Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

عن علي (رضي الله عنه) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قل: (اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى: هدايتك الطريق، والسداد: سداد السهم). رواه مسلم .

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

ومن جميل صفاته صلى الله عليه وسلم كرمُه الفياض، وجُوده السيّال، كرمُه كرمُ رجل عافت نفسه الدنيا، حتى ما عاد يفرح بإقبالها، ولا يغتم ولا يهتم بإدبارها، إنه أكرمُ الناس وأجودُهم، وصفه ابنُ عمهِ ابنُ عباس رضيى الله عنه فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة).[1]

وعاشره أنس بن مالك عشرَ سنين، ثم وصفه فقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس).[2]
ومن رام إثبات ذلك فليصخ السمع وهو شهيد:

رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين فعلِقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمُرة [نوع من الشجر]، فخطِفَتْ رداءَه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضاهِ نَعَماً لقسمتُه بينَكم ، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً)).[3]

وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيتُه)). فقال عمر: يا رسول الله، ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم قولَ عمر.

فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً.
 فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعُرف البِشر في وجهه بقول الأنصاري، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((بهذا أمرت)).[4]

فعطاؤه مع العوز وقلة ذات اليد، وهذا غاية الجود.
وجاءه صلى الله عليه وسلم نفرٌ من الأنصار فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِد ما عنده، ثم قال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعففْ يعِفُّهُ الله، ومن يستغن يغنِه الله، ومن يتصبر يصبرْه الله، وما أعطي أحد عطاء هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)).[5]

وجاءته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اُكسُنيها. قال: ((نعم)).
 فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتَها إياه، وقد عَرفْتَ أنه لا يرد سائلاً! فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت.[6]

نعم، إنه صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً، ويجود حتى بما هو أحوج الناس إليه.
    هو البحر من أيِ النواحي أتيتَه          فلُجتُه المعروف والبحرُ ساحله
    تراه إذا مـا جئته مـتهللاً             كأنك تعطيه الذي أنت سائله
‏    ولو لم يكن في كفه غيرُ روحه ‏           ‏لـجاد بها فليـتق الله سائلُه

ولفرط كرمه صلى الله عليه وسلم ، يقول جابر: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط؟ فقال: لا).[7]
في يوم حنين جاءه رجلٌ فسأله غنماً بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أيْ قومِ أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر!
فقال أنس: إن كان الرجل ليُسلِم، ما يريدُ إلا الدنيا، فما يسلمْ حتى يكونَ الإسلام أحبَ إليه من الدنيا وما عليها. [8]

ويذكر ابن عساكر أن صفوان بن أمية سار يوم حنين بين الغنائم ، فجعل ينظر إلى شِعبٍ مُلأ نعماً وشاء ورعاء، فأدام النظر إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقه فقال النبي: ((أبا وهب، يعجبُك هذا الشِعب؟)) قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: ((هو لك وما فيه)).

 

فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أسلم صفوان سيد قريش وأحد عقلائها لما رآه من جود النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى في كرم كفه وفيضِ عطائه وطيبةِ نفسه بهذا العطاء؛ ما يدل على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم.

وعطاؤه صلى الله عليه وسلم ليس مرتبطاً بمصلحة شخصية، ولا يطرد بزيادة العلاقة مع المُعطى أو نقصاِنها، يقول عليه الصلاة والسلام: (( إني لأعطي الرجل، وغيرُه أحبُ إليّ منه، خشيةَ أن يكبه الله في النار)).[9]

ومن صور كرمه صلى الله عليه وسلم ما رواه جابر بن عبد الله، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال لي: ((أتبيع ناضِحك [أي جملك] هذا بدينار، واللهُ يغفرُ لك؟)).
قلت: يا رسول الله هو ناضِحكم إذا أتيتُ المدينة [أي أنه يعطيه للرسول صلى الله عليه وسلم بلا مقابل إذا وصلوا المدينة].
 فقال صلى الله عليه وسلم: ((فتبيعه بدينارين، واللهُ يغفر لك؟)) قال: فما زال يزيدني ديناراً ديناراً، ويقول مكان كل دينار: ((والله يغفر لك)) حتى بلغ عشرين ديناراً.
 
فلما أتيت المدينة أخذتُ برأس الناضح، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا بلال، أعطه من الغنيمة عشرين ديناراً)) وقال: ((انطلق بناضحك، فاذهب به إلى أهلك)).[10]
وفي رواية في مسند أحمد قال جابر: (فمررت برجل من اليهود، فأخبرته: قال: فجعل يعجب ، ويقول: اشترى منك البعير، ودفع إليك الثمن، ووهبه لك؟ فقلت: نعم).

وحُق له أن يعجب، رجل يشتري جملاً من آخر ، ويزيده في السعر، ثُم يعطيه ثمن البعير والبعير، فما هذا بمعهود بين الناس لا مألوف، إنه جود نبي أدبه ربه فأحسن تأديبه.

[1] رواه البخاري ح (6) ، مسلم ح ( 2308).
[2] رواه البخاري ح (2820).
[3] رواه البخاري ح (2821).
[4] رواه الطبري في تهذيب الآثار ح (168)، والترمذي في الشمائل ح (350)، والبزار في مسنده ح (274).
[5] رواه مالك في الموطأ ح (1880).
[6] رواه البخاري ح (5810).
[7] رواه البخاري ح (6034)، ومسلم ح (2311).
[8] رواه مسلم ح (2312).
[9] رواه البخاري ح (27)، ومسلم ح (150).
[10] رواه ابن ماجه ح (2205)، وأحمد ح (13839).

د. منقذ بن محمود السقار