Get Adobe Flash player

رسالة اليوم من هدي الرسول

-          كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت مع أصحابه وهو قائد الأمـة ، بل ويقتسمون اللبن بينهم بالسّوية واليوم نرى من أمته وأتباعه من لا يُكلِّمون الناس إلا من علو، وربما لا يردّون السلام خشية أن تذهب الهيبة فأين هم عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

البحث

كتاب الرحمة في حياة الرسول

شاهد مكة المكرمة مباشرة

إقرأ مقالا من أكبر كتاب في العالم

إبحث عن محتويات الموقع

شاهد المدينة المنورة مباشرة

المسجد النبوي _ تصوير ثلاثي الأبعاد

Madina Mosque 3D view

الرئيسية
يوم الخندق

وَفِي شَوَّال مِنَ السَّنةِ الخامِسَةِ عَلَى أَصَحِّ القَوْلَيْنِ وَقَعَتْ غزْوةُ الأحْزابِ المعرُوفةُ باسْم "غَزْوَةِ الخنْدَقِ".وَكانَ سببُ هذهِ الْغَزوةِ أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) لمّا أجْلَى يهودَ بَني النَّضيرَ في السنةِ الرَّابعةِ عَنِ المدينَةِ لمحاولَتِهِمْ قَتَلَ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أشْرَافِهم إِلَى مَكَّة، وأَخَذُوا يُحرِّضُونَ قُرَيْشًا عَلَى غَزْوِ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) وَيُؤلِّبُونَهُمْ عَلَيْهِ، وَوَعدُوهمْ بِنصْرتِهم عَلَى رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَأجَابَتْهم قُريشٌ, وَاجْتمعُوا مَعهُمْ عَلَى قِتاله، ثُمَّ خَرجُوا فَأَتَوْا غَطَفَانَ وَبَنِي سُلَيْمٍ فدعَوْهم فاسْتَجابُوا لهمْ، ثُمَّ طَافُوا عَلَى قَبَائِلِ العَرَبِ يَدْعُونَهم إِلى قِتالِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم).

فخرَجَتْ قُريشٌ فِي أربعةِ آلافِ مُقاتِلٍ, بقيَاَدةِ أَبي سُفيانَ, وَقَادُوا مَعهُمْ ثَلاثَمائةِ فَرسٍ وَأَلفًا وَخمسَمائةِ بَعيرٍ, وَوَافتْهم بَنُو سُلَيْمٍ بمرِّ الظَّهْرانِ وَهُمْ سبْعُمائةٍ, وَخرجَتْ مَعهم بَنو أُسدٍ، وَخرجَتْ فزارَةُ وَهُم أَلفٌ، وَخرجتْ أَشْجَعُ وَهُم أرَبُعمائةٍ, وخرَجَتْ بَنُو مُرَّةَ وَهُمْ أربعُمائةٍ أَيْضًا, وَكَانَ جَميعُ مَنْ وَافى الخنْدقَ مِن القبائِلِ عشرةَ آلافٍ وَهُمُ الأحْزابُ.

فَلَمَّا بلغَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وُصولُهم مِن مكَّةَ نَدَبَ النَّاسَ، فَأَشَارَ سَلْمَانُ الفَارسيُّ بحفْرِ خَندقٍ يَحُولُ بَينَ العدوِّ وبينَ المدينةِ, فَأمرَ بِهِ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم), فَبادَر المسْلِمونَ إِلَى حَفْرِه، وَاشْتركَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فِي حَفْرِه بنفْسِهِ، وَكانَ حَفْرُ الخنْدقِ أَمَامَ جَبَلِ سَلْعٍ, حَيثُ جَعل المسلِمُونَ الجبلَ خَلْفَ ظُهورِهِمْ, والخنْدقَ بينهمْ وبيْنَ الكُفَّارِ.

وَفَرَغَ المسلِمونَ مِنْ حَفْرِ الخندَقِ فِي سِتَّةِ أيامٍ، فَتَحصَّنَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المسْلِمينَ وَكَانُوا ثَلاثةَ آلافٍ بالجبَلِ مِنْ خَلْفِه، وَبِالخَنْدَقِ أَمَامَهُمْ.
وَأَمَرَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بِالنِّساءِ وَالذَّرَارِي, فَجُعِلُوا فِي آطامِ المدِينَةِ.

وَانطلَقَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ, وَكَانَ بينَهُمْ وَبَينَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عهدٌ, فَلَا زالَ الخبِيثُ بِهمْ، حَتَّى نَقَضُوا العَهْدَ مَع رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَدَخلُوا مَعَ المشْرِكِينَ فِي حَربِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم). وَاشتدَّ البَلاءُ بالمسْلِمينَ وَنجمَ النِّفاقُ, وَاسْتأْذَنَ بَعضُ بَنِي حَارِثةَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فِي العَوْدةِ إِلَى المدينةِ وَقَالُوا:  إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا  [الأحزاب: 13], وَهمَّ بَنُو سَلمةَ بالفشلِ, ثُمَّ ثبَّتَ اللهُ الطائِفتَيْنِ.
عَنِ البَراءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لمَّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) بحفْرِ الخنْدَقِ عَرَضَتْ لَنا فِي بَعْضِ الخنْدَقِ صَخرَةٌ عَظيمةٌ شَدِيدةٌ، لَا تأخُذُ فِيها المعَاوِلُ, فَشَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، فَجَاءَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَلَمَّا رَآها ألْقَى ثَوبَهُ، وَأَخَذَ المِعْوَلَ وَقَالَ: "بِسْمِ اللهِ"، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرَبَةً, فَكَسَر ثُلُثَها وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الحُمْرَ السَّاعَةَ"، ثُمَّ ضربَ الثانِيةَ, فَقَطعَ ثُلُثَها الآخرَ وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسٍ, وَاللهِ إِنِّي لَأبْصِرُ القَصْرَ الْأَبْيَضَ مِنَ المدَائِنِ"، ثُمَّ ضربَ الثَّالثةَ وقالَ: "بِسْمِ اللهِ" فَقَطَعَ بقيَّةَ الحجَرِ وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ اليَمَنِ, وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِيَ هَذِهِ السَّاعةَ".

وَأَقَامَ المشْرِكُونَ مُحاصِرِينَ رَسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) شَهْرًا وَلم يكُنْ بينَهُمْ قِتَالٌ لأجْلِ مَا حَال اللهُ بِهِ مِنَ الخنْدقِ بينَهُمْ وَبَيْنَ المسْلِمِينَ.
قَالَ عُلماءُ السِّيَرِ: كَان اشتدَّ الخوْفُ يَومَ الخنْدقِ، وَفشِل النَّاسُ، وَخِيفَ عَلى الذَّرَارِي وَالأمْوالِ، وَطَلَبَ المشْرِكُونَ مَضِيقًا مِنَ الخنْدَقِ يُقحِمونَ فِيه خيلَهُمْ، فَعَبر مِنْهُمْ جَماعةٌ, مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ وُدٍّ، فَجَعَلَ يدْعُو إِلى البَرازِ وَهُو ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً، فَبارزَهُ عليٌّ فقتَلهُ.

فَأصْبحُوا, فَجمعُوا كَتِيبةً عَظِيمةً فِيها خَالِدُ بنُ الوَلِيد، وَقَاتَلُوا إِلَى اللَّيْلِ, وَلم يُصَلِّ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يومَئِذٍ ظُهرًا ولا عَصْرًا، فَقَالَ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى، مَلٌََ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ صَنع أمرًا مِنْ عِنْدِه خذَّل بِه العدوَّ، وَفَرَّقَ بِه جُموعَهمْ, وَذلكَ أَنْ نُعَيْمَ ابْن مسعودٍ كانَ قَدْ أسلمَ، وَلمْ يَعْلَمِ المشْركُونَ وَلَا اليهودُ بِإِسْلَامِهِ, فَمَشَى بَينَ قُريشٍ وَقريْظةَ فَخذَّل بينَهُمْ. ثُمَّ هبَّت ريحٌ شَدِيدةٌ, فَقَالَ أَبُوسُفيانَ لأصْحَابِهِ: إِنَّكُمْ لَسْتُمْ بِدارِ مُقَامٍ، قَد هَلكَ الخفُّ والحَافِرُ، واختلفتْ قريظةُ, ولقِينا مِنَ الرِّيحِ ما تروْنَ, فَارْتَحِلُوا, فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ. وَقُتِلَ مِنَ المشْرِكينَ يَومئذٍ ثَلاثةٌ, وَمِنَ المسْلِمِينَ سِتَّةٌ( 1).
_______________________________
(1) انظر "الوفا بأحوال المصطفى" ص(713, 714)، وزاد المعاد (3/269 – 275).

في رحاب السيرة النبوية 28
بقلم: أ.د. عادل بن علي الشدي

الأمين العام المساعد
لرابطة العالم الإسلامي