Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

 -           (لطفه مع أهله) كان صلى الله عليه وسلم يراعي في عائشة رضي الله عنها حداثة سنها ورغبتها في اللعب مع صويحباتها، ففي صحيح مسلم أنها كانت تلعب بالبنات (وهي اللعب المعروفة) فكان صواحبها يأتينها فيستحين من رسول الله ، فكان صلى الله عليه وسلم يسربهن إليها (أي يرسلهن إليها ليلعبن معها). فهذا هديه في إيناس أهله وإدخال السرور عليهم.

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

ننصحك بقراءة هذا الإصدار

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية

You are missing some Flash content that should appear here! Perhaps your browser cannot display it, or maybe it did not initialize correctly.

الشيخ الدكتور خالد بن عبد الرحمن الشايع
 

تحميل
نص البرنامج كاملا

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله   الصبور الشكور, العليم القدير, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، صفوته من   خلقه، وأصبرهم لحِكمه، وأشكرهم لنعمه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 أمَّا بعد: 

 ففي   الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أرسلت ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي زينب -كما في رواية تقول-: إنَّ ابنًا لي قُبض فائتنا، فأرسل يُقرِئ السلام، ويقول: (إنَّ لله ما أخذ وما أعطى، وكلُّ عنده بأجلٍ مسمى، فلتصبر، ولتحتسب)، فأرسلت إليه تُقْسِم عليه ليأتينَّها، فقام ومعه سعد بن عُبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال، فرُفع   إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع كأنَّها شنّ -يعني القِرْبة إذا   صُب فيها الماء-، ففاضت عيناه -صلى الله عليه وسلم-، فقال سعد: يا رسول الله، ما   هذا؟ فقال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده   الرُّحماء) [1]

 وفي هذا الحديث يخبر   أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنَّه كان جالسًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-   ومعهما سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهم، فأرسلت   زينب بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- تخبره أنَّ بنتها -وهذا على رواية-، أو أنَّ صبيًا   لها كما في رواية أخرى: اشتد عليها، أو عليه المرض، وأنَّ الموت نزل بها، وهي تحتضر،   وطلبت حضوره؛ لعله أن يدعوا لها، أو لهذا الصبي، فيُشفى، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- امتنع من الذهاب إليها؛ مبالغة في إظهار التسليم لربه -جلَّ وعلا-، وأنَّ   الأمر بيده سبحانه، وأرسل إليها رسولها، وأمره أن يبلِّغها السلام، وأن يخبرها أنَّ لله ما   أخذ، وأنَّ له ما أعطى، وأنَّ كلَّ شيء عنده بأجل مسمى، وأنَّ الواجب عليها أن تصبر وتحتسب فلا   تجزع، بل تسلِّم لقضاء الله وقدره؛ لأنَّه سبحانه استودعها ما وهبها، ثم استردها لما جاء   أجلها المقدور، لكن زينب أعادت رسولها مرة أخرى إلى والدها -صلى الله عليه وسلم-، وأقسمت عليه أن يحضر، فأبرّ قسمها؛ تطييبًا لخاطرها، فتوجَّه إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عددٌ من الصحابة، فاستأذنوا، فأُذِن لهم، فدخلوا ورُفعت الصبية أو   الصبي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي لا تزال تحتضر، ولها صوت حشرجة، وفي   رواية النسائي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها، وحينئذ   لم يتمالك النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، فدمعت عيناه، وبكى بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم- ما أرحمه وما أرقَّ قلبه! 

 فاضت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-   والصحب الكرام يرقبونه، فاستغرب سعد بن معاذ بكاءه -صلى الله عليه وسلم- مع أنَّه يظن   أنَّ البكاء منهي عنه، ولعله لم يفرِّق بين الجائز منه والممنوع، فأجابهُ -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ ذلك البكاء والدمع أثر رحمة يجعلها الله في قلوب من شاء من خلقه، وأنَّ   الله -جلَّ وعلا- إنَّما  يرحم من عباده الرُّحماء.

 وقد تضمن هذا الحديث فوائد عديدة منها:

 * الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم، والترهيب من   قساوة القلب وجمود العين.

 * وفيه أنَّ أهل الفضل لا ينبغي   لهم أن يقطعوا الناس من فضلهم وإرشادهم والعناية بأمورهم.

 * وفيه بيان ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من كمال الشفقة   والرحمة ورقة القلب، فها هو عليه الصلاة والسلام يحضر في مناسبة أخرى تشييع إحدى   بناته، ويُرى في عينيه الدمع، ذلكم ما ثبت في الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "شهدنا بنتًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسٌ على القبر -يعني على شفير القبر-، قال: فرأيت عينيه تدمعان وذلكم لما   توفيت بنته أم كلثوم -رضي الله عنها-".

 وفي الصحيح أيضًا أنَّه -عليه الصلاة والسلام- دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه -يعني في سياق الموت-، فجعلت عينا رسول الله     -صلى الله عليه وسلم- تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "وأنت يا   رسول الله؟"، -يعني وأنت تبكي وأنت رسول الله، وأنت الذي تمنع عن البكاء-،فقال -عليه   الصلاة والسلام-: (يا ابن عوف،إنَّها رحمة-ثم أتبعها بأخرى-،فقال -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ العين تدمع، والقلب يحزن،ولا نقول إلَّا ما يُرضي ربنا،وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). 

 وكانت وفاة إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة عشر من   الهجرة وله قرابة ثمانية عشر شهرًا، وهو في هذا السِّن أقرب ما يكون لوالديه، وتكون   بداية شدة تعلُّق الوالدين به، وذلك تمام الابتلاء له -صلى الله عليه وسلم- أن يموت   ابنه في هذا السِّن مع ما عُرف عنه -عليه الصلاة السلام- من محبته للأطفال والعناية بهم،   إلى غير ذلك من المواقف الدالة على ما أشرتُ إليه آنفًا من رقته -صلى الله عليه وسلم- وكمال رحمته وشفقته   .

* ومن الفوائد من تلك القصة:   أنَّه لا حرج في البكاء على الميت، ولكن بدون صراخ ولا عويل ولا ندب، وغير ذلك من مظاهر   الجزع و التسخّط، كشق الثياب، وحلق الشعر، بل من لازم الرحمة أن تدمع العين، ويحزن   القلب كما وقع له -صلى الله عليه وسلم-  

   * ولما كانت المصائب أمرًا لا انفكاك عنه،   بل هي صفة هذه الحياة الدنيا الملازمة لها؛ فقد وعد الله عباده الصابرين بالجزاء   العظيم الذي لا يُعدُّ ولا يحصى، قال الله -جلَّ شأنه-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقال   سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155- 157]، والمعنى:   أنهم يتسلَّون بقولهم: إنَّا   لله وإنَّا إليه راجعون عما أصابهم، فقد علموا أنهم ملكٌ لله يتصرف فيهم بما يشاء،   وعلموا أنَّه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأدَّى ذلك إلى اعترافهم بأنَّهم عبيد، وأنَّهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولذا جاء الثناء العظيم من الله عليهم في تلك   الآيات.

 وعند الترمذي بسند حسن بشواهده عن أبي سنان عيسى بن سنان القَسْمَلي -رحمه الله- قال: "دفنتُ ابني سنانًا وأبو طلحة الخولاني جالسٌ على شفير -يعني على شفير القبر-، فلما فرغتُ قال: ألا أبشرك؟ قلتُ: بلى، قال: حدثني أبو موسى الأشعري   قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ولد العبد؛ قال الله –تعالى-   لملائكته: وهو سبحانه وتعالى العليم بكل شيء: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم،   فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون:   حمدك واسترجع، فيقول سبحانه وتعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد)".

 وفي المسند وصحيح ابن حبان وغيرهما عن معاوية بن   قُرَّة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رجلٌ يختلف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع   بُني له -يعني يُكثر زيارته-، ففقَده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: مات   يا رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أما يسُرُّك أن لا تأتي بابًا من   أبواب الجنة إلَّا وجدته ينتظرك؟)، وفي رواية، فقالوا: يا رسول الله، ألهُ خاصة أم   للمسلمين عامة؟ قال: (بل للمسلمين عامة).

 ولما كان كثيرٌ من الناس لا يصبر لهول المصيبة وفقد الأبناء؛ فقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديثٍ من النياحة، ومن ذلك ما جاء في الصحيح عنه -عليه   الصلاة والسلام- قال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشقَّ   الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية).

 وحيث أنَّ النساء لرقتهن لا يتمالكن   أنفسهن عند كثير من المصائب، ويترتب على ذلك فتن وشرور، فقد أخبر -عليه الصلاة والسلام-   بما أوحاه الله إليه من وعيد شديد للنائحة منهن، وذلك ما رواه مسلم عن أبي مالك   الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها؛ تُقام يوم القيامة وعليها سربال من   قطران ودرع من جَرَب)، والمعنى: أنَّها تُكْسَى   بالرصاص المذاب، ويُسلَّط على أعضائها الجرب والحكة بحيثُ يغطي بدنها تغطية الدرع وهو   القميص.

 ومما تُعالج به المصيبة -مستمعي الكرام- وتُخفَّف وقانا   الله وإياكم شر المصائب ما ظهر منها وما بطن-، تُخفَّف المصيبة بأمور منها: 

 الأول:   أن يعلم العبد أن الدنيا دارُ ابتلاء، قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد : 4]، وفي معنى هذه الآية قال   الشاعر:

 طُبعت على كدر وأنت تريدها         صفوًا من الأقـذاء والأكدارِ

 الثاني:  أن يعلم أنَّ المصيبة التي نزلت قضاء نافذ، فإن صبر   واحتسب؛ أُجِر، وإلَّا سلى ونسي كما تسلُوا وتنسى البهائم.

 الثالث:   أن يُقدِّر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة، فذلك يخفِّفها عنه.

 الرابع:   النظر في حال من ابتلي، ولو نظر حوله؛ لما وجد إلَّا مبتلى   بفوات محبوب، أو حصول مكروه.

 وقبل ذلك وبعده أن يعتصم بالله، ويفوِّض أمره إليه، وأن لا يركن إلى هذه الدنيا ولا يطمئن بها، وأن لا يركن إلَّا إلى الدار الآخرة، وأن لا يفوِّض   إلَّا إلى ربه -جلَّ وعلا-.

 ولنختم هذه الحلقة -مستمعي الأعزاء- بما   رواه البيهقي، وأصله في صحيح مسلم، أنَّ امرأة قالت: أنا رَقوبٌ لا   يعيش لي ولد -كأنها تطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها-، فقال -عليه الصلاة السلام- مصحِّحًا عبارتها وموجِّهًا فهمها، قال: (إنَّما الرَّقوب التي يعيش ولدها، أما   تحبين أن ترينه على باب الجنة وهو يدعوكِ إليها؟)، قالت: بلى، قال: (فإنَّه   كذلك).

 اللهم الطف بنا والمسلمين، وجنِّبنا الفتن في الدنيا   والدين، والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته. 


[1]    هذا الحديث خرَّجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها في كتاب الجنائز، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يعذَّب الميت ببكاء أهله عليه، وفي كتاب المرضى، باب: عيادة الصبيان، وفي غيرهما، ورواه مسلم  في كتاب الجنائز، باب: البكاء على الميت.



المقطع المختار من قسم مقاطع الفيديو