فيعاني أكثر من مائتي ألف طفل في أوضاع تقترب من أوضاع العبيد، وذلك من خلال عملهم في مصانع الحرير الهندية لمدة ستة أيام ونصف أو سبعة أيام في الأسبوع، ولمدة 12 ساعة يومياً أو أكثر، وهم أطفال  صغار قد لا يتجاوزون الخامسة من عمرهم[37]!!
   وفي انجلترا ذكر تقرير للجمعية البريطانية لمنع إيذاء الأطفال أن حوالي مليون طفل بريطاني تعرضوا لكافة أنواع الاعتداءات في عام 2000م، وإن طفلاً من بين 4 أطفال تعرض للعنف وخاصة في المنزل، وأن 80% من هؤلاء جاء الاعتداء عليهم من آبائهم أو أقاربهم، كما أن 90% من الأطفال قد تم تهديدهم بسلاح ناري أو سكين، وأن 1% من الأطفال تعرضوا لاعتداءات جنسية من قبل آبائهم وأشقائهم، وأن 14% من المراهقين اتهموا آباءهم بالاعتداء عليهم "جنسيًا" وهم أطفال في سن الخامسة[38]!!

--------------------------------------------------------------------------------
[1] جوستاف لوبون: حضارة العرب، 326،327.
[2] د. توفيق الطويل: قصة الإضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، 81.
[3] آلة تُستخدم للإعدام، وتتكون من شفرة حديدية تسقط من أعلى على رقبة مَن يُراد إعدامه، فتقطع رقبته في الحال.
[4] المرجع السابق: 87،88.
[5] المرجع السابق: 97-99.
[6] د.راغب السرجاني: قصـة التتـار ص157.
[7] منصور عبد الحكم: الإمبراطورية الأمريكية البداية والنهاية ص33.
[8] ماجد اللحام: معجم المعارك الحربية ص363.
[9] د. فؤاد السيد: أعظم أحداث العالم ص170.
[10] د. أحمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين ص98.
[11] هـ.أ.ل.فِشر: تاريخ أوروبا الحديث ص667.
[12] د. هشام عبد الرءوف حسن: تاريخ اليابان الحديث والمعاصر ص241-244.
[13] هيثم هلال: موسوعة الحروب ص445.
[14] د. أحمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين ص99.
[15] هـ.أ.ل. فِشر: تاريخ أوروبا الحديث 674،675بتصرف.
[16] المرجع السابق 702-710.
[17] د. هشام عبد الرءوف حسن: تاريخ اليابان الحديث والمعاصر ص238-240.
[18] د. رأفت غنيمي: تاريخ آسيا الحديث والمعاصر 101- 103.
[19] المرجع السابق 419، 420.
[20] كونراد زايتس: الصين 197-199.
[21] المرجع السابق، ص254.
[22] د.محمد حرب: الإسلام في آسيا الوسطى والبلقان ص173 بتصرف.
[23]  ذاكرة القرن العشرين ص100.
[24] جواد أحمد، المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ص46.
[25] د. طارق محمد السويدان، فلسطين التاريخ المصور ص333ـ335.
[26] تقرير حالة اللاجئين في العالم ص245-247.
[27] بتصرف د/ أحمد بن علي تمراز، حسين عمر سباهيتش: جمهورية البوسنة والهرسك قلب أوربا الإسلامي، ص69 ـ 72.
[28] تقرير أشكال العنف ص60.
[29] هيثم هلال، موسوعة الحروب ص494.
[30] محمود عبد الرحمن: تاريخ القوقاز ص193بتصرف.
[31] بتصرف من دراسة بعنوان جميع أشكال العنف ضد المرأة، صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والستون بتاريخ 6يوليو2006م، ومنشورة على الموقع الرئيسي للأمم المتحدة على شبكة الانترنت،ص57، الرابط الإلكتروني
http://daccessdds.un.org/doc/UNDOC/GEN/N06/419/72/PDF/N0641972.pdf?OpenElement
[32] تقرير أشكال العنف ضد المرأة،59.
[33] تقرير أشكال العنف ضدالمرأة2006م ص60.
[34] تقرير أشكال العنف ضد المرأة ص51.
[35] بتصرف من دراسة بعنوان تعزيز حقوق الأطفال وحمايتها، صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والستون، بتاريخ 20 أغسطس 2006م، ومنشورة على الموقع الرئيسي للأمم المتحدة على شبكة الانترنت، 16،13، الرابط الإلكتروني:
http://www.unicef.org/violencestudy/arabic/reports/SG_violencestudy_ar.pdf
[36] تقرير مشترك لمنظمتي  هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ،أكتوبر 2005م، منشور على الشبكة العنكبوتية، الرابط الإلكتروني:
//hrw.org/arabic/docs/2005/10/12/usdom11851.htm
[37] تقرير لمنظمة منظمة هيومن رايتس ووتش، يناير 2003م، المنشور على الشبكة العنكبوتية، الرابط الإلكتروني:
http://hrw.org/arabic/docs/2003/01/23/india10680.htm
[38] موقع إسلام أون لاين، نوفمبر 2000م، الرابط الإلكتروني

http://www.islamonline.net/Arabic/news/2000-11/21/article21.shtml.