Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-    صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)  رواه الترمذي وقال : حسن غريب وصححه ابن حبان

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
يوم الفرقان في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)

فِي رَمضانَ مِنَ السَّنةِ الثَّانِيةِ وَقعتْ غَزوةُ بَدْرٍ الكُبْرَى، وَسببُها أَنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) خرجَ ومعهُ ثلاثُمائةِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ليعتَرِضَ عِيرًا عظِيمةً لِقريْشٍ وَهِيَ رَاجِعَةٌ مِنَ الشَّامِ.وَكَان أبُو سُفيانَ قَائدُ هَذه القافلِةِ فِي غايةِ التيقُّظِ والحذَرِ, فَكَانَ يَسأَلُ كُلَّ مَنْ لَقِيَهُ عَن تحرُّكَاتِ المسْلِمِينَ, حَتَّى عَلِم بخرُوجِهِمْ مِنَ المدينةِ, وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَدْرٍ، فَحوَّل اتِّجاهَ العِيرِ إِلى الغَرْبِ ليسْلُكَ طَرِيقَ السَّاحِلِ، وَيَتْرُكَ طَرِيقَ بَدْرٍ المحفُوفَ بالخَطَر، ثُمَّ أَرْسَل رَجُلاً يُخبِرُ أَهْلَ مَكَّةَ بأنَّ أموَالَهُمْ فِي خَطرٍ وَأَنَّ المسْلِمينَ قَدْ استعدُّوا للهُجُومِ عَلَى القَافِلَةِ.فَلمَّا بَلَغَ أَهْلَ مَكَّةَ ذَلك هَبُّوا لنجْدَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلَمْ يتخلَّفْ مِن كُبَرائِهم إِلَّا أَبُو لهبٍ, وَحشدُوا مَنْ حَولَهمْ مِنَ القَبَائِلِ وَلَم يتخلَّفْ مِنْ بُطونِ قريشٍ إِلَّا بَنُو عَدِيٍّ. وَلما وَصَلَ هَذا الجيشُ إِلَى الجحْفةِ عَلِمُوا بنجَاةِ أَبِي سُفيانَ وَأَنَّه يطلُبُ مِنهُم العودةَ إلى مكَّةَ.

وَهمَّ النَّاسُ بالرُّجوعِ إِلَّا أَنَّ أَبَا جهلٍ حَثَّهم عَلَى المضيِّ قُدُمًا للقِتَالِ، فَرَجَع بِنُو زَهْرَةَ وَكَانُوا ثَلاثَمائةٍ, وَوَاصَلَ البقيةُ المسِيرَ وَكَانُوا ألفًا حَتَّى نَزَلُوا خَارِجَ بَدْرٍ فِي مَكانٍ فَسيحٍ وَرَاءَ الجِبَالِ المحِيطَةِ بِبدْرٍ.

أَمَّا رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فاستَشَارَ أصحَابَه، فَوَجَدَ مِنْهم العزْمَ والتصْمِيمَ عَلَى القِتَال وَالتضْحَية فِي سَبيلِ اللهِ تَعَالَى، فَسُرَّ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، وَقالَ لَهُمْ: "سِيْرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الآنَ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ".

وَتَقَدَّم النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) ونَزل قَريبًا مِنَ العُدْوةِ الدُّنْيَا فِي بَدْرٍ, فَأَشَارَ عَلَيْهِ الحُبَابُ بْنُ المنذِرِ أَنْ يتقدَّم فينزِلَ عَلَى أَقْربِ مَاءٍ مِن العدُوِّ، بحيثُ يجمَعُ المسلِمونَ الماءَ فِي حِياضٍ لأنفُسِهِمْ, وَيُغَوِّرُونَ بَقيةَ الآبَارِ، فَيَبقَى العدوُّ وَلَا ماءَ لَه, فَفَعلَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) مَا أشارَ بِهِ الحُبَابُ.

وَباتَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) ليلةَ الجمُعةِ – وَهِيَ ليلةُ بَدرٍ – سَابعَ عَشَرَ مِن رَمضَانَ قَائمًا يُصلِّي وَيَبْكِي وَيدْعُو اللهَ ويستَنْصِرُه عَلَى أعدائِهِ.

وَفي المسْندِ عَنْ عليّ بْن أَبِي طالبٍ قَالَ: لَقَدْ رأيتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) تَحتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي ويبْكِي حَتَّى أَصبَحَ.

وَفِيه أيضًا قَالَ: أَصابَنا طَشٌّ مِن مَطرِ – يَعني ليلةَ البَدْرِ – فانطلقْنَا تَحتَ الشجَر والحجف نَسْتَظِلُّ بِهَا من المطرِ, وَبَاتَ رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يدعُو ربَّه ويقولُ: "إنْ تَهْلِكَ هذه الفئةُ لَا تُعْبَد"، فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الفجرُ نَادَى: "الصَّلاة عِبادَ الله"! فجاءَ النَّاسُ مِنْ تحتِ الشَّجَرِ والحجف، فَصَلّى بِنَا رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَحثَّ عَلى القِتَالِ.

وَأمدَّ اللهُ تَعَالى نبيَّه والمؤمِنينَ بنَصْرٍ مِنْ عِنْدِه، وَبِجُنْدٍ مِنْ جُندِه كما قَالَ تَعَالى: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ٌ(10)} [الأنفال: 9 -10].

وَقَالَ تَعَالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران: 123]، وقال: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ [الأنْفَال: 17].

فابتَدأَ القِتَالُ بالمبَارَزَةِ فَقَتَل حمزةُ شَيْبَةَ بْنَ ربيعةَ, وَقَتل عليُّ بْنُ أَبِي طالب الوليدَ بْنَ عُتْبَة، وجُرِحَ عتبةُ بْنُ ربيعةَ مِن المشْرِكين وَعُبيْدَةُ بْنُ الحارِث مِنَ المسْلِمِينَ.
ثُمَّ بَدأ القِتَالُ واشتَدَّ، وَحمِي الوطِيسُ, وَأيّدَ اللهُ المسلمِينَ بالملائكةِ تُقَاتِلُ دُونَهم وتثبِّتُ قُلوبَهمْ, وَمَا هِي إِلا سَاعةٌ حَتَّى هُزِم المشْرِكُونَ وَولَّوا الدُّبُرَ، وتَبعَهمُ المسْلِمونَ يَقتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ, فَقُتِلَ مِنَ المشرِكينَ سَبعونَ، مِنْهم: عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةُ, وَأميَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَابْنُه عَلِيٌّ, وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيانَ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ وَغيرُهُمْ.
وَأُسِر مِنَ المشرِكين سَبْعونَ.

وَكَانَ مِن نَتَائِجِ غَزوَةِ بَدْرٍ أَنْ قَوِيتْ شَوكَةُ المسْلِمِينَ, وَأصْبَحُوا مَرْهُوبِينَ في المدِينَةِ وَمَا جَاوَرَهَا, وَازْدَادَتْ ثِقَتُهُم باللهِ تَعالَى، وَعَلِمُوا أَنَّ اللهَ ينْصُرُ عِبادَه المؤمنينَ وَلَو كَانُوا قِلَّةً عَلَى الكافرينَ وَلَو كَانُوا كَثْرَةً، وَمِنَ النَّتائجِ أيْضًا أنَّ المسلمينَ اكْتسبُوا مَهَاراتٍ قِتاليةً, وَتعلَّمُوا أَسَالِيبَ جَدِيدةً فِي القِتَالِ وَالكرِّ والفرِّ وَحِصارِ العدَوِّ وَحِرْمَانِهِ مِنْ أَسْبَابِ القُوَّةِ وَالاسْتِمْرَارِ فِي المَواجَهَةِ.

في رحاب السيرة النبوية 23
بقلم: أ.د. عادل بن علي الشدي

الأمين العام المساعد
لرابطة العالم الإسلامي