ومن دلائل نبوته وأمارات رسالته صلى الله عليه وسلم ما أخبر به عن أمور تتعلق   بوفاة بعض أصحابه وأهل بيته وغيرهم من أعدائه، وتبيانه لكيفية ومكان وحال مصرعهم،  وهو علم لا يعرفه النبي من تلقاء نفسه.
فالموت وما يتعلق به علم اختص الجبار - تبارك وتعالى - نفسَه بمعرفته، فهو وحده من يعرف أعمار البشر وأماكن قبض أرواحهم، فلا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت ] إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[ (لقمان: 34).

وقد أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم  بزمان أو كيفية موت بعض أصحابه وأهل بيته، كذلك بعض أعدائه، فأخبر به صلى الله عليه وسلم ، فكان تحققه برهاناً على نبوته وعلماً من أعلام رسالته، إذ لا يمكن لأحد معرفة ذلك ولا التنبؤ به إلا من قِبلِ اللهِ علامِ الغيوب.
ومن هذه الأنباء الباهرة؛ إخبارُه صلى الله عليه وسلم  عن شهادة عمرَ وعثمانَ وعلي وطلحة والزبير، رضي الله عنهم أجمعين، وأن موتهم سيكون شهادة، وأنهم لن يموتوا على فُرُشِهم أو سواه مما يموت به الناس.
وقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  على حراء، هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد)).[1] فشهد صلى الله عليه وسلم  لنفسه بالنبوة، ولأبي بكر بالصديقية، ولعثمانَ وعليَ وطلحةَ بالشهادة.

قال النووي: " وفي هذا الحديث معجزاتٌ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم : منها إخبارُه أنّ هؤلاء شهداء, وماتوا كلٌّهم غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر شهداء ; فإنّ عمرَ وعثمان وعليّاً وطلحة والزّبير رضي اللّه عنهم قُتلوا ظلماً شهداء ; فقتلُ الثلاثةِ [أي عمر وعثمان وعلي] مشهور, وقُتلَ الزّبير بوادي السّباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال, وكذلك طلحة، اعتزل النّاس تاركاَ للقتال, فأصابه سهم، فقتله, وقد ثبت أنّ من قُتل ظلماً فهو شهيدٌ".[2]
وقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم  عمر بالشهادة مرة أخرى حين رآه يلبس ثوباً أبيضَ فقال له: ((أجديدٌ ثُوبُك أم غسيل؟)) قال: لا، بل غسيلٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اِلبس جديداً، وعِش حميداً، ومُت شهيداً)).[3]
وكان كما قال عليه الصلاة والسلام، فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو قائم يصلي الصبح إماماً بالمسلمين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم  سنة ثلاث وعشرين للهجرة النبوية، ليكون مقتله رضيى الله عنه مصداقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم  وعلامةً من علامات نبوته ورسالته.
وأما ثاني الشهداء، أمير المؤمنين المظلوم عثمان بن عفان، فقد بشّره النبي صلى الله عليه وسلم  بشهادته، وأنبأه أنها ستكون في فتنة طلب منه أن يصبر عليها، وذلك لما جلس أبو موسى الأشعري مع النبي صلى الله عليه وسلم  على بئر أريس في حائط من حيطان المدينة .

يقول أبو موسى: فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمانُ بن عفان. فقلتُ: على رِسْلك، فجئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخبرته، فقال: ((ائذن له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)).
يقول أبو موسى: فجئتُه، فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالجنة على بلوى تصيبُك.[4]
وفي رواية أن عثمان (حمِد الله، ثم قال: اللهُ المستعان).[5] أي حمِد الله على بشارة النبي له بالجنة، وطلب من الله العون على بلائه حين تصيبه الشهادة.
وثالث المبشرين بالجنة في قوله صلى الله عليه وسلم : ((اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديق أو شهيد)).[6] هو علي رضيى الله عنه ، أبو السِّبْطين ، وقد أنبأه رسول الله في حديث آخر بأن الأشقى [أي ابن ملجِم] سيقتله بضربة في صِدْغَيه.
وذات يوم مرِض علي رضيى الله عنه مرضاً شديداً ، فزاره أبو سنان الدؤلي، فقال له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه.
 
فقال له علي: لكني والله ما تخوفتُ على نفسي منه، لأني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  الصادقَ المصدوقَ يقول: ((إنك ستُضرب ضربةً ها هنا، وضربةً ها هنا - وأشار إلى صُدغَيه - فيسيل دمها حتى تختضب لحيتُك، ويكونَ صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود)).[7]
ولأجل هذا الحديث ما كان رضيى الله عنه يخاف على نفسه الهلكة في مرضه، فلسان حاله يردد ما قاله عبد الله بن رواحة رضيى الله عنه:
وفينا رسول الله يتـلو كتابَـه          إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبـنا         بـه موقـنات أن ما قـال واقـع

وتقبل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم  تمشي ، فيقول لها أبوها: ((مرحباً بابنتي))، تقول أم المؤمنين عائشة: ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسرَّ إليهاً حديثاً، فبكت، ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكتْ.
فقلت لها: ما رأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتُها عما قال؟ فقالت: ما كنت لأُفشي سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  .
فلما قُبِض النبيُّ صلى الله عليه وسلم  سألتُها، فقالت: أسرَّ إلي: ((إن جبريل كان يعارضني القرآن كلَ سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أولُ أهلِ بيتي لحاقاً بي، فبكيتُ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما ترضَينَ أن تكوني سيدةَ نساء أهل الجنة أو نساءِ المؤمنين))، فضحكتُ لذلك. [8]
وفي رواية أخرى أنها قالت: (فأخبرني أنه يُقبض في وجعه الذي توفي فيه؛ فبكيت، ثم سارَّني، فأخبرني أني أولُ أهلِ بيته أتبعُه؛ فضحكت).[9]
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بثلاث غيوب، أولُها: اقترابُ أجله، وقد مات عليه الصلاة والسلام في تلك السنة.
وثانيها: إخبارُه ببقاء فاطمة بعده، وأنها أولُ أهل بيته وفاة. وقد توفيت بعده صلى الله عليه وسلم  بستة أشهر فقط، فكانت أولَ أهل بيته وفاة.

وثالثها: أنها سيدةُ نساء أهل الجنة، رضي الله عنها.
قال النووي: " هذه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم  , بل معجزتان , فأخبر ببقائها بعده , وبأنها أول أهله لحاقاً به, ووقع كذلك , وضحكت سروراً بسرعة لحاقها".[10]
وأيضاً، من دلائل نبوته وأعلام صدقه صلى الله عليه وسلم  ؛ إخبارُه أمَ المؤمنين ميمونةَ أنها لا تموت في مكة، فقد مرضت ميمونة في مكة، واشتد عليها المرض، فقالت لمن عندَها: أخرجوني من مكة، فإني لا أموتُ بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخبرني أني لا أموت بمكة.
 
فحملوها حتى أتوا بها سَرِف، إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  تحتها في موضع الفَيئة .[11] فماتت هناك ودفنت، وقبرها معروف اليوم في ضاحية النوارية بمكة، فكانت وفاتُها خارجاً عن مكة، كما أخبر الذي لا ينطق عن الهوى.

ومن هؤلاء الذين تحدث النبي صلى الله عليه وسلم  عن وفاتهم، سِبطُه الحسين بن علي ريحانة أهل الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  لإحدى أزواجه: ((لقد دخل علي البيت ملَك لم يدخل عليَّ قبلًها فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتُك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء)). [12]
وهكذا كان فقد قُتل رضيى الله عنه في كربلاء العراق عام 60 هـ، فمن أدرى نبيه صلى الله عليه وسلم  بأن الحسين مقتول؟ ومن الذي أراه تربة مقتله؟ إنه الله العليم.
والأعجب منه تنبؤ النبي صلى الله عليه وسلم  بشهادة امرأة ، وهي أم ورقةَ بنتَ عبد الله بن الحارث، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يزورها كل جمعة، وكان يسميها الشهيدة فيقول: ((انطلقوا نزور الشهيدة)).

وذلك أنها قالت: يا نبي الله، أتأذنُ فأخرجُ معك، أمرّضُ مرضاكم، وأداوي جرحاكم، لعل الله يُهدي لي شهادة؟ قال: ((قَرِّي، فإن الله عز وجل يُهدي لك شهادة)).
وقد أدركتها الشهادة زمن عمر رضيى الله عنه ، وكانت أعتقت جارية لها وغلاماً عن دُبرُ منها [أي يُعتقان بعد وفاتها] فطال عليهما، فغمّاها [أي خنقاها] في القطيفة حتى ماتت.[13] فكانت وفاتُها شهادة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
فكيف جزم النبي صلى الله عليه وسلم  بوفاتها غيلة دون سائر الميتات، وهو أمر يندر في النساء؟ إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته وآيات رسالته.
ويغدو النبي صلى الله عليه وسلم  إلى تبوك، ويتأخر عن الجيش أبو ذر لبطئ بعيره، فيتركه، ويحمل متاعه على ظهره، ليلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم  في تبوك.
وبينما المسلمون يتفقدون من تخلَّف عنهم، لاح في الأفق سوادُ رجلٍ يمشي، قالوا: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كن أبا ذر))، فلما تأمله الصحابة، قالوا: يا رسول الله، هو واللهِ أبو ذر.

 

 

تابعونا على المواقع التالية:

Find موقع نبي الرحمة on TwitterFind موقع نبي الرحمة on FacebookFind موقع نبي الرحمة on YouTubeموقع نبي الرحمة RSS feed

البحث

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

البحث

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          قال صلى الله عليه وسلم : {من رغب عن سنتي فليس مني} رواه البخاري .. فمهما ادَّعى من مدعي محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو راغب عن سنته فليس منه

فضل المدينة وسكناها

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

برامج إذاعية